الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

نقاب المرأة ·· خلافات فقهية وصراعات قضائية

27 يناير 2007 00:58
القاهرة - حلمي النمنم: تعيش مصر الآن أزمة، يمكن تسميتها بأزمة النقاب، تبدت الأزمة في رفض رئيس جامعة حلوان د· عبدالحي عبيد السماح للطالبات المنقبات بدخول المدينة الجامعية -سكن وإقامة الطالبات- وحجته أنه يمكن لأي مجرم أن يتنكر في زي منقبة ويقتحم المدينة، ساعتها لن يتمكن من مواجهة أسر هؤلاء الطالبات، والأزمة ليست جديدة بل هي قائمة منذ عام ،1985 حين رفض د· هاشم فؤاد عميد طب القاهرة الراحل السماح للطالبات المنقبات بدخول امتحان كلية الطب، وكان أكثر وضوحا من رئيس جامعة حلوان إذ قال يومها انه لا يليق بطبيبة سوف تتعامل مع المرضى أن ترى في وجهها عورة تخفيها· الخلاف انسحب إلى المجال الديني وانقسم العلماء إلى فريق يرى أنه واجب ديني، تُأثم المرأة بعدم ارتدائه، وهناك من ذهب إلى تحريمه دينيا، وفريق ثالث رأى أنه مباح فقط، أي لا تأثم المرأة بتركه· وهناك موقف شهير للدكتور يوسف القرضاوي أعلنه قبل ثلاثة أعوام وهو أنه ليس فريضة، وكانت مجموعة من السيدات المحجبات عضوات بالنادي قد اشتكين إليه أنهن يهاجمن في المسجد من زميلاتهن المنقبات اللائي يتهمنهن بالكفر، وبعدها أعلنت الممثلة المعتزلة شمس البارودي أنها تراجعت عن النقاب واكتفت بالحجاب، وخرج الأمر من نطاق الرأي والفتوى وذهب إلى القضاء والمحاكم، فهناك دعوى ضد د· سعاد صالح لأنها أعلنت في برنامج تليفزيوني أن النقاب ليس واجبا دينيا· وانتقل الأمر إلى المكتبات والكُتاب وظهرت دراسات حول النقاب مثل كتاب د· أحمد شوقي الفنجري ''النقاب'' ويتناوله في التاريخ وفي الدين وفي علم الاجتماع· ورغم أن الكتاب صدر أول مرة في العام 1987 فقد تكررت طباعته ومؤخرا صدرت منه طبعتان الأولى عن سلسلة ''اقرأ'' بدار المعارف والثانية عن سلسلة ''قضايا إسلامية'' بالهيئة المصرية العامة للكتاب· تاريخيا لم يرتبط النقاب بالأديان، فقد عُرف قبل ظهور الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، حيث ظهر في حضارات الشرق والغرب على السواء، وكان موجودا لدى الآشوريين والبابليين والآراميين والفرس والتركمان والإغريق والرومان، ولم يكن وقفا على النساء، فقد كان بعض الرجال يتنقبون وخصوصا الفرسان في المعارك وبعض المطلوبين في حوادث الثأر كي يتخفوا عن اعدائهم، وبعض العرب قبل الاسلام كان يرتدي النقاب للتخفي عند حضور سوق عكاظ، والبعض كانوا يتنقبون لأسباب عملية كالوقاية من الحر في الصيف أو من البرد في الأيام الباردة· نقاب الرجال والى اليوم في شمال إفريقيا، نجد لدى بعض القبائل سفور النساء بينما يتنقب الرجال، وفي بعض مناطق سيناء تكشف النساء عن وجوههن، بينما يتنقب الرجال، وتلك عادة اجتماعية أو مسألة ثقافية وليست دينية· ولم تكن النساء في تلك الحقبة من التاريخ ترتدين النقاب لأسباب دينية وشرعية كما قد يتصور البعض ولا حتى من باب الحياء، بل تذكر بعض المصادر التاريخية أن النقاب كان اكثر شيوعا بين البغايا لإخفاء وجوههن في الطريق