الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أوديسة الفضاء».. إمعان الخيال في تقصي الأسئلة الوجودية العميقة

«أوديسة الفضاء».. إمعان الخيال في تقصي الأسئلة الوجودية العميقة
31 يناير 2014 00:49
محمد وردي (دبي) - عرضت «ندوة الثقافة والعلوم» مساء أمس الأول فيلم «أوديسة الفضاء 2001»، من كلاسيكيات الخيال العلمي في السينما الهوليوودية، للمخرج ستانلي كوبريك، الذي حاز جائزة «الأوسكار» عن المؤثرات الصوتية، عام 1968. يقوم الفيلم على فكرة البحث العلمي لاستكشاف الفضاء، في محاولة للإجابة على التساؤلات، التي لاتنفك تتردد عن وجود عوالم أخرى، لها مخلوقاتها وكائناتها، تزورنا أحياناً بأطباق طائرة، ويشاع أنها متقدمة ومتطورة، إلى مدى يفوق الحداثة الإنسانية على كوكب الأرض. ومن خلال هذه المغامرة، التي تمزج بين الخيال والعلم، يدس المخرج مجموعة من الأفكار الفلسفية، تتناول نظريات الارتقاء والنشوء، والتناسخ أو الاستنساخ، والتحولات في مسيرة الإنسان، وما إلى ذلك من مقولات غير محققة علمياً بالمعنى القطعي، ومازالت تشغل العلماء والباحثين والفلاسفة على حد سواء. بدء الخليقة للحديث عن العرض، يمكن تقطيعه إلى ثلاث محطات أومراحل، في المرحلة الأولى، التي تدوم حوالي نصف ساعة، يكون العرض صامتاً، ويستهله المخرج بمشاهد عن كوكب الأرض وبدء الخليقة، بحيث تبدو السهول والجبال جرداء حيناً وجليدية في أحيان أخرى، وتنفتح الصورة على فصيلة من قرود الشمبانزي، وفصيلة أخرى من الحيوانات قريبة من الخنازير البرية، ويسعى المخرج لعرض أشكال من الصراع على القوت والغذاء بين الفصيلتين، بعدها يتطور المشهد، إلى الصراع بين القردة ذاتها، حيث يأتي قطيع (أوقبيلة) من الشمبانزي لتطرد القبيلة الأخرى، وتزيحها عن السيطرة على الماء. ويختم المخرج هذه المرحلة بتطور الصراع بين قطيعي الشمبانزي حيث تكتشف القبيلة المطرودة السلاح، أو أدوات القتال، من خلال عظمة ساق إحدى الحيوانات الهالكة، كان أحد القرود يحاول أكلها، فيصطدم بصلابتها، فراح يكسر بواسطتها بقية عظام الجثة، ويستنتج أنه يمكن الاستقواء بها على القبيلة الأخرى، وهكذا يتسلح الجميع بالعظام وينقضون على القبيلة المنافسة، التي حرمتهم من الماء، فيقتلون أحد أفرادها، ويستعيدون السيطرة على البحيرة، بعد هرب الآخرين. حضور «ناسا» في المرحلة الثانية يتجه العرض إلى نشاط وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) وأبحاثها ودراساتها، التي انتهت بقرار استكشاف كوكب المشتري، فيجري إعداد ستة ملاحين، أربعة منهم يدخلون في سبات طويل قبل انطلاق الرحلة، لتوفير الأوكسجين والغذاء، على أن يجري إيقاظهم لحظة الاقتراب من المشتري، وينطلق الآخران فرانك وديف، بصحبة الكومبيوتر الناطق، (هال 9000)، وتجري حوارات بين الملاحين، والكومبيوتر وكأنه شخص يرى ويشعر ويسيطر على كل عمليات المركبة. ولكن ديف يكتشف بعض أخطاء هال، فيبدأ بالتآمر مع فرانك، على عزله وإبعاده عن قيادة العمليات الرئيسية في المركبة، إلا أن هال يعرف سر المؤامرة فيستدرجهما إلى خارج المركبة، تحت مزاعم إصلاح خطأ يهدد حياة الملاحين، اللذين مازالا في سبات أو غيبوبة. ولدى مغادرة فرانك المركبة، يجعله يفقد السيطرة، بحيث راح يتهاوى بالفضاء من دون حول أو طول، فيلحق به ديف لإنقاذه، وعندما يعود به يجد المركبة مغلقة تماماً، فيطلب من هال المرة تلوى الأخرى فتح الباب، من دون جدوى، وعندها يخبره هال بأنه أدرك مؤامرتهما، وأنه حرصاً منه على نجاح المهمة، وخدمة أميركا ومستقبل الإنسانية قرر أن يبعدهما للأبد، فيسعى ديف للدخول من فتحة الطوارئ، وهي المدخل الوحيد الذي لا يسيطر عليه هال، رغم ما ينطوي عليه المدخل من أخطار هائلة، بسبب الضغط الجوي خارج المركبة المختلف كلياً عما بداخلها، وينجح في ذلك، ويشرع فوراً في شل قدرة هال، ويدور نقاش بين الكومبيوتر (هال) وديف، وكأنه حوار بين إنسانين يصل أضعفهما إلى حدود التوسل والاستغاثة، بأسلوب درامي شائق. دورة الإنسان في المرحلة الثالثة تبدأ مسألة التحول في مسيرة الإنسان، إذ إن ديف عندما شل حركة هال راح يفتش عن فرانك، فبدا وكأنه مضى باتجاه حيوات أخرى، بسرعات قياسية، لتنتهي الحركة، بقاعة ينتصب فيها تمثال الحرية والعلم الأميركي، فيرى ظهر فرانك وهو يجلس على طاولة لتناول طعامه، فيرتد عنه، حينذاك تبدو ملامح وجهه وكأنه دخل في شيخوخة مغرقة في كهولتها، وكذلك يكون حال فرانك، الذي قام ليرى مصدر الحركة التي سمعها من دون أن يرى شيئاً. فينتقل المشهد إلى ديف وهو يرقد بفراش وثير، بعدها تنتقل الصورة إلى ما يشبه مجسم الأرض المغلق وبداخلها ديف، وهو بحالة تحول وعودة إلى المرحلة الجنينية الأولى، لينتهي العرض بالعودة إلى بدء مسيرة الفرد الإنسان، وكأنها إشارة لمعاودة مسيرته في الحياة، بمفهوم التناسخ أو الاستنساخ لا فرق. يطرح المخرج من خلال الفيلم فكرة فلسفية عميقة يستكشف فيها العلاقة بين الإنسان ومراحل تطوره، وبين التكنولوجيا والعنف والبنية الاجتماعية والتصورات الفلسفية للمآلات الوجودية، في بنية خيالية قائمة على الإبهار بالصورة والمؤثرات الصوتية. الجمالية المشهدية بعد العرض قدم الناقد السينمائي أسامة عسل قراءة نقدية للفيلم، اعتبر فيها أن العرض يتصدى لموضوعات ومفاهيم منافية للإسلام جملة وتفصيلاً، ولكنه مع ذلك يقدم صورة باهرة، سواء على مستوى المشهدية الفنية والمؤثرات الصوتية المذهلة، رغم التطور التقني المختلف تماماً بزمنه عما هو عليه اليوم، أم على المستوى المعرفي حيث إن الخيال يمكن أن يستشرف مستقبل البشرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©