الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اهتمام الإسلام بالجمال من دلائل الشمولية والتكاملية

اهتمام الإسلام بالجمال من دلائل الشمولية والتكاملية
13 أكتوبر 2011 19:32
لعلَّ من دلائل شمولية الإسلام وتكاملية تعاليمه اهتمامه بقيمة الجمال في الكون والحياة، ولعلَّ مرجعية ذلك تعود إلى أن الإسلام ينظر إلى من في الوجود، وما في الوجود، على أنه صنع الله، ومحال أن يوجد صنع لله بغير جمال، حتى القبح في حد ذاته حساً أو معنى لا يخلو من بعد جمالي يذكر الإنسان بنعم الله تعالى عليه. لذلك وجدنا قول الحق سبحانه (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) وقد فسر العلماء الآية بأن الحق سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان في أحسن صورة، وجعلوا من مظاهر حسن الصورة في الإنسان أن كل حي خلقه الله جعله مكباً على وجهه، إلا الإنسان فإن الله تعالى خلقه ممتد القامة يتناول مأكوله بيده، فكان ذلك من مظاهر الحسن والجمال فيه. حسن الصورة وذكر العلماء أن القاضي يحيى بن أكثم فسر التقويم بحسن الصورة، واستشهدوا على ذلك بأن ملك زمانه خلا بزوجته في ليلة مقمرة، فقال: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت كذا، فأفتى سائر العلماء بحنث الملك في يمينه، إلا يحيى بن أكثم فقال لا يحنث، فقيل له: لقد خالفت شيوخك بفتواك تلك. قال يحيى: الفتوى لا تكون إلا بالعلم ولقد أفتى من هو أعلم منا وهو الله تعالى في هذه المسألة، فقال: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم». ولا يخلو سائر ما في الوجود حياً وجماداً من معاني الحسن وصفات الجمال ألم يقل الحق سبحانه: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَـحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ»، ومن منطلق الجمال في الصنع والدقة في الخلق والإتقان كان هذا التحدي من الحق سبحانه (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ). ولأجل أن حب الجمال من طبائع البشر التي غرست في فطرهم نجد آيات القرآن الكريم، ونصوص السنة المطهرة قد عبرت عن ذلك في مظاهر وصور متعددة ومتكاملة، إذ نجد الحق سبحانه وتعالى يقول: «وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ - وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)، ويقول سبحانه وتعالى في آية أخرى: (وَالْـخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْـحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً)، ويأتي أحد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ليعبر عما ركب في طبيعة النفس البشرية من حب للجمال وميل له، فيقول يا رسول الله «إن الرجل يحب أن يكون ملبسه حسنا، ومركبه حسنا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال». بل نجد آيات القرآن الكريم وقد ربطت العديد من الشعائر التعبدية، بالظواهر الجمالية ترغيباً في إتيانها وتهيئة للنفس الإنسانية للتمسك بها، فنجد الحق سبحانه يأمر المؤمنين من عباده بقوله: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، ومن المعروف أن الزينة مظهر من مظاهر الجمال ودلالة من دلالاته. وتتعدد مظاهر الجمال وصنوفه وألوانه، فتأتي آيات القرآن الكريم لتبين أن المؤمن هو أولى الناس بالانتفاع والتمتع بها، إذ إنه هو الوحيد الذي سيسبر غورها، فتبوح له بأسرارها ليدرك ما فيها من عظمة للمنعم بها، والذي بقدرته يقف خلفها يقول سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). ولم يهمل الإسلام قيمة الجمال