فلا يعرفن بين الناس، وكان النقاب أحيانا يستخدم للقاء العشاق بعيدا عن الأعين الراصدة والمترقبة، ويثبت ذلك قول الشاعر الجاهلي الحارث بن كعب: ''ولا طرحت عندي·· بغي قناعها''· وفي العصور الوسطى حيث ظهر الإقطاع، اتخذ النقاب معنى جديدا، فقد كان الرجل يقتني من النساء مئات تحت مسميات عديدة، زوجات أو خليلات وغير ذلك، كانت النساء جزءا من أملاك الإقطاعي، فكان يخفي وجوههن بالبرقع عن أعين الناس أو يضع وشما معينا على وجوههن، وقد ورد ذكر النقاب في العهد القديم كإشارة إلى أمر واقع في حياة الناس وليس كأمر ديني أو واجب يلتزم به الناس، وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين ورد أن إحدى النساء وهي ثامار ترملت وقعدت في بيت أبيها ولما طال الزمن خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع· وفي الإصحاح الرابع والعشرين جاء عن ''رفقة'' أنها عندما رأت اسحق أخذت البرقع''· وفي الإسلام تذهب معظم الدراسات إلى انه لم تلبس المرأة المسلمة النقاب على عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين وبقي الحال كذلك في العصر الأموي ثم العصر العباسي، ولم يظهر النقاب في العالم الإسلامي إلا مع ضعف الحكم العباسي وابتداء عصر المماليك، وكان العباسيون قد أخذوا يتخلصون من العنصر العربي في إدارة الدولة وقيادة الجيوش وبدأوا يشترون المماليك ويستعينون بهم في كل شيء، وأخذ هؤلاء يعيثون في المدن فسادا وفسقا وفجورا، وتذكر كتب الحوليات أن هؤلاء كانوا إذا شاهدوا امرأة جميلة تسير في الشارع، يخطفونها وقد يقتلونها بعد اغتصابها، ففي ذلك الوقت كان مسموحا للفتيات وللنساء بالخروج والسير في الشارع والذهاب إلى الأسواق والحدائق والمتنزهات، ولما صار الخروج محفوفا بالمخاطر على هذا النحو، لزمن بيوتهن، ومن كانت تضطر إلى الخروج كانت تضع اليشمك أو البرقع على وجهها، حتى لا تعرف ولا يتبين المماليك شيئا من ملامحها، ومع الوقت صارت هذه العادة جزءا من سلوك الفتيات والنساء، حتى حسبها الناس من صحيح الدين وأنها أوامر إلهية، وجاء الحكم العثماني ليتولى أمور البلاد العربية كلها، فنشر فيها السمات التركية، خاصة تجاه النساء، والأتراك لديهم تقاليد خاصة في هذا الأمر، حيث تحبس المرأة في الحرملك مع الخصيان ولا يسمح لها برؤية العالم خارج الحرملك وإذا خرجت إلى الشارع تغطي وجهها بحجاب سميك، قد يكون عدة طبقات ولا تبدو منه سوى حدقة العين، وكان الرجل يعطى حقوق الولاية على النساء وتأديبهن بالعصا إذا انتهكن الأمر، دون أن يراجعه أحد في ذلك، وكانت المرأة في وضع الأقل شأنا في كل شيء· بدائع الزهور وقد رصد المؤرخ المصري ابن إياس في كتابه ''بدائع الزهور'' أنه بعد أن أسقط العثمانيون الخلافة العباسية وأنهوا دولة المماليك، أصدر السلطان سليمان الملقب بالقانوني، وهو نجل سليم الأول الذي اجتاح بجيوشه بلاد العرب فرمانا يحدد فيه كيف سيحكم مصر والمهم في هذا الفرمان ما يتعلق بالنساء، فقد جاء فيه ''كل امرأة تسير كاشفة وجهها في الطريق بغير نقاب يقص شعرها بالشفرة، وتمتطي حمارا بالمقلوب وتعرض في