الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توماس ترانسترومر.. شاعر الصورة

توماس ترانسترومر.. شاعر الصورة
13 أكتوبر 2011 17:48
باختيار الشاعر السويدي توماس ترانستورمر (80 عاما) لحمل جائزة نوبل للآداب لعام 2011 (تبلغ قيمتها 1.45 مليون دولار)، تكون الأكاديمية السويدية، قد خالفت مرة جديدة المتوقع على هذا الصعيد. فهي أولا تعيد الجائزة إلى بيتها الأصلي السويد، بعدما جالت في مختلف بلاد العالم طيلة عقود، وهي ثانيا تعيد الجائزة من الرواية إلى الشعر عد غيابها عنه ثلاثة عشر عاما حيث توزعت بين روائيين ومسرحيين، وهي ثالثا أحبطت آمال مرشحين دائمين للجائزة (أو على الأقل من يرشحون أنفسهم بصفة دائمة) مثل الشاعر السوري أدونيس. والشاعر الفائز يعتبر من أكثر الشعراء الإسكندينافيين على قيد الحياة شهرة مع أعمال يستكشف فيها العلاقة بين حميمية الانسان والعالم الذي يحيط به. ويدعو ترانسترومر الذي تابع دروسا في علم النفس، الى تفحص شعري للطبيعة يسمح بالغوص في اعماق الهوية البشرية وبعدها الروحي. وجاء في بيان الأكاديمية حول الشاعر بأنه “يتيح لنا الوصول إلى عالم جديد” في قصائده التي مرت بعدة مراحل تميزها بالصورة القوية تارة والعبارة السوريالية في مراحل أخرى، وسبر أغوار وجودية الموت والحياة والمرض وموت الذاكرة والطبيعة والتشرذم والعزلة”، كما يلاحظ الناقد كاتي بيترسون “أن قصائد ترانسترومر فيها قدر من تخيل المسافات التي تسكن أعماق ذلك الحين، إنها مثل المياه الجوفية المتدفقة التي تصل إلى بئر حفرت حديثا”. وقال ناقد سويدي عن اشعار ترانسترومر ان “وجود الكائن البشري فيها لا ينتهي عند حدود أصابعه” واصفا قصائده بأنها “صلوات علمانية”. وشهرة ترانسترومر في العالم الناطق باللغة الانكليزية عائدة بجزء كبير منها الى صداقته بالشاعر الاميركي روبرت بلاي الذي ترجم الى الانكليزية قسما كبيرا من أعماله. وقد ترجمت اعمال الشاعر السويدي الى حوالى خمسين لغة. وتزخر أشعار توماس ترانسترومر بالاستعارات والصور وهي تعكس مشاهد بسيطة مستقاة من الحياة اليومية ومن الطبيعة. وأسلوبه الاستنباطي الذي وصفته مجلة “بابلشيرز ويكلي” انه “زاهد حزين ومتغير”، يتناقض وحياة الشاعر الملتزم في نضال من اجل عالم افضل وليس فقط من خلال قصائده. ويرصد النقاد في لغة ترانسترومر تحررها من محددات المكان والزمان، وبالتالي فإنه يتخفف من الحضور الشكل للناس والأشياء في محيطه باحثا عما وراء الشكل، فهو يقول: “أكتب دائماً على الحد الفاصل بين العالم الداخلي والخارجي”، وهو ما جعل معاصريه يصفونها بأنه “أستاذ الصورة في الشعر السويدي المعاصر”، موغلا في بحثه عن ذاته لدى الآخرين، فكتب قصائد عن غوغول وشوبرت وتورنر وفيرمير، وقصائد عن أصدقاء ليتوانيين يفتقدون الحرية في الحقبة السوفياتية، وقصائد تحضر فيها بلدان أفريقية مثل مصر والسودان وزائير... ورغم ذلك، اتُهم ترانسترومر في الستينيات والسبعينيات بالابتعاد عن السياسة على خلفية حرب فييتنام، لكنه برر ذلك بأنه مهموم بشؤون البشر العاديين “وهو يسرع قاطعا الشوارع كواحد منهم” ومن ثم فإن قصائده لايمكن وصفها بالتجريدية أو الابتعاد عن الواقع ومخاصمة الواقعية والانفصال عن الحياة وبنايات الجوع العالية وأبنية الرأسمال. وإذا غابت صفة المناضل السياسي عن الشاعر السويدي، لكنه منافح عتيد عن الإنسان بهمومه وتساؤلاته وقلقه وقضاياه الوجودية وتحول جوهر الأيام إلى شرارات وارتطامات العتمة بعيدا عن ضجيج مفتعل تصطنعه أحيانا بعض وسائل الإعلام أو أصوات تلهث وراء الشهرة وتدعي الدفاع عن رجل الشارع وهي تتاجر بقضاياه، خصوصا أنه هو القائل :”الحقيقة ملقاة على الأرض لكن لا أحد يجرؤ على التقاطها”. ويرى نقاد أن هذا الشاعر السويدي الذى يصعب تصنيفه ضمن مدرسة أو تيار أدبي بعينه يتطلب قراءة واعية تميز مابين الظاهر والباطن فيما يتمتع بملكة تفكيك الواقع وإعادة بنائه بصور شعرية تحيل العالم إلى أنفاس مبثوثة فى بنية القصيدة المرتكزة على الذات والكون كما تجمع مابين الفكر والجمال والمرئى واللامرئى. وإذا كان يجوز التساؤل عن امكانية وصف توماس ترانسترومر بأنه شاعر وجودي متفرد لايمكن