الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدعاية الروسية.. المهمة انتهت!

25 يناير 2015 23:13
«لا يمكن للمرء أن يقتصد حين يتعلق الأمر بالأيديولوجيا»، هكذا كان يقول ميخائيل سوسلوف، الرجل المسؤول عن الحفاظ على نقاء الماركسية- اللينينية في الاتحاد السوفييتي خلال السبعينيات، وفق ما يروي المؤرخ روي ميدفيديف. وقد كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتصرف وفق هذه المقولة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، حيث أنشأ ماكينة دعاية «بروباجندا» قوية وباهظة لتعزيز الدعم لسياساته في الداخل والخارج. غير أن جهاز بوتين الأيديولوجي بات يعاني من تخفيضات كبيرة في الميزانية. ففي النهاية، وعلى رغم كل حنينها إلى العهد السوفييتي، إلا أن روسيا بوتين باتت شركة شبه رأسمالية اليوم. وفي العام الماضي، عادت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للدولة «إيتار تاس» إلى اسمها السوفييتي، «تاس» فقط -وهو الاسم المختصر لـ «وكالة التلغراف السوفيتية»- وتبنت شعار «نحن نعلم». وذهب رمضان قاديروف، الزعيم الشيشاني الموالي لبوتين، إلى حد إطلاق اسم «تاس» على جبل في القوقاز. ولكن يوم الخميس، أعلنت الوكالة، التي كانت قبل عامين فقط تحاول إغراء وجذب العديد من صحافيي وسائل الإعلام الخاصة برواتب لا تقدر على دفعها سوى البلدان النفطية، عن خفض عدد موظفيها بنسبة 25 في المئة وخفض الرواتب بنسبة 20 في المئة. وعرضت على من يرفضون قبول خمسة أضعاف رواتبهم الشهرية المغادرة بشكل فوري. غير أن «تاس» ليست سوى أحدث وسيلة «بروباجندا» تنتهج التقشف وتتبنى تخفيضات في الميزانية. فهذه صحيفة «روسيسكايا جازيتا» المملوكة للحكومة، التي تحتكر النشر الرسمي للقوانين والمراسيم الحكومية الجديدة، تعتزم هي أيضاً التخلي عن 10 في المئة من موظفيها. من جانبها، قررت «نيوز ميديا»، الشركة المالكة التي تدير عدداً من وسائل الإعلام لحساب يوري كوفالشوك صديق بوتين، خفض عدد موظفيها بين 15 و30 في المئة، بما في ذلك 15 إلى 17 في المئة من موظفي «لايف نيوز»، القناة التلفزيونية التي تبث بعضاً من أقوى برامج «البروباجندا» الموجهة للداخل حول الأزمة الأوكرانية. وأمام الانخفاض الحاد في عائدات النفط، تقوم الحكومة الروسية بخفض الإنفاق في ميزانية 2015 بنسبة 10 في المئة، وهو خفض لم تسلم منه وسائل الإعلام الممولة من قبل الحكومة. ففي الأسبوع الماضي، تلقت هذه الأخيرة كتاباً رسمياً من وزارة المالية يفيد بأن تمويلها سيقلص بنسبة 10 في المئة. ويتعلق الأمر هنا بالقنوات التلفزيونية الوطنية و«روسيا اليوم»، وهي الهيئة التي تدير وكالة أنباء باللغة الروسية تنافس «تاس»، ومحطةً إذاعية روسية، وشبكة تلفزيونية دولية تحت علامة «روسيا اليوم» التجارية. والحال أنه قبل ستة أشهر، كانت «روسيا اليوم» قد تلقت وعداً بزيادة ميزانيتها لعام 2014 بـ30 في المئة، وذلك حتى تستطيع الشروع في بث برامجها باللغتين الألمانية والفرنسية. ولكن اليوم من المنتظر أن يتم خفض ميزانية 2015، التي تبلغ 15?4 مليار روبل (أي ما يعادل 240 مليون دولار)، بـ10 في المئة. والواقع أن «روسيا اليوم» مازالت تحصل على أموال أكثر من العام الماضي، ولكن الانخفاض الحاد في قيمة الروبل الروسي خلