الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموقف سيد اللحظة

14 فبراير 2017 19:04
ورقةٌ وقلم، كوبٌ من القهوة الساخنة أمامي على طاولتي الخشبية المطلة على نافذة غرفتي، هذه النافذة التي تطل على الشارع المزدحم بضجيج السيارات. أخذت أسترجع وأستذكر تفاصيل يومي الفائت، سائلة نفسي هل من حدث يستحق التفكر والتبصر والتمعن فيه؟ ثم رجعت قليلاً بالذاكرة إلى الوراء... الساعة التاسعة صباحاً، كنت أنا وزملائي نستعد لرسم الأمل والسعادة على وجوه الأسر المتعففة وتوزيع المؤونات عليهم بإشراف المعلمة المسؤولة عن فريق الهلال الأحمر الطلابي الذي أشارك فيه كمصورة فوتوغرافية. ركبنا السيارة وأخذت أراقب الطريق الذي سيقودنا لبقعة مختلفة تماماً عن البقعة التي أعيشُ بها، وأستقر فيها، كنت دائماً أسمع وأشاهد مقاطع من الأفلام الوثائقية عن الأسر المتعففة وحياتهم البسيطة جداً لكنني لم أتصوّر قط أن تكون بهذه المعاناة التي شاهدتها، خلال تلك الزيارة والرحلة الطلابية. أسرٌ محتاجة، أطفال محرومون من طفولتهم، ملابس ممزقة، أسقف لا تقوى على حمايتهم وتدفئتهم من برودة الطقس، طعام قديم قليل لا يكفي، وحزنٌ يملأ المكان. دخلنا ومعنا المؤونة وتناثرت البسمة تملأ المكان، صوت دعوات عجوز قادمة من تلك الغرفة التي تملؤها غيمة الحزن، دخلنا لنعرف صاحبة الصوت، دخلتُ وكأنني أدخل إلى عالم آخر، عالم غريب، ممزقة تفاصيله، مهترئة ألوانه، الحياة تبدو فيه شاحبة، يا له من منظر يفطر القلب، عجوز عاجزة عن الحركة، دموعها كانت كفيلة بأن تشرح المأساة التي تعيشها مع مرضها وتكاليف علاجها التي عجزت يداها عن دفعه بسبب ظروفها التي لا يعلم بها سوى الله وحده. وهذا ما جعلني أقف لبرهة وأفكر. نظرت ليدي اللتين تملؤهما الأساور! وأحسست بتأنيب الضمير، ربما لو أنني أخذت المبلغ الذي سأشتري به الأساور والزينة وأعطيته لهذه الأسرة! هل ستكفيهم لأسبوع، اثنين، شهر، أم أكثر؟ أحسست بأنني أنانية! هناك أسر بحاجة ماسة لمثل هذه المبالغ التائهة في الفراغ، وأنا هنا أفكر بنفسي وبزينتي! يا له من شعورٍ مزعج، أحياناً ننسى أن هناك أناسا لهم الحق في أموالنا، إنهم ينتظرون أن نشعر بهم، نرحم حالهم، نعطف عليهم أو حتى نتذكرهم بشيءٍ بسيط يرسم البسمة على وجوههم المليئة بالتعب ومعاناة الحياة. هذا الموقف الذي مررت به، والتجربة التي خضتها، جعلاني اليوم أنظر إلى ما وراء الحياة، وما وراء الوجود، فبعض الأحيان نحنُ نمضي في هذه الحياة ولكن بعين مغلقة، لا تنظر إلى الواقع، أو الحقيقة، تبدو بعض الأمور أمامنا مزيّفة، ولكن كما قيل «الموقف سيّد اللحظة الراهنة» فهذه التجربة التي خضتها زرعت في داخلي أشياء كثيرة، وترعرعت أفكار وأشجار وأزهار. من بعد هذا الموقف أخذت عهداً ما بيني وبيني: «لن أتجاهل من حولي، ولن أنسى قط أن هناك من ينتظرني لأروي عطشه، وأمد له يد العون والتضحية»، فالحياة ليست ملكي، ولست أنا من يملك هذه الحياة، والسعادة للجميع، لا ينبغي أن نعيش سعداء وهناك دمعة على خد فقير أو محتاج. يجب أن نؤمن بأن الناس للناس، وإن أردنا أن نعيش سعداء يجب علينا إسعاد الناس جميعاً بشتى الطرق والوسائل، فلنسع لرسم الابتسامة على وجوه الآخرين، كي تكون لوحة الحياة مليئة بالألوان الجميلة الممتعة. حنان المرزوقي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©