الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

علي مصطفى يأخذ أبطاله في رحلة على طريق غير مكتمل

علي مصطفى يأخذ أبطاله في رحلة على طريق غير مكتمل
25 أكتوبر 2014 00:55
إبراهيم الملا (أبوظبي) لا يمكن الحكم على فيلم مثل «من ألف إلى باء»، أو «من أبوظبي إلى بيروت» لمخرجه الإماراتي الشاب علي مصطفى، من خلال التفسير العاطفي فقط، أو من خلال الحماس الكبير لعرض أول فيلم محلي طويل في افتتاح مهرجان دولي طموح مثل مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الثامنة الذي بدأ يثبت أقدامه بقوة وسط خريطة المهرجانات العربية الكبرى. جاء اختيار فيلم «من ألف إلى باء» الذي تم إنتاجه بالتعاون بين (إيميج نيشن أبوظبي) و(twofour54) ليعزز رهان المهرجان على العنصر الإماراتي تحديداً، والعربي عموماً. من هنا أيضاً فإن الاحتفاء الملحوظ في فقرات افتتاح أبوظبي السينمائي بهذا الفيلم الروائي الثاني لعلي مصطفى، بعد فيلمه الأول «دار الحي» قبل خمس سنوات، هو احتفاء آخر بالنضج والحس الاحترافي ومنافسة التجارب السينمائية العريقة من حولنا، فهذه المفردات الإبداعية التي يختزنها السينمائي الإماراتي تحتاج لمن يحفزها ويدعمها إنتاجياً. يعود بنا فيلم «من أبوظبي إلى بيروت» زمنياً إلى شهر ديسمبر من عام 2011، وتتأسس مشاهده الأولى على الهواجس المتآلفة والمتضادة لثلاثة شبان عرب (رامي من مصر) ـ الممثل شادي ألفونس ـ و(يوسف من السعودية) ـ الممثل فهد البتيري ـ و(عمر من سوريا) ـ الممثل فادي الرفاعي ـ والذين يعيشون ويعملون في أبوظبي، وتجمعهم ذكريات مشتركة تعود إلى أيام الدراسة، ورغم تباعدهم وانشغالهم بوظائفهم وظروفهم الأسرية المتباينة، إلا أن ذكرى رحيل صديقهم الرابع هادي الذي ذهب ضحية للعدوان الإسرائيلي على بيروت في عام 2006، سوف تعيدهم مجدداً إلى دائرة متوهجة ومؤلمة في ذات الوقت، وذلك من أجل تحقيق حلم قديم لم يكتمل لصديقهم الراحل وهو القيام برحلة برية مشتركة من أبوظبي إلى بيروت للاحتفال بليلة رأس السنة، ومن خلال شعار أطلقه صديقهم الغائب يقول فيه: «الوجهة ليست مهمة، ولكن الوقت الذي نقضيه معاً في الطريق هو المهم». ومن خلال تحضير الأصدقاء الثلاثة لهذه الرحلة الطويلة من أجل الوصول إلى بيروت في ليلة رأس السنة، يكشف لنا الفيلم مبكراً عن بعض الجوانب الشخصية والحياتية الصعبة والمتأزمة لكل منهم، والتي كان من الأفضل سردها والكشف عنها أثناء الرحلة، حتى يأخذ مسمّى (فيلم الطريق) ما يستحقه من قيمة بصرية ومعرفية ترصد تحولات الشخوص على مستوى الانطباعات الذاتية، وتطور العلاقات النفسية سلباً وإيجاباً وسط هذه التحولات، وحتى يتخلص الفيلم كذلك من زخم المشاهد والمواقف الكوميدية الكثيرة والفائضة أحياناً عن حدود القصة ذاتها. رأينا الشاب المصري رامي الذي يحب تربية الحيوانات ويعشق وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يعيش علاقة متأزمة مع والدته (الفنانة مها أبو عوف)، الحريصة عليه بشكل مبالغ ومرَضي، أما يوسف