الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«قصص».. الإحساس بالمرارة ونقد القهر الاجتماعي وخطابه

«قصص».. الإحساس بالمرارة ونقد القهر الاجتماعي وخطابه
27 أكتوبر 2014 00:35
أبوظبي (الاتحاد) يرى الرجل كي يروي، إنما بكاميرا محمولة باليد. هو مخرج سينمائي يريد أن يصنع فيلماً وثائقياً عن الحياة اليومية للناس، غير أنه يصطدم بجهاز بيروقراطي ضخم وسلطة حسّاسة تجاه نقل معاناة الناس في عيشهم ومصادر رزقهم فيحدث في لحظة، من أقسى لحظات الفيلم لجهة التوتر الدرامي، أنْ تُختطف الكاميرا ويُختطف الفيلم وتُختطف حكايا الناس وآلامهم وتختفي جميعاً خلف الكاميرا، في مشهد شديد الرمزية والحساسية، في ذروة درامية مقنعة إلى حدّ بعيد من حيث هي صناعة سينمائية جمالية. بهذا المعنى، فإن «قصص» (88 دقيقة) للإيرانية راخشان بني اعتماد، الذي عرض ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، فيلم جريء عن الإذلال اليومي الذي يمارسه الجهاز البيروقراطي ورموزه على الناس، إذ يلتمسون عوناً منه للتغلب على أوضاع يمرّ بها البشر في أي مكان في العالم، ويوجّه نقداً سياسياً مباشراً أحياناً وغير مباشر في أحيان أخرى، غير أنه يبقى في إطار نقد الممارسة باعتبار ذلك نقداً لسلطة سياسية قائمة وغائبة عن المأساة الحقيقية. على صعيد الحكاية ما من حكاية خارقة أو غير عادية تأتي بها بني اعتماد إلى الشاشة، بل هي الحكايا ذاتها للمجتمع الإيراني إنما على حقيقته تماماً. تسأل المرأة الرجل المخرج وفي يده الكاميرا: لمَن تصوّر هذه الأفلام وأين ستعرضها؟ ومَنْ سيراها؟، هي المرأة الطَهرانية الأميّة التي تلاحق رموز الجهاز البيروقراطي برجاله ونسائه كي تحصل على مال يتيح لها إنقاذ ابنها الشاب من الاعتقال لأنه جاهر برأيه علانية في الشارع، في إشارة واضحة إلى التظاهرات الشبابية التي شهدتها إيران عام 2011، وما جرى في انتخاباتها الأخيرة أيضاً، حيث لا يخلو الفيلم كذلك من إلماحات، تتفرق هنا وهناك في السرد السينمائي، وتشير إلى جرأة الشباب، رجالاً ونساء، والمجاهرة بآرائهم علناً، إلى حدّ يشير إلى تفاوت كبير بين الأجيال، وإلى حدّ يبرز إلى أي مدى لم يعد خطاب السلطة مقنعاً في الشارع الإيراني. يشعر المرء أثناء ما تدور أمامه حكايا الناس بتفاصيلها، أن «قصص» قد انشغل بإحساس عالٍ بالمرارة والخذلان، ليس من قبل كاتب السيناريو والمخرج فحسب، بل من كل المشتغلين في هذا الفيلم. تذهب راخشان بني اعتماد إلى الحيّز الضيق لتروي الحكاية، أو لتتمكن أكثر من الإمساك بخيوطها ومآلاتها في السرد السينمائي: بيت، تاكسي، عربة قطار، باص نقل، وسواها. على نحو يجعل التفاصيل أكثر وضوحاً وبروزاً أمام عين المتفرج، خاصة أن التمثيل يلعب دوراً لافتاً للانتباه في هذه التفاصيل، لجهة أنه فعل وردّ فعل مباشر يتفاعل فيه الملفوظ (الحوار) مع حركة الجسد. فيشعر المرء أنه أمام ممثل قوي في لحظة تراجيدية. جاء التمثيل مقنعاً جداً، ولم يكن سبيلاً للتغطية على قصور في النص أو في الإنتاج، خاصة أن بنية السيناريو والحوار قد انشغلت بحيث يتخطى الممثل عاديته وتلقائيته فيؤدي دوراً مهماً كان قصيراً، هو دور يحتاج إلى خروج الممثل عن قدراته العادية ليبدع بحق، سواء أكان ممثلاً أم ممثلة، شابّاً أم كهلاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©