الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المأزق التركي في المسألة الكردية

25 أكتوبر 2014 01:00
كان الدبلوماسي الإسرائيلي الراحل، أبا إيبان، يقول «تتصرف الأمم بحكمة عندما تستنزف كل البدائل»، ويبدو أن الحكومة التركية وصلت أخيراً إلى الخلاصة نفسها في «كوباني»، المدينة السورية التي يحاصرها تنظيم «داعش»، فبعد أن جربت تركيا كل الخيارات في التعامل مع المدينة ها هي اليوم تقف إلى جانب المدافعين عن كوباني بعد أن ظلت طيلة الفترة السابقة تقف موقف المتفرج، فيما تحتدم المعارك الشرسة بالقرب من الحدود! ففي الوقت الذي كانت فيه «داعش» تطوق «كوباني»، على رغم الغارات الجوية لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، اكتفت تركيا بنشر دباباتها بالقرب من الحدود، ليتساءل الجميع عن سبب تقاعس أنقرة عن مساعدة المقاتلين الأكراد ذوي التوجه العلماني لمواجهة المتعصبين! والحال أن الأمر بالنسبة لتركيا ينطوي على عدد من التعقيدات، فالقوى التي تدافع عن المدينة ليست سوى الحزب «الديمقراطي» الكردي، وهو الذراع السورية لحزب «العمال» الكردستاني الذي يتقاسم معه نفس الأيديولوجية، وهذا الأخير تعتبره تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية بعد أن خاض حرباً طويلة مع الدولة التركية خلفت أكثر من 40 ألف قتيل، لذا لم تكن المعركة بالنسبة للأتراك بين مقاتلين أكراد يدافعون ببطولة عن بلدتهم وبين إرهابيين متعطشين للدماء، بل كانت بين مجموعتين متساويتين في الإرهاب.وبالطبع سيكون من المجحف تماماً إظهار الموقف التركي على أنه «معاد للأكراد»، فلا ننسى أن تركيا هي من استضافت مؤخراً أكثر من 180 ألف كردي فروا من كوباني، بالإضافة إلى استقبال 1.5 مليون لاجئ سوري يقيمون داخل الأراضي التركية، كما أن أنقرة ساعدت أكراد العراق سراً من خلال مدهم بالأسلحة لاستخدامها ضد «داعش»، وهو ما أكده رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، مؤخراً، لكن عندما يتعلق الأمر بمدينة كوباني فالتردد التركي ليس مرده الطبيعة العرقية للمدينة التي يغلب عليها الأكراد، بل في فصيل بعينه يرتبط بحزب العمال الكردستاني الذي يعتبر العدو اللدود للدولة التركية، ومع ذلك كان يتعين على رجب طيب أردوجان إبداء استعداد أكبر لمساعدة الأكراد، لا سيما وأنه هو نفسه أطلق «عملية السلام» مع حزب العمال الكردستاني قبل سنتين في مسعى لإيجاد حل للمسألة الكردية ومصالحة الأتراك مع مواطنيهم الأكراد التي ومنذ أن أطلقت لم يُسمع دوي للسلاح في انتظار حل دائم للقضية، وإن كان التقدم في العملية ظل بطيئاً بسبب انعدام الثقة بين الطرفين، وأيضاً لأن أردوجان يريد التعامل مع مبادرة السلام مع الأكراد كورقة تفاوضية لتحقيق أهداف سياسية شخصية، مثل صياغة دستور جديد يمنحه صلاحيات أكبر، هذا في الوقت الذي هدد فيه الحزب الكردي مراراً بالرجوع إلى العنف. ومع ظهور أزمة كوباني كانت أمام الحكومة التركية فرصة سانحة للتغلب على عراقيل السلام مع الأكراد لو أنها أكدت في خطابها على مساعدة المدينة وسمحت قبل شهر بمرور المقاتلين الأكراد من العراق عبر أراضيها إلى سوريا، لكن بدلاً من ذلك ساهم الخطاب التركي غير المبالي وسياسة التريث وعدم التحرك في إغضاب الأكراد، ما دفع ببعضهم إلى تنظيم احتجاجات عنيفة استهدفوا خلالها أشخاصاً كل ذنبهم أنهم بدوا كإسلاميين بلحى طويلة، وإذا كان هذا العنف الكردي داخل تركيا يستحق الإدانة، إلا أن الموقف التركي بدوره يستدعي المراجعة وإعادة النظر، فعلى أنقرة أن تدرك أولاً بأنه رغم انتفاضة حزب العمال الكردستاني يظل الأكراد أفضل حلفائها في وقت يتفكك فيه كل من العراق وسوريا ويغرقان في الفوضى، وثانياً يتعين على الحكومة التركية إدراك حقيقة أن نظام بشار الأسد قد يكون بالفعل هو أساس الاضطرابات في سوريا بسياسته القمعية، لكن «داعش» ليست مجرد «عرض» أو نتيجة لسياسة دمشق، بل باتت مرضاً خطيراً في حد ذاته يستوجب الاستئصال قبل استفحال أمره وتمدده ليزعزع استقرار تركيا نفسها، هذا بالإضافة إلى ضرورة توجه سريع وعاجل من قبل أردوجان ورئيس وزرائه، أحمد داوود أوغلو، نحو رأب الصدع الداخلي. كاتب ومحلل سياسي تركيينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©