الأسواق العامة بين تصفيق الصبية وصياح المتفرجين''· والمقصود هنا عملية تجريس حقيقية للمرأة التي تخالف هذا الفرمان، وكانت عقوبة التجريس معروفة في المدن العربية، والمشكلة أن الفرمان التركي لم يوضع في الأدراج، فقد شرع الجنود الأتراك فى تنفيذ ما جاء به حرفيا، وتم بالفعل عقاب بعض السيدات وتجريسهن في المدن، لأنهن سرن الى الشارع دون أن يضعن البرقع على وجوههن، ومع الوقت امتنع خروج النساء من البيوت الا لضرورة قصوى، ومن تخرج فلابد أن تغطي وجهها بالكامل أو ما أصبح يعرف بيننا اليوم بالنقاب، وحين خرجت النساء إلى ميادين العمل مع القرن العشرين تخلصن من النقاب واكتفين بالطرحة المصرية، كما تبدو في صور نبوية موسى، ومع ثورة 1919 تخلصت النساء نهائيا من البرقع أو النقاب حيث قامت السيدة هدى شعراوي ومعها بقية النساء بخلع البرقع من على وجهها على رصيف ميناء الإسكندرية عند استقبال سعد زغلول ورفاقه العائدين من المنفى، وقلدتها النساء المصريات، ومنذ أوائل الثلاثينات بدأت النساء التخلص من الحجاب أو غطاء الرأس إلى أن عاد ثانية مع مطلع السبعينيات ومنذ أوائل الثمانينيات ظهر النقاب ليصبح أزمة ومشكلة· ويخلص د· الفنجري إلى أن النقاب عادة استوردناها أو فرضت على مجتمعاتنا مع الدولة العثمانية، وطبق بفرمان تركي وليس وفق مفهوم إسلامي واضح· ويذهب الفريق الغالب من الفقهاء والمفسرين إلى أن النقاب ليس فرضا ولم يأمر الله أو الرسول به، بل هو مكروه شرعا ويستدلون على ذلك بأن القرآن الكريم والحديث النبوي ليس فيهما أمر صريح بفرض النقاب، وقد توقف بعض المفسرين أمام قول الله تعالى ''وليضربن بخمرهن على جيوبهن'' بأن المقصود هو أن المرأة تدلي خمارها على وجهها ليغطيه، ولكن الفريق الآخر يرى في ذلك خطأ لأن الخمار كان يتدلى على الرأس والكتفين، والمقصود بالآية غطاء الجيب أي فتحة الصدر بطرف الخمار، وفي نفس الوقت هناك أحاديث عديدة تنص على كشف الوجه· ويروى أن المرأة على عهد الرسول وخلفائه الراشدين كانت تمارس كل نشاطات الحياة العامة مع الرجال كاشفة الوجه، ولم يمنعها أحد من ذلك، والثابت لدى أصحاب المذاهب الفقهية أن المباح للمرأة إظهار الوجه والكفين وأن النقاب ليس فرضا على المرأة المسلمة وإذا حضرت صلاة الجماعة كاشفة وجهها ويديها فلا تفسد صلاتها ولا صلاة أحد المصلين· ويتوقف أنصار ودعاة النقاب أمام آية الحجاب التي تقول ''وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب'' وفهم بعض المفسرين أن المقصود بالحجاب هنا هو النقاب كغطاء للوجه ولكنها تعني الساتر أو الفاصل، مصداقا لقوله تعالى ''وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب''، ويذهب بعض المفسرين إلى أن آية الحجاب خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وليس لنساء المسلمين· وقد حرم الله النقاب في مناسك الحج والعمرة وفي الشرع أن المرأة المحرمة إذا غطت وجهها عامدة بطل حجها فإذا غطته سهوا فعليها الفدية ولو كان النقاب مستحبا لفرضه الإسلام في هذا الموقف الجليل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©