الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصومال... حرب على الصحفيين

1 أكتوبر 2012
عبدي إبراهيم صحفي صومالي كان الوقت بعد ظهر يوم الخميس في العاصمة الصومالية مقديشو عندما قررتُ التوجه إلى المطعم الجديد ذي الشعبية الكبيرة المعروف باسم "ذا فيليدج"، قبالة المسرح الوطني. غير أن ذلك القرار كاد ينهي حياتي. المطعم، الذي بناه مؤخراً رجل أعمال صومالي عائد من المهجر، كان قد أضحى رمزاً للأمل الجديد في مقديشو بعد سنوات من الحرب الأهلية. كان مكاناً يلتقي فيه الصحفيون والنشطاء والسياسيون من أصحاب الأفكار الإصلاحية للحديث والدردشة حول المشاكل التي تواجه إعادة إعمار بلدنا. وجدتُ زملائي الصحفيين جالسين هناك نحو 10 صحفيين، ومعظمهم شباب يكسبون قوتهم اليومي عبر مزاولة أخطر وظيفة في العالم ربما. سلمتُ عليهم، ثم احتسينا الشاي، وتحدثنا حول التحديات التي تواجه الحكومة الصومالية المنتخبة حديثاً، وحول آمالنا في عهد جديد يسوده الأمن والسلام. لم أمكث في المطعم طويلاً. فحوالي الساعة الخامسة والنصف، ودعت أصدقائي لأن الوقت بدأ يتأخر، وعليّ أن أعود إلى البيت. ففي مقديشو من الأفضل ألا يتنقل المرء في المدينة بعد حلول الظلام. وعندما تركتهم، كان ضوء الشمس قد بدأ يخفت وأتذكر أنهم كانوا لايزالون جالسين هناك يتجاذبون أطراف الحديث. تلك الذكريات لن تفارقني ما حييت. ذلك أنه بعد عشرين دقيقة على ذلك، وبينما كنت ما أزال أتنقل عبر المدينة، تلقيت مكالمة هاتفية من أحد السياسيين أخبرني فيها بأنني نجوت للتو من كارثة. ذلك أن انتحاريين اقتحما المطعم المقام في الهواء الطلق وفجرا نفسيهما. وقيل لي إن بعض زملائي ماتوا في الهجوم بينما أصيب آخرون منهم. فجلست مصعوقاً، عاجزاً عن الكلام حتى مع صديقي الذي يقود السيارة. أصدقائي "لبان علي نور"، مدير الأخبار في التلفزيون الوطني الصومالي، وعبد الستار ظهير صبري، المنتج في التلفزيون الوطني الصومالي، وعبد الرحمن ياسين علي، مدير (صوت الديمقراطية) -الذين كنت أتمازح معهم قبيل دقائق فقط- ماتوا جميعاً الآن، في حين أصيب ستة صحفيين آخرين بجروح خطيرة. كانت الطاولة التي كنا نجلس إليها جميعاً في وسط الانفجار. لحظات الصداقة والسعادة جالت في ذهني وأنا أتحسر على أصدقائي في حزن ومرارة. ورحت أتذكر عام 2010، عندما كنت و"لبان علي نور" نعيش معاً داخل سوق "بكرة" في مقديشو، الذي كان خاضعاً وقتئذ لسيطرة تنظيم الشباب الإسلامي. كان "الشباب" يقومون في أحيان كثيرة بتعذيب أو قتل الصحفيين الذين لا يعجبونهم. وعلى نحو ما نجونا في تلك الأيام الخطرة- والآن هذا؟ تحدثتُ إلى صديقي يوسف كينان، الذي بالكاد نجا من الهجوم. وكافح كثيراً ليخبرني بما حدث: كانت هناك ثلاثة انفجارات. انتحاريان ثم انفجار. ورغم أن 11 شخصاً آخرا لقوا حتفهم في الهجوم، فإن زملائي مقتنعون بأننا- نحن الصحفيين- كنا الهدف إذ يقولون إن الصحفيين الثلاثة قُتلوا مباشرة بالرصاص من قبل الانتحاريين أثناء خروجهما من السيارة، قبل أن يقدما على تفجير نفسيهما. وإذا كان ذلك صحيحاً، فهذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها انتحاريون صحفيين بشكل خاص، وقد يعني ذلك أن حياتنا قد أصبحت أكثر خطورة للتو وبات مستقبلنا غير أكيد. في اليوم التالي، تلقى زميل آخر، "حسن يوسف أبسوج"، ثلاث رصاصات في الرأس من مهاجمين مسلحين في شوارع مقديشو. وفي المجموع، اغتيل 10 صحفيين صوماليين هذا العام، وهذا دون احتساب الآخرين الذين ماتوا عرضاً في خط النار. ولكن الأدهى من ذلك أن هو أننا لا نعرف بالضبط من يستهدفنا. فلا أحد أُوقف أو اعتُقل أبداً على علاقة بمقتل زملائي الصحفيين. ولا نعرف من هي الجهة أو الأشخاص المصممين على إسكات صوتنا. البعض يشتبه في أن يكون "الشباب" وراء قتل الصحفيين. والحال أن "الشباب" هم اليوم أضعف في مقديشو مما كانوا عليه، ومع ذلك فإن الاغتيالات مافتئت تتزايد. ما زال ذهني يستحضر تلك الدقائق الأخيرة في مطعم "ذا فيليدج"، حيث نجوتُ من الموت أو الإصابة بفارق دقائق معدودة. هناك، أرى وجوه زملائي الذين لن أراهم من جديد في هذا العالم. كانوا شباباً ينتظرهم مستقبل مشرق، ولكن حياتهم أُنهيت فجأة من قبل أشخاص لا يريدون السلام والتنمية لبلادي. والواقع أنه من خلال عملنا في مقديشو كصحفيين، تعودنا على التهديدات التي تواجه حياتنا، وحتى على موت زملاء لنا بين الحين والآخر. فباختيارنا هذا المسار المهني نحن نقبل بهذه الأخطار. ولكن أن يستهدفك هجوم انتحاري هو شيء مختلف تماماً. فنحن لسنا سياسيين أو دبلوماسيين، وليس لدينا حراس شخصيون أو سيارات مدرعة. وكل ما نستطيع فعله هو التقليل من تحركاتنا أكثر، وتوخي الحيطة والحذر. لماذا أواصل عملي كصحفي؟ لأن لدي طموحات كبيرة. ذلك أنني أريد أن أكتب أكثر عن أفريقيا، وأن أبحث بعمق في المجتمع والثقافة والسياسة الصومالية. ويوماً ما، سأصبح كاتباً. وتلك ستكون مساهمتي في إعادة بناء بلدي ومجتمعي، كما أعتقد. أما في ما يخص الخطر الذي أواجهه كل يوم، فأعتقد أن كل شخص سيسلم الروح إلى بارئها حين يأتي أجله. وحتى ذلك الحين، فلا يسعني والشعب الصومالي إلا أن نواصل السعي وراء حلمنا بمستقبل أفضل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. أنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©