فهو يهوى الموسيقا ويحلم أن يكون محترفاً في هذا المجال، ويعاني في ذات الوقت من فصام على مستوى الهوية فوالدته المطلقة أيرلندية الأصل، أما والده الثري ـ الفنان السعودي عبدالمحسن النمر ـ فيعيش في الرياض، وعلاقته مع ابنه البعيد قائمة على التناقضات، فيوسف يريد أن يكون حراً ومعتمداً على نفسه، وفي نفس الوقت لا يريد للمصاريف الشهرية التي يرسلها والده أن تنقطع. أما الشخصية الأكثر حزناً وخيبة فهو الشاب السوري عمر وخصوصاً فيما يتعلق بالمسافة العاطفية المتوترة مع زوجته الموشكة على الإنجاب والتي عاشت علاقة حب عابرة مع صديقه الراحل هادي أثناء الدراسة. ويأتي قرار الأصدقاء الثلاثة بالسفر إلى بيروت، كي تزداد حدة هذه المشاكل المستعصية وسط شبكة معقدة من أحاسيس الخوف والهجران والقلق الوجودي. ينظر الثلاثة للمغامرة التي تجمعهم وكأنها رحلة تطهرية من مشاعر الذنب ومن قبضة العلاقات الأسرية والحرص الزائد، وكأنها أيضاً سفر نحو الخلاص من عبودية الواقع نفسه، وبكل تناقضاته وعبثيته وجنونه، وكان صديقهم المفتقد (هادي) هو بمثابة البوصلة التي تحدد لهم مسار هذا الخلاص، فرغم العواقب الكثيرة التي تصادفهم في الطريق مثل إيداعهم السجن بسبب سوء فهم وتقدير من رجال الأمن في السعودية، واصطدامهم بجمل في صحراء السعودية أيضاً، وتعرضهم للاختطاف في درعا بسوريا، مع بداية ظهور الجماعات المسلحة، إلا أنهم يصلون في النهاية إلى بيروت ويزورون قبر صديقهم الراحل هادي، والذي يكشفون له عن مشاعرهم الدفينة واعترافاتهم المؤجلة منذ خمس سنوات كاملة، وفي النهاية نرى آثار هذه التجربة الروحية والانعطافة الداخلية والتي تأخذ الجميع إلى منطقة التوازن والتصالح مع النفس، بعد كل ذلك الركام الهائل من الغبش العاطفي والتوتر الذهني وجحيم العلاقات الملتبسة، والتي كان ينقصها البوح والجرأة والصراحة مع الذات والآخر. تميز فيلم «من ألف إلى باء» بتماسكه على مستوى الإيقاع السردي وتدرج الحبكة والصراع وصولا نحو الذروة أو الخاتمة، واحتشد الفيلم بالكثير من اللقطات الجمالية للأمكنة المفتوحة. وعاب الفيلم بعض المواقف المقحمة بغرض زيادة جرعة الكوميديا والمفارقات الساخرة، وجاءت مشاهد العلاقة العابرة بين يوسف والفتاة الإسرائيلية في مدينة البتراء السياحية في الأردن، مشوبة بالكثير من التناقضات وردات الفعل غير المبررة، وكانت هناك مبالغة أيضاً في بعض حيل الجرافيك التي لجأ إليها المخرج وخصوصاً عند نقل محادثات رامي مع صديقته الافتراضية في بيروت، وعرض تفاصيل المحادثة على الشاشة، فجاء تكرار هذا التوليف البصري مملًا أحياناً، ولكن الاشتغال الواضح من المخرج والطاقم الأدائي والتقني على التفاصيل الفنية الدقيقة كان واضحاً وطاغياً على هذه الهنّات والعيوب، واستطاع الفيلم في النهاية إثبات قدرة المواهب السينمائية المحلية على تقديم طاقات سينمائية واعدة ومبشرة ومبهجة، ستفرض حضورها بقوة وثقة خلال السنوات القليلة القادمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©