السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجسد.. إن حكى

الجسد.. إن حكى
9 أكتوبر 2013 21:29
تكاد "لغة الجسد"، أن تكون هي اللغة المهيمنة بدلالات متعددة، على معظم الفنون المعاصرة، من باليه ورقص حديث وتمثيل صامت "بانتوميم"، والرقص في الكلاسيكيات، وغيرها من الفنون البصرية المتطورة، حتى انّ هذا الجسد الانساني الجميل بتقسيماته الرئيسية الثلاث، اصبح سيدا في سينوغرافيا الفضاء المسرحي المعاصر بعد ان صار الممثل ـ جسدا ـ هو العلامة الابرز في صورة المشهد المسرحي، وهو ايضا لغة ممتدة، تتجاوز مساحة الفنون التعبيرية، الى حياتنا اليومية، فكثيرا ما تغيب لغة الكلام، لتحل مكانها لغة الحركة من خلال الجسد للتعبير (الايماءة، الاشارة) عن اشياء كثيرة في الحياة، بحيث يمكن القول ان معاني الجسد الانساني لا تتوقف عند حدود معينة. أحمد علي البحيري هذا الكلام يقودنا بالضرورة الى الحديث عن شيء من هذا القبيل، ولكن بتعبير مختلف.. هنا في جنبات جامعة نيويورك ابوظبي، ثمة ابداع حقيقي بامتياز في مفهوم قراءة لغة الجسد، وثمة تعبيرات انسانية بلغات متعددة، تعكس لنا فلسفة الجمال، وفلسفة رفض اشياء كثيرة في العالم، ونقصد بذلك معرض “العقل/ الجسد لغة وفن وحركة”، من تنظيم معهد جامعة نيويورك، وتستمر فعالياته حتى نهاية اكتوبر الجاري، بمشاركة ستة عشر فنانا محليا وعربيا وعالميا، ونسّقته الفنانة الايطالية كريستينا دوميرشي، فجمعت اعمال المشاركين في مكان يحتشد فيه جمهور جامعي، من طالبي العلم من اكثر من خمسين جنسية، وهذا في حد ذاته اول نجاح يسجله المعرض، في ايصال رسالته لهذه الفئة النخبوية من الجمهور، ومعرفة ردود الافعال الحقيقية حول “اسرار لغة الجسد”. من اهم سمات هذا المعرض انّه يقدّم لنا في طيّاته اتجاهات وحرفيات وتقنيات فنية من تصميم ورؤية اجيال مختلفة في فن التشكيل بالصورة، اجيال يبدو انها تنظر الى عالمنا المعاصر بعين الريبة والشّك، وترى ان لا شيء يحدث حولنا بطريق الصدفة، فكل شيء مدبّر، وبخاصة في عالم السياسة، وعلينا رصده بوسائل تعبيرية مختلفة، ومنها الاساليب واالقواالب الفنية التي ذكرناها سابقا، مضافا اليها فن الاداء الحركي، على اعتبار ان الصورة اولا واخيرا هي نص مرئي.. في الواقع ان معرض لغة الجسد، هو ليس مجرد معرض يضم مجموعة من الاعمال الفنية المعبّرة عن هذه اللغة بالصورة الفوتوغرافية، او باسلوب الفيديو آرت، او بالفن التركيبي او بالفن المفاهيمي، هو اكثر من ذلك بكثير، لانه يثير من خلال فلسفة الفن اسئلة كثيرة: كيف يمكنك قراءة الآخرين بعمق؟ وكيف يمكنك ان تقرا العالم وما يدور من حولك من احداث؟ وكيف تعبر عن وجهة نظرك، توافق، او ترفض، تواجه، تتحدى، تتمرد، تقرّر كيف تكون حركة جسدك: كلغة تعبير، بدلا من الثرثرة والكلام؟ نحن اذن امام خطاب الصورة، فماذا يتضمن هذا الخطاب؟ حسن شريف.. افكار عبثية نبدا اولا مع شيخ الفنانين الاماراتيين حسن شريف الذي يعدّ بحق مؤسس الاسلوب التجريبي في استخدام الصورة للتعبير عن افكار ومواضيع وقضايا عامة، من خلال “فكرة داخلية شخصية تعتمل في الذهن”، وفي التّطبيق يقدّم شريف في جناحه بانوراما من 12 صورة، انتاج عام 1981، وتعكس حركات مجموعة من الاشخاص في عدد من شوارع مدينة لندن، وتؤكد الصور المتتابعة على طريقة المونتاج السينمائي على نوع الحركة المستخدمة في التعبير الانساني عن مجمل المشاهدة في هذه الشوارع، واهمية تواصل الانسان مع المكان من خلال تعبيراته الجسدية، على اعتبار ان الحركة هنا ليست مجرد تمدد وتقلّص عضلي فحسب، وانما هي في اغلبها عبارة عن رسائل تعبيرية شعورية ولا شعورية، يمكن تفسيرها من جانب المتفرج من زوايا وافكار عديدة، كما ان هذه الصور تعكس جانبا من طراز المكان العمراني، وتاثير حركة الانسان في تشكيله. ويتطابق هذا الفهم مع بانوراما من ست صور، التقطت عام 1982، لشارع الضيافة في دبي، فيما ينفرد حسن شريف في تاكيد اسلوبه التجريبي المصقول بحواف عبثية، في تلك البانوراما المكونة من عشر صور، تحت عنوان “اماكن واشياء”، ونتتبع من خلال هذه الصور ما يدور داخل مكتب شريف، وهو يرصد لنا جانبا من حياته اليومية، فهنا: فنجان شاي، قلم، قطع نقود، كبريت، وكيف نجح في تشكيل مشاهد انسانية من خلال ارتباطه بهذه المفردات الصغيرة، وكيف استثمر لغة الكاميرا لكي تتوازى مع لغة الجسد لتاكيد حركة الانسان مع حركة الاشياء. اما الصور الملتقطة بعناية وفق سيناريو محكم، فهي تعكس في الواقع جمال التصوير، وجمال الخيال، بحيث امكن لنا ان نفهم الحالة النفسية وما يدور بداخل بطلها من انفعالات مختلفة، عن طريق الحركة، الاشارة، الايماءة، وغيرها. وهذا ما اكده حسن شريف، في اكثر اعماله عبثية بعنوان “اقلام رصاص واوراق رملية” وتقوم هذه الطريقة، على (الخربشة) بقلم رصاص على سطح ورق الزجاج، بحيث تظهر لنا اشكال وتكوينات غريبة، لتجسيد فكرته معتمدا على عوامل خارجية محيطة. محمد كاظم.. افكار وصور مشاكسة من جناح حسن الشريف الى جناح تلميذه محمد كاظم، الذي يستقبلنا بصور عبثية صادمة يبدو فيها (لسانه الطويل) هو بطل هذا العرض الفوتوغرافي البديع باثر الكاميرا الرقمية، من منطلق يحاول من خلاله التعبير عن تمرده على اشياء تقليدية ثابتة في حياتنا، يريد كاظم ان يقول لنا، انّه يسخر من كل ما هو ساكن جامد في الحياة، وكل ما يفعله انه يقوم بتصوير كل مكان يستطيع ان يدخل فيه (لسانه الافعى).. هي افكار قد تبدو هامشية بسيطة مجنونة، لكنها تقول شيئا، والآن عليك قراءة هذه المشاهد الغريبة وهي صور قام حسن الشريف فيها بتصوير تلميذه: لسان محمد كاظم داخل فتحة ابريق الشاي، داخل كوب، ارجيلة، ابريق فخّار، نظارات، غاز طهي، داخل درج مكتب، واشياء كثيرة تجد فيها لغة اللّسان، وقد عبّرت بقوة وصدق عن ثنائية الجراة والجنون، لكن في النهاية نجح هذا اللسان المتلوّن، في ان يصنع لنا بالصورة مشاهد درامية ، تلعب فيها المفردات والعناصر والخيالات في تركيب مشهدية بصرية تجعلك في النهاية تضحك على الواقع. بقي ان نذكر ان محمد كاظم حمل صور لسانه، للمشاركة بها في بينالي فنيسيا التشكيلي الايطالي الذي انطلق في شهر مايو من هذا العام ويختتم اعماله نهاية شهر اكتوبر الجاري، وهو مهرجان يقام كل عامين مرة، ويستضيف فنانين من شتى ارجاء العالم. كريستينا دوميرشي.. صدام الحضارات قدّمت الفنانة الايطالية كريستينا دوميرشي، عرضا مبهرا من الفيديو آرت، انتاج عام 2010، بعنوان “سوق السمك في الشارقة”، ويظهر العمل كريستينا، وهي ترتدي ثوبا ابيض، في جلسة تامل، فيما يشبه رياضة اليوجا، داخل سوق السمك، الكادر يظهرها وكانها في حالة انفصال نقدية مباشرة، كامراة اوروبية في سوق سمك في الشارقة، ففي التفصيل الاول من العمل الدرامي، تبدو البيئة والثقافة والحضارة مختلفة، وفي التفصيل الثاني، نظرة اهل السوق من باعة وعمال تنظيف الاسماك، روّاد السوق، وغيرهم الى امراة تتواجد في مثل هذا المكان في الساعة الثامنة صباحا، اما في المجمل، فانها تحاول ان تعكس ردود افعالها ودهشتها مما يحدث امامها من حركات جسدية: عمال يقومون بتقطيع الاسماك، دماء تتناثر هنا وهناك، اختلاط الجنسيات من الباعة والمشترين، لغات وثقافات متنوعة وهي تحاول وسط هذا المشهد المحتشد بالعناصر ان تجد لها مكانا هادئا، فيما يطرح الفيديو تساؤلا: ما الذي تستطيع ان تفعله وتعكسه امراة اوروبية وسط كل هذا الصخب وحركة السكاكين، وصراخ العمال، وحركة اجسادهم التي لا تتوقف، ما بين الهدوء والصخب، وما بين لغة الكلام ولغة الجسد، بطلة الكادر، تدور من حولها عشرات الصور والمناظر، لكن ثمة ما هو اكبر من ذلك، انه تصوير الصدام الحضاري والثقافي الذي لن يتوقف. رابي جورجس.. ثنائية الادب والفن في جناح السوري رابي جورجس بانوراما صور بعنوان “ماذا تريد ان تكون” ويصوّر المحتوى العام للصور، رجلا قام بلفّ كامل وجهه بشريط لاصق اسود، بحيث لا يبدو من الوجه اي ملمح يفسر لنا الحالة، لكنك تستطيع ان تقرا بعض التفسيرات، من خلال قراءة الصورة، فبطلها يرتدي قميصا ابيض، ولون اللاصق الذي يغطي وجهه اسود، وخلفية الصورة حمراء، وما بين تضاد هذه الالوان، تستطيع التعرف على صاحبها العربي جورجس الذي نشا في المانيا، وهو يحاول هنا ان يعكس لنا من خلال هذه الصور فكرة مصادرة حرية الراي، وان كل ما يشاع عن الديموقراطية في العالم هو محل شكّ.. ان هناك اختلافات كبيرة بين الاديان والحضارات والثقافات، واذا اردت ان تتفاهم مع الآخر عليك اولا كسر كل هذه الحدود. محمد المزروعي.. خارج النّص نقول ان تجربة الفنان محمد المزروعي هي تجربة خارج النّص، لسبب واحد، هو ان اعماله التي قدمها في المعرض، تختلف عن كل الاعمال، بل وتشذ عن القاعدة، فهي تعرض لنا 16 (تخطيطة) للجسم الانساني العاري، ولكن ما الذي يريده المزروعي من وراء هذه التخطيطات التي رسمها بقلم الحبر مع الماء كوسيط على ورق الكانسون؟ هو اولا يريد ان يوضّح لنا نوع الشخص وحركته، هل هو ذكر ام انثى، باعتبار ان النّوع هو مسؤولية فلسفية، وليس باعتبار شكله الوظيفي الاجتماعي، وثانيا هو يتكلم بالتخطيطة او الاسكتش عن حركة الجسد، حتى يبرز لنا من خلال هذه الحركة السياق الجمالي المطلق، وحركة الجسد كاعتراض سياسي، وحركة الجسد كوجود اجتماعي، وبالتالي هو يصنع لنا ذلك الدمج الموحي بان الجسد رهين العقل وبالعكس. الاعمال التي قدمها محمد المزروعي بدقة ومهارة عالية، تشكل فكرة واحدة وهدفا واحدا، لكن ما يمكن ان تستبطنه ما يتعلق بحركة الجسد، ودراسة التشريح، والتعبير بشكل نفسي عن فكرة ما، تحقيق فنيات (تداخل الانواع) ففي بعض اعماله لشدة تركيزها ودقتها وتصميمها، لا تستطيع التفريق بين ما اذا كان بطل التخطيطة ذكرا ام انثى، بسبب تداخل البعد الانساني، وقد افاد في تكوينها البديع من كونه كاتبا وشاعرا وقاصا، حيث بدت اعماله راسخة، ناضجة، حيوية، تضج بالحياة، وكانه يرسم بلغة شاعرية، تبدو فيها لغة الجسد اكثر تاثيرا وتكسيرا للفضاء، مستفيدا من فضاء الجرافيك في بناء تشكيل