الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أخيرا... الشعب يريد

أخيرا... الشعب يريد
12 أكتوبر 2011 20:42
منذ بدأت عاصفة المطالبة بالتغيير في الشارع العربي، والسؤال المطروح هو لماذا هبت هذه العاصفة؟ ولماذا الآن؟.. والسؤال في شكله العام المباشر بديهي ومنطقي لأن ما حدث لم يكن متوقعاً أن يحدث، وإذا حدث فليس بهذه الصورة المفاجئة الصاخبة، لكنه في ذات الوقت دليل على طبيعة العقلية العربية التي تفتقر إلى التأمل والتحليل والربط والاستنتاج، تفاجأ بالأحداث دائماً لأنها لم تتعود على نمط التفكير المنهجي الذي يساعد على البحث عن إجابات قريبة من الحقيقة بدلاً من الاستغراق في طرح الأسئلة فقط.. إن محاولة الوصول إلى إجابة ممكنة لذلك السؤال تستدعي بالضرورة تفكيك مكوناته. يقول حمود أبو طالب مؤلف كتاب “ساحات 2011” إنه لو تم توجيه السؤال لأي مسؤول في الأنظمة العربية التي سقطت أو التي تترنح قيد السقوط، لتمحورت الإجابة في الاتهام المباشر لأطراف وقوى خارجية تقوم بتنفيذ أجندتها أطراف داخلية عميلة.. ألم نسمع هذا التفسير كأول رد فعل يستمر تكراره بشكل مجاني حتى مع وضوح كثير من الأسباب التي تكشف عورات تلك الأنظمة ووجود أدلة لا حصر لها على فشلها. تونس يذكر المؤلف ان تونس التي انطلقت فيها الشرارة الأولى كانت ترزح تحت نظام بوليسي قمعي صادر مكتسباتها السابقة من الحرية بعد نضال طويل من أجل الاستقلال والخروج من براثن الاستعمار. حولها النظام المتسلط الى دولة تغرق في مسلسل متواصل من المشاكل والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. نظامها التعليمي الذي يعتبر نسبياً من أفضل الأنظمة في الدول العربية أصبح ينتج عاطلين لا خيار لهم غير الهجرة ومرارة الغربة، أو مضغ الملل واليأس داخل الوطن.. كان النظام يضلل المجتمع بتقارير زائفة عن نمو الاقتصاد، ويضلل العالم بالمنسوب العالي للحريات العامة في تونس. ولم تكن حادثة محمد البوعزيزي سوى عود الثقاب الذي لامس فوهة برميل البارود المحتقن. مصر ويشير المؤلف الى مصر، كيف كانت المأساة أكبر لأن النظام الحاكم صادرها بصلف وابتذلها بلؤم. صادر ثقلها السياسي ورمزيتها العربية العريقة حين همشها وجعلها تدور في فلك التبعية. أصاب الحياة السياسية فيها بالشلل بعد أن أصبحت تحت وصاية حزب واحد لا يجرؤ طرف آخر على منافسته أو مشاركته. أصبحت تعتمد على المعونات بعد أن تعطلت الزراعة ونهبت الأراضي لصالح مشاريع استثمارية براقة لا تستفيد منها سوى الفئة التي أنشأتها بالتواطؤ مع مؤسسة الحكم. بلغ معدل الفقر في المجتمع أسوأ ما يمكن أن يصله. توالدت أجهزة الأمن تحت مسميات عديدة لتكون مهمتها الرئيسية حماية النظام وقمع المواطن. كل شيء كان يمضي الى الأسوأ، وكل شيء كان ينبئ بأن الأمر أصبح لا يحتمل، خاصة بعد وقاحة النظام بتبنيه العلني سياسة التوريث على أيدي عصابة من الفاسدين الطارئين الذين احتضنهم وأقحمهم في الحياة السياسية في منتهى الاستفزاز لكل مصري.. ورغم القمع المنظم والرقابة المنحطة من قبل النظام إلا أن المجتمع كان قادراً على التعبير عن سخطه بأساليب عديدة. النكتة الساخطة على كل لسان، وكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية والسينمائية كانت تلامس مأزق الشعب المصري، وبعض الكتاب الصحفيين تجاوزوا حاجز الحذر وتحدثوا عن الفساد الذي تغرق فيه مصر. ليبيا أما ليبيا فيقول عنها المؤلف: من الطبيعي جداً أن تكون المحطة التالية للشرارة. شعب يفترض أنه قد ثار منذ وقت بعيد على حاكم أمضى أكثر من أربعة عقود يمارس أغرب حكم في التاريخ الحديث.. شخصية غرائبية.. الجماهيرية والكتاب الأخضر والنظرية الثالثة، أفكار ولدت على مهد الطموح.. على أنه هناك سؤال مهم: الا يعتبر الطموح عندما يصل الى هذا الحد من العنف نوعاً من أنواع الجنون؟؟ وأخطر أنواع الجنون؟؟ لقد جعل القذافي بلده الذي يموج على ثروة بترولية هائلة يعيش أوضاعاً هي غاية في السوء في كل جانب من جوانب الحياة. وأيضاً هو القمع والبطش الذي جعل الشعب يستمر كل ذلك الزمن في معاناة قاسية حتى هبت نسمات الحرية حوله فانتفض ونفض عنه الاستسلام وثار ضد الاستبداد المزمن.. اليمن أما عن اليمن فيقول: إن الصورة كانت تتجه إلى وضوح أكثر خلال السنوات الأخيرة. بلد بتركيبة اجتماعية معقدة انزلق في طريق وعر بفعل مغامرات ومقامرات السلطة. شارفت اليمن على اعلانها دولة فاشلة لتردي الوضع الاقتصادي والفقر والبطالة والفساد المؤسسي في أجهزة الدولة. حروب متكررة في الشمال ومناوشات بالانفصال في الجنوب، وتمركز للخلايا الإرهابية ومشاركتها في اضطراب الأمن المضطرب أساساً.. حكم لأكثر من ثلاثة عقود لم يتمكن من تمدين المجتمع. وأخيراً، كما حدث في مصر، التلاعب بقوانين الانتخابات لتجديد الولاية بعد وعود متكررة بعدم التجديد تم نقضها. وآخراً، سيطرة أفراد العائلة على مؤسسات الدولة، وبزوغ غواية التوريث.. سوريا وحين نصل الى المحطة السورية فإن الغرابة أنها انتظرت أكثر من أربعة عقود لكي تنتفض في النهاية.. حزب متسلّط قمعي دموي متجبّر يجثم على الشعب ويراقب حركاته وسكناته وهمساته.. بلد جميل واستراتيجي حاصره الحزب بحرمانه من أبسط أشكال الحياة الحديثة. هل يمكن للأجيال القادمة أن تصدق أنه إلى وقت قريب لم يكن في سوريا جهاز صرف آلي للنقود، أو إمكانية استخدام الفاكس إلا بعد مرور الرسالة على جهاز الاستخبارات، وأن تقنية الإنترنت جاءت منحة من النظام بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية.. إنه النظام الذي اقترف خطيئة اختراع نظام التوريث في الأنظمة الجمهورية ليفتح شهية الآخرين للاقتداء به..سمع الشعب وعوداً كثيرة بالإصلاح وتعديل مسار الحياة لكن لم يتحقق منها شيء، بل زادت الأمور سوءا وتعقيداً، فلم لا يضحي هذا الشعب المقهور في سبيل حريته.. لقد انزوى الجيل القديم بانكساره وخيباته بعد أن استنزفت طاقته ولياقته، ولم يعد العمر يسمح له بتحمل تبعات المواجهة، لكن الظروف القاهرة تضافرت لخلق احتقان شديد في نفوس جيل جديد من الشباب الذين خنقهم اليأس، بيد أن ثورة تقنية الاتصالات والتواصل التي حولت العالم الى مجتمع مفتوح أتاحت لهم شيئين مهمين: التعرف على أحوال الشعوب الأخرى وكيف تعيش حياة مختلفة ليبدأوا مقارنتها بحياتهم، ما أدى إلى معرفة فداحة الظلم الذي يرزحون فيه والسلب المنهجي المؤسسي لكل حقوقهم، وأيضاً مكنتهم هذه التقنية من التواصل فيما بينهم للتنفيس عن كربهم والتعبير عن ذواتهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بحرية كبيرة لا يستطيع الرقيب محاصرتها، وذلك ما أتاح لهم تبادل الأفكار ووضع بذور إرادة التغيير، ومع الوقت تبلورت الأفكار وأصبحت أكثر نضجاً وتنظيماً، وبدأت التجمعات تتحدث بلغة أكثر وضوحاً وتعبيراً عن أهدافها، وبرزت فيها نماذج تتوفر لديها القدرة على المبادرة لتمضي بتلك الأفكار إلى مرحلة القرارات.. في تونس فتاة اسمها لينا بن مهني هي التي أدارت الثورة إعلامياً عبر مدونتها قبل أن تنتقل إلى الساحات، وقد أصدرت كتاباً سجلت فيه تلك التجربة التاريخية التي ساهمت في إزاحة النظام.. وفي مصر كانت صفحة “كلنا خالد سعيد” على الفيس بوك، وقبلها شباب 6 أبريل، بداية ثورة الشباب.. إذا حين يتوفر مناخ كهذا لجيل جديد تيقن أنه مسلوب الحقوق، يعيش تحت نير الظلم والقمع والاستبداد ومصادرة أحلامه، لم يحصل على شيء ليخشى فقده، ولم تعد تعني له الحياة هكذا سوى الذل والهوان، فما الذي يمنعه من التضحية؟؟ ما الذي يمنع من اقتحام المجهول طالما هو يعيش في وضع لن يكون المجهول أسوأ منه؟ الكتاب: ساحات 2011 المؤلف: حمود أبو طالب الناشر: الدار العربية للعلوم ـ ناشرون
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©