تصنيفه او وضعه حتى داخل الفلسفة الوجودية فإنه من المؤكد تميزه بقدرة عالية على إبداع الصور الطازجة الندية وتغيير النظام المتعارف عليه بين اللغة والأشياء ليقدم قراءته الخاصة بحساسية وجدانية لروح العالم وهموم الإنسان وخطوات القلب الثقيلة. ورغم الترجمة الكثيفة لقصائد هذا الشاعر السويدي فانه لايمكن الزعم بأنه كان من مشاهير الشعراء على مستوى العالم، فجريدة “نيويورك تايمز” تؤكد ان “السيد توماس ترانسترومر مجهول كشاعر الى حد كبير للغاية في الولايات المتحدة وحتى بين هؤلاء الأميركيين الذين يحبون الشعر”. لكن ترانسترومر سيعرف اعتبارا من الآن معنى الشهرة كشاعر على مستوى العالم قاطبة، فقد بدأت بالفعل الطلبات تنهال من القراء حول العالم على أعمال هذا الشاعر السويدي سواء في نسخها الورقية او الالكترونية بمجرد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل في الأدب. ولم تتوقف الآراء بعد فوز ترانسترومر بدءا بتجمع الصحفيين على باب شقته يوم إعلان الجائزة إلى ماقاله رئيس الوزراء السويدي فيردريك راينفيلدت من أن الجائزة جعلته يشعر السعادة والفخر وأن هذا مايدعوه إلى أمل أن يلتفت إلى الأدب السويدي عامة، ويعد فوز ترانسترومر بالجائزة هو الأول لمواطن سويدي منذ عام 1974 حيث فاز بها انذاك ايفيند جونسون وهاري مارتنسون. وقالت ابنة الشاعر السويدي توماس ترانسترومر إن فوز والدها بجائزة نوبل في الأدب لعام 2011 اعطاه شعورا بالارتياح. وقالت باولا متحدثة من شقة والدها في سولديرمالم في ستوكهولم إن والدها تلقى نبأ فوزه بهدوء، مؤكدة أن الأسرة بأكملها تشعر بالسعادة الغامرة لذلك. ولم يتحدث ترانسترومر للصحفيين. وكانت قدرته على الكلام قد تأثرت بشدة بعدما أصيب بجلطة في عام 1990. وعلى مدار سنوات طويلة، ظلت وسائل الإعلام تتوقع فوزه بالجائزة إلا أن الحظ حالفه هذه المرة. وقالت باولا مازحة: “كل التكهنات انتهت الآن، بإمكانهم متابعة إعلان الفوز بهدوء”. وأوضحت أن أهم شيء بالنسبة لوالدها كان دائما قراؤه. أما إيفا بونير ناشرة قصائد ترانسترومر فوصفت فوزه بالجائزة بأنه “أمر رائع”. انتظرها على مقعد الإعاقة ولد توماس ترانسترومر في 15 ابريل 1931 في ستوكهولم وقد تولت والدته تربيته بعد رحيل والده المبكر. وحصل على اجازة في علم النفس العام 1956 وعمل في المعهد النفسي التقني في جامعة ستوكهولم قبل ان يهتم في ستينيات القرن الماضي بشباب جانحين في معهد متخصص. وبموازاة انجاز اعمال شعرية غنية، عمل مع معوقين وسجناء ومدمني مخدرات. وفي سن الثالثة والعشرين أصدر وهو لا يزال طالبا، ديوانه الاول بعنوان “17 قصيدة” لدى اكبر دار نشر سويدية “بونيرز” الذي بقي مرتبطا بها طوال حياته الادبية. وترى دار النشر هذه ان شعر ترانسترومر “تشكل تحليلا متواصلا للغز الهوية الفردية في وجه التنوع المتفرع للعالم”. حاز ترانسترومر العام 1966 جائزة بيلمان العريقة ونال بعدها مكافآت عدة بينها جائزة بيترارك (المانيا العام 1981) ونويشتاد انترناشونال برايز (الولايات المتحدة العام 1990). وفي 1997 استحدثت مدينة فاتيراس العمالية حيث عاش ثلاثين عاما قبل عودته الى ستوكهولم في تسعينيات القرن الماضي جائزة ترانسترومر. وقد صدرت له حوالى عشرة دواوين. أصيب توماس ترانسترومر العام 1990 بشلل نصفي وصعوبة بالنطق إثر سكتة دماغية مما اضطره الى الحد كثيرا من نشاطاته. وأصدر بعد وعكته الصحية هذه بست سنوات ديوانا بعنوان “غندول الحزن” الذي بيعت 30 الف نسخة منه وهو رقم جيد على صعيد الشعر. وبعد هذا النجاح لم يصدر الشاعر السويدي اي عمل على مدى ثماني سنوات باستثناء مراسلاته مع بلاي. ويعود آخر اصدار له الى العام 2004 مع نشر ديوان يضم 45 قصيدة قصيرة بعنوان “اللغز الكبير”. ومنذ ذلك الحين طغت الموسيقى على عالم ترانسترومر عازف البيانو الهاوي. وهو يعزف على هذه الآلة يوميا بيده اليسرى لان اليمنى مشلولة ويمضي فترة ما قبل الظهر يستمع الى الموسيقى الكلاسيكية على ما روت زوجته في مقابلة مع صحيفة “داغنز نيهيتير” السويدية هذه السنة. ويقيم توماس ترانسترومر مع زوجته مونيكا ولهما ابنتان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©