الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتخابات البرازيل.. فضائح وألاعيب

26 أكتوبر 2014 00:35
للمرشحين الذين يتنافسون بضراوة على احتلال أعلى منصب سياسي في البرازيل في جولة انتخابات الإعادة, التي تشهدها البرازيل اليوم الأحد، فقد دنت ساعة الحسم. إلا أنها تأتي في وقت يشهد فيه اقتصاد هذه الدولة الرائدة من بين دول الاقتصادات البازغة، حالة من التراجع والانحسار. وتضجّ أوساط الرأي العام بأخبار فضائح الفساد في شركة البترول الوطنية «بتروبراز» التي دفعت بمؤشر «موديز» إلى تخفيض درجة الائتمان على القروض البرازيلية. كما ظهرت في الجولة الأولى وجوه غير مألوفة كثيراً أتت من وراء الكواليس لتستولي على بعض المناصب في «الكونجرس» وكحكام للولايات. ولعل الأسوأ من كل ذلك هو أن نشر استطلاعات الرأي حول هذه المسيرة الانتخابية غير السوية كانت تترافق مع هبوط أسعار الأسهم. فما الذي يتعين على الناخب البرازيلي أن يفعله؟. أعتقد أن من الأفضل أن يكون سلبياً في هذا السباق المحموم للفوز بأعلى منصب قيادي في البلاد. ونظراً لعدم حصول أي من مرشحي الرئاسة على نسبة 50 في المئة من الأصوات للفوز بالمنصب في الجولة الأولى التي نظمت في 5 أكتوبر لاختيار الرئيس وأعضاء الكونجرس الوطني وحكام الولايات، فقد تم تحديد موعد انتخابات الإعادة لاختيار الرئيس في 26 أكتوبر الجاري (اليوم). وكانت المرشحة اليسارية القوية والرئيسة الحالية للبرازيل «ديلما روسيف» قد حصلت على 41,6 بالمئة من الأصوات مقابل 33,5 بالمئة لمنافسها «آيسيو نيفيس» فيما حصلت المرشحة الثالثة «مارينا سيلفا» على 21,3 في المئة. وفيما كانت استطلاعات الرأي التي أجريت منذ ذلك الوقت تتأرجح بين توقع فوز الرئيسة الحالية «ديلما روسيف» وخصمها الرئيسي «نيفيس»، إلا أن آخر الاستطلاعات ترجح فوز «روسيف» في جولة اليوم. وقد أوضحت المؤشرات الأولى أن البرازيليين أصبحوا أكثر انقساماً واستقطاباً مما كانوا عليه خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية. و«نيفيس» هو مرشح «الحزب الاجتماعي الديمقراطي» الذي ساهم في الحدّ من موجة التضخّم وانصرف لمعالجة أهم المشاكل الاقتصادية، وعمد إلى توظيف الأموال التي جنتها الدولة من عوائد الخصخصة لإطلاق برامج إنمائية لمكافحة الفقر في البرازيل وبعض الدول الأخرى. كما اشتهر «نيفيس» ذاته بإنجازاته عندما حكم ولاية «ميناس جيرايس» البرازيلية لمدة ثماني سنوات، وبقدرته على وقف التدهور الاقتصادي الذي كانت تعاني منه، وهو عمل نال عنه الشكر والعرفان من «روسيف» ذاتها في مرحلة ما ولكن ليس الآن. وعندما جاءت ساعة الحقيقة، انقلبت «روسيف» على «نيفيس» وراحت تتحدث عن «تبجحاته» وعمله الدؤوب لفرض نظام رأسمالي تعمّه الفوضى. وأثارت هذه المواقف غيظها حتى قال أحد كبار مستشاريها: «لقد أصبحنا ضدّهم» في إشارة إلى حالة الاستقطاب السياسي التي أفرزتها الخلافات القائمة بين الطرفين. ولم يلتزم الرئيس السابق «لولا دا سيلفا» الصمت حيال ما يجري، بل ذهب في انتقاده للمرشح «نيفيس» إلى حدّ وصفه بأنه «نازي» وشبهه بالملك الروماني المجنون «هيرود». وكان ردّ «نيفيس» على هذه النعوت قاسياً أيضاً عندما شبه أعوان «روسيف» بأنهم جميعاً على شاكلة «جوبلز» وزير الدعاية في حكومة الرايخ الألماني الثالث. ومع هذا السجال الفاضح الذي يجسّد الحالة المتطرفة الخطيرة من الاستقطاب السياسي، وبسبب الاستياء الشعبي من موجة الملاسنات بين المتنافسين، وافق الطرفان يوم الأربعاء الماضي على التوقف عن توجيه الاتهامات والانتقادات لبعضهما بعضاً. ولعل الأسوأ من كل هذا الذي يحدث هو أن المتنافسين لم يخوضا في أي نقاش حول الطريقة التي سيتعامل بها الفريق المنافس مع قضايا شائكة مثل استعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ومعالجة الفساد المستشري في شركة «بتروبراز» الوطنية البرازيلية، والاستثمار في بناء شبكات أكثر أمناً للسلامة الاجتماعية، وإصلاح النظام الضريبي الذي يعد هو الأكثر سوءاً في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وإقناع ممثلي الأحزاب الثمانية والعشرين التي تمثل في الكونجرس بالاتفاق على طريقة لتحقيق الإصلاح السياسي المنشود الذي يمكنه، للمفارقة، أن يقذف أيضاً بمعظمهم إلى الشارع لو تم إنجازه بشيء من الشفافية والمصداقية. وسبق للبرازيليين أن عبروا عن سخطهم الشديد من هذه الأوضاع التي تسود البلاد. وخلال العام الماضي، شارك الملايين في تظاهرات احتجاجية على انحطاط مستوى أداء قطاع الخدمة العمومية، وعبروا عن سخطهم الشديد على الأداء الضعيف للسياسيين. وخلال استطلاع للرأي أجري آخر العام الماضي عبر 72 في المئة من البرازيليين عن عدم رضاهم على الأوضاع العامة التي تعيشها البلاد. وطالب آخرون بإعادة حكومة «دا سيلفا» السابقة إلى السلطة. ولدى بعض المحللين تفسيرهم المنطقي لهذه الظواهر. ومنها، أن البرازيليين ضاقوا ذرعاً بالفساد المالي والإداري المستشري. أما مؤيدو الحكومة فيرون أن البرازيليين أصبحوا في وضع أفضل بكثير مما مضى، وأن من حقهم أن يطالبوا بالإصلاح لحماية مكتسباتهم. وتعاني البرازيل من فشل نظام الرعاية الصحية واستشراء الفساد وتزايد معدلات الجريمة وارتفاع معدل التضخم. والآن تأتي هذه الانتخابات لتضيف إلى القائمة ظاهرة الاستقطاب والتناحر السياسي بين الخصوم. * كاتب برازيلي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©