لدى بحث الإنسان عن رفيق العمر وشريك الحياة فمن صفات الزوجة الصالحة، كما ورد في الحديث الشريف «إذا نظر إليها سرته...». ومن الصفات المرغبة في الارتباط بالمرأة والزواج منها، أنها تنكح لجمالها كما ورد في الحديث، بيد أنه لا خير في جمال بغير دين. ولا نفع في حسن لا يحرسه إيمان. والإسلام حين يقرر ذلك يرى أن الدين هو الحارس الأمين لكل معاني الجمال في الكون والحياة. إذ لن يدرك قيم الجمال في الأشياء إلا إنسان عرف الله تعالى فأيقن أن مظاهر الجمال في الكون فيض من قدرته وأثر لنعماه. ونقرأ في صفحات المطهرين الأخيار ما يؤكد تلك المعاني السامية لقيمة الجمال وفلسفته التي وعتها المرأة المؤمنة، فها هي سيدة ذات حسن وجمال يأتيها شيطان من الإنس يهمس لها قائلاً: ألم تجدي غير ذلك الدميم ترضين به زوجاً. وهنا تظهر قيمة الجمال المحروس بدعائم الإيمان فتقول: لعلَّه أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني الله جائزة له، ولعلي أسأت فيما بيني وبين ربي فجعله الله عقابا لي. وهذه أخرى تنظر إلى المرآة فتقرأ في وجهها نضارة الشباب، وتقاسيم الصبا، فتتذكر جارات لها يرفلن في النعيم صباح مساء مع أزواجهن، ثم تنظر إلى حالها فيأخذها الأسى على ما ابتليت به من مرض زوج لا يبارح الفراش، بيد أن قيم الإيمان تهب لتطرد وساوس الشيطان، فتنظر إلى زوجها باتسامات الرضا قائلة الحمد لله أنني وأنت من أهل الجنة، فيقول الزوج وكيف عرفتِ أنني، وأنت من أهل الجنة، تقول الزوجة المؤمنة الصالحة: لأنك ابتليت بي وبجمالي فشكرت، وابتليت بك وبمرضك فصبرت، والجنة موعودة للشاكرين والصابرين من عباد الله. موقع متميز كذلك نلحظ أن قيمة الجمال بما لها من موقع متميز في تشريعات الإسلام، أن الإسلام لا يقف بها عند حدود الظواهر البادية، وإنما يتعداها إلى البواطن المستكنة الخافية، فالمؤمن إذا ما نظر في المرآة فأدرك في وجهه جمال الهيئة والصورة، يرى أن الواجب عليه أن يتخطى ذلك إلى ما يقف خلفه من صفاء النفس ونقاء السريرة، فيقول (اللهم كما جملت خَلقي فجمل خُلقي»، والإسلام بذلك يريد منا أن نكون من صائدي اللآلئ الذين يغوصون في الأعماق بحثاً عن جمال هو في حقيقته وجوهره أزكى وأربى، فيكون جمال الظاهر انعكاساً لجمال الباطن، وكما قيل: «إن بالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد، يجد الإنسان في نفسه نزوعاً إلى الإحسان في العمل ونفوراً من كل قبيح»، وقد ينظر الماديون إلى حمرة الورود فيشبهون بها خدود العذارى. أما المؤمن فله مع حسنها معنى وموقف آخر إذ يرى أنها خلق من مخلوقات الله تعالى يدل بجماله على وجوده سبحانه ووحدانيته، فإذا ما تأملناها ذكرنا جمالها بجمال خالقها سبحانه وتعالى، وإذا ما تأملنا الشوك يحوط بها ذكرنا ذلك بقدرة الحق سبحانه التي تحرس الجمال أن يعبث به الفارغون. ألم تر كيف نظر الهائمون من الشعراء إلى نيل مصر فرأوا فيه «مسافر زاده الخيال، والعطر والسحر والجمال، وهو صوت التاريخ النابض الذي يحكى قصة الأمس لأجيال اليوم»، هكذا الأدباء والشعراء في تصورهم للنيل ومائه. بيد أن الفلاح الأمي ينظر إلى ما يتخفى وراء ذلك من جمال فيرى فيه خيرا ينبغي استثماره، فيشق جسره بفأسه لا ليسافر به إلى نهايات حالمة، وإنما يسافر به إلى الشجر، والبشر ليكون الخصب والنماء وتكون الحضارة، فيكون الشكر للمنعم على ما أنعم، وهكذا لم يقف الفلاح بحسه ونظره إلى ذات الجمال، وإنما يتعداه إلى القيم والمعاني التي تتخفى وراء ذلك الجمال. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©