التخطيطة. يذكر ان محمد المزروعي كقاص اصدر عدة مجموعات اهمها: “من سيعتني بالذباب”، وفي مجال الشعر اصدر “ارق النموذج”، وقد ترجمت بعض اعماله الى لغات الالمانية والفرنسية والانجليزية والاسبانية، وقد انعكست كل هذه الجهود على اعمال جناحه في المعرض، باعتبار الصورة استعارة في الادب وفي الفن، بمعنى تحقيق الاشتباك والاشتراك في حركة الصورة التي تعكس حركة الجسد. انس الشيخ.. تمرّد على الواقع اما الفنان البحريني انس الشيخ، فكان تعبيرا عن السّخط على الواقع، تمثل ذلك في واحدة من اهم اعماله، حيث نراه في صورتين ممددا على الارض، وقد وزعت على جسده بانتظام مجموعة من قطع الحجارة الصغيرة، بالوان مختلفة، وموضوع الصورة يشي بشكل واضح برفضه لكل شيء حوله، فهو يعيش حالة انفصال خاصة عن واقعه الذي يرفضه، لكن الحجارة التي تلف جسده الممدد في صحراء فسيحة، دليل على بقايا واثر الحضارة، كل هذه العناصر والمفردات، انسان وحجر ورمل، هي دلالة ورمز اراد الشيخ ان يقول لنا بصراحة اننا نعيش في حضارة تتآكل بفعل العولمة. نور البستكي.. التكوين في الصورة قدّمت الفنانة البحرينية االشّابة نور البستكي، بانوراما من خمس صور بعنوان “خطوات”، تتمتع بتكوينات فنّية مدروسة، منفتحة، منطلقة، بحجم الفكرة التي تطرحها حول قلق الشباب البحريني على مستقبله. ونرى في هذه البانوراما مشهدا دراميا متكاملا، لمجموعة من الشباب والفتيات وهم يسيرون كما لاعبي السيرك فوق انابيب نقل النفط في الصحراء، حيث يبدو افق الصحراء فسيحا بطول نظرة التامل التي يبديها هؤلاء الشباب في الصور المتتابعة، ونعتقد ان تصوير هذه الحالة وعلى هذه الشاكلة، يعكس مظهرا خطيرا في ذات الوقت: (النفط يسعد ويحرق)، اما المتامل بدقة في هذه الصور، فسيجد انها ممتلئة بعناصر تعكس روح البيئة ومكان الحدث: صحراء جرداء، رمال، كتل متنوعة من اسياخ الحديد متناثرة في ارجاء المكان، نظرات تاملية بعيدة المدى من الشباب، وكان سان حالهم يقول الى اين نحن ذاهبون؟ اما اجمل ما في تجربة البستكي هو مهارتها في بناء التكوين وانسجام العناصر الفنية فيه، من خلال ما تحتويه اللقطة الفوتوغرافية الواحدة وهو ما يجعل تفاصيل متناسقة “متممّة” لبعضها بعض، ما يضمن للتكوين توازنا منطقيا ذو لمسات فنية جذابة تحاكي موضوعا معاصرا وفق ما نراه في اطار الصورة وما تحمله من لمسات جمالية رائعة تجمع الخشونة والنعومة. طارق الغصين.. انطباع لحظة الفنان الكويتي من اصل فلسطيني طارق الغصين كان يدرك تماما اهمية ان لا تقلد الصورة الفوتوغرافية مظهر اللوحة التشكيلية، ولهذا بدا واضحا في صورته بعنوان (فوضى) وهي في الواقع صورة محيّرة، في معناها وابعادها ورؤيتها لما يحدث من نهضة عمرانية ضخمة في جزيرة السعديات في دولة الامارات العربية المتحدة، اما النّاظر اليها فيمكن له ان يعتبرها مجرد فوضى مكانية تعبيرية، فروح المشاهدة لها تفصح عن عناصر كثيرة: اعمال الحفر، الرمال، حركة الشخص الذي يقوم بالعمل في الصحراء، كما يبدو البحر في الافق، وكانه شاهد اثبات على الحالة، لكنك تستطيع في النهاية تجميع الصورة في اطار واحد يبرز تناغم الطبيعة المحلية ذات الهوية الخليجية: رمال، بحر، صحراء، السماء الصافية، حركة الانسان. وكما بدا لنا فان صورة الغصين هي انطباع لحظة زمنية تتداخل فيها اللحظة المكانية، لكن زمن الغصين هنا يتوقف قليلا لوهلة كي تحفظ عدسة الكاميرا نهضة على الطريق. اما المتامل لعمل الغصين في صناعة هذه الفوضى الخلاّقة فسيجد امتيازه بمقدرة خاصة على استثمار امثل لزوايا التصوير، والاضاءة الخارجية والظلال لبناء تكوين مشهدي لا يفقد صراع الانسان مع بيئته. منال الدوين.. فن الاحتجاج ربما يكون اهم ما في جناح الفنانة السعودية منال الدّوين هو اشتغالها ضمن ما يمكن تسميته اصطلاحا بـ”فن الاحتجاج بالصورة”، بعد ان عرضت لنا في جناحها بانوراما من مجموعة صور بعنوان (ظلال امراة)، والصور تظهر خمس نساء، وقد تم اقتطاع صورهن من الصحف، ومن ثم تركيبها باسلوب (الكولاج) لكنها في الواقع صور مغلفة بالغموض مثل واقعهن تماما، فلا تكاد تتعرف على اي من ملامحهن، بما يشي ضمنا ان المراة موجودة في المكان، لكنك لا تستطيع ان تراها او تلامس تجربتها، طموحها، رؤيتها واحلامها في حياة مغلقة. في الحقيقة على الرغم من ان تجربة الدوين قد تبدو للبعض على انها تجربة بسيطة، لكنها تجربة واعية في موضوعها الذي يلامس وضع المراة في مناطق واسعة من العالم، وبخاصة في منطقة الخليج، وهو ما افصحت عنه الصور من الزّي الذي ترتديه النساء الخمس، هو تعبير ضمني بالصورة وتحتها عديد الخطوط الحمراء: هل ما زلنا في عهد حريم السلطان؟ ابتسام عبد العزيز.. رياضية الفنانة ابتسام عبد العزيز، ابنة الشارقة، كانت مختلفة عن بقية نساء هذا المعرض من حيث الرؤية والفكر والمضمون، ان لم تكن اكثر وضوحا من رفيقتها السعودية منال الدوين في النظر الى مشكلة المراة او قضاياها، وهنا بانوراما من 15 لوحة بعنوان (دوائر النساء) تبرز من خلال حركات رياضية تقوم بها امراة رياضية شابة، من خلال الاستعانة بدائرة بيضاء، تساعدها في التجسيد الحركي، وتبرز من خلال هذه الالعاب مقدرة المراة على القيام بمهام ومراكز ولعب ادوار منختلفة وتقلد وظائف عديدة، ام، معلمة، مهندسة، ممرضة، وتعكس ابتسام بمهارة عالية كل هذه التوليفة على لغة تشكيل الجسد كمعادل موضوعي للافكار والاحلام والطموحات المختزنة في ذاكرة المراة العربية. ومن اهم قواعد الصورة في تكوينات الفنانة الاعتماد على (قاعدة الثلث) وتقوم على تقسيم الصورة الى ثلاثة اقسام افقية، وثلاثة اقسام عمودية، لكن ربما يكون اجمل ما في هذا التكوين هو فن التعبير الحركي بالجسد المطواع، بحيث اصبح هو مركز الصورة، بكل وضوحها واناقتها وصقلها، وحشمتها ايضا. وحيدة مال الله.. الموروث الشعبي يمكن للمتجوّل في جناح الفنانة البحرينية وحيدة مال الله، بعنوان “موروث” ان يخرج بعد متعة المشاهدة، من ان وراء صورها مخزونا ثقافيا وتراثيا له صلة بمنطقة الخليج، كما له ان يخرج بانطباعات مدهشة من الموضوع والافكار المطروحة في اطار جمالي بديع في التكوين والغرض والتركيب والمعنى، فقد رصدت بعدستها حركة سبع نساء غير واضحات المعالم، الا من الزي الخليجي، اما حركتهن فهي التي تكشف عن موضوع الصور المتتابعة التي تبرز وقوفهن على جذع نخلة طويلة متكسرة وقد اكل عليها الدهر وشرب، ويشي المنظر العام لهن بمشهدية درامية اخاذة في التعبير في المعنى، نساء يقفن على جذع نخلة، يرفعن الاكف تضرعا الى الله سبحانه وتعالى، وفق موروث ومعتقد شعبي قديم متداول في مملكة البحرين، مفاده، انه اذا ارادت المراة شخصا ما، فانها تقوم بوضع شريط اخضر على اعلى جذع النخلة، وفي هذه الحالة عليها تسلّق الجذع الطويل للوصول الى المكان حتى يتحقق غرضها، بعد ان تكون قد قامت بطقس خاص يتمثل في الدعاء لله عز وجل بان يحقق لها حلمها. عليك وانت تقرا مثل هذه اللوحة التي جرى تصميمها بدقة ومهارة عالية وجماليات خاصة في فن التصوير، ان تستلهم من هذه الثقافة الشعبية السائدة خليجيا اشياء كثيرة، منها ان (ثقافة الانسان) مهما تطورت وتنوعت، تظل التساؤلات حول الهوية القومية والجذور، حاضرة، حتى وان كان هناك ما يمكن ان ناخذه على هذا الموروث العريض، وهذا ما حاولت وحيدة مال الله ان تفصح عنه على طريقتها، لكنها في الحقيقة طريقة مشبعة بروح الحركة والدراما والطقس الفني، صور سلّطت الضوء على ثقافة شعبية ربما لم يكن الكثيرون على دراية بها، وكانت الصورة هنا حاضرة بقوة للتاثير في المدرك البصري وكان الصورة هنا تعادل آلاف الكلمات. شيخة المزروعي.. فن تركيبي قدّمت الفنانة شيخة المزروعي عملا تركيبيا من خيوط البلاستيك، حاز على اعجاب الجميع لمستوى الدقة التي تم استخدامها في تنفيذه الى الحد الذي حدا بالقائمين على المعرض وضع هذا العمل كشعار غلاف الكتاب (شعار المعرض)، تبدو من الخيوط البلاستيكية بكل اطياف اللون، مهارة ودقة تعكس حركة الجسد بطريقة سريالية بديعة، اما اذا اقتربت من هذا العمل ستشعر بانك تود ان تلمسه وتحاكيه، فيه تفاصيل دقيقة غير مرئية للجسد الانساني، اما التكوين فيفتح شهيتك نحو عملية تخييل درامية لتفاصيل الجسد دون تحديد النوع، كل ما في تقاطيع هذا العمل يدفعك لمزيد من الفضول كي تعرف ما هو مختبئ ورائه.. ونحن نختتم الحديث عن معرض “العقل/ الجسد، لغة وفن وحركة” الذي انطلق في دبي مطلع شهر مارس من العام الجاري، ثم ينفرد بجمالياته في جامعة نيويورك ابوظبي، ثم سيطير نهاية اكتوبر الجاري الى الولايات المتحدة الاميركية، علينا الحديث عن مظاهر ذات صلة بهذا الحدث الفني الاستثنائي المعاصر، فهو اولا يخرج من تقليدية المكان الواحد، فقد توزعت اعمال الفنانين توزيعا رقميا بحسب الاهمية والموضوع والافكار المطروحة، توزيع انيق ضمن براويز انيقة، تحتل كل مجموعة طابقا من طوابق المبنى الذي كان يوما سوقا للخضروات والسمك.. وهذا التوزيع افاد في اطلاع كافة الطلبة من تخصصات مختلفة للاطلاع على التجربة وتحليلها ودراستها، مضافا الى ذلك ان استقدام هذا النوع من الفن التعبيري الجيد وتقديمه لجمهور ابوظبي، يشكل اسلوبا جديدا على طريقة نشر ثقافة الصورة والفيديو آرت في الشارع الثقافي المحلي، ولزيادة تعميق هذا الجانب فقد قام معهد نيويورك المشرف على الحدث بوضع شروحات كاملة بالانجليزية حول الاعمال المعروضة. وان كان هناك من كلمة، فيجب ان توجه لمايا اليسون، التي قامت بعملية شرح مضنية حول الاعمال الفنية ومواضيعها، وفنانينها، كذلك الترجمة التي قام بها محمد القداد من جامعة نيويورك، وقد ساعد ذلك في الواقع على انجاز هذه القراءة لاعمال المعرض بما تحمله من جماليات التصوير الضوئي والرقمي، واسلوب الفيديو آرت، وفن الجرافيك، وغيرها من الاساليب ما يوحي باننا كنا في معرض محترف بكل ما تعانيه الكلمة على مستوى الافكار، وصدام السياسة مع الثقافة، واشياء كثيرة يمكنك استنتاجها من داخل فن عصري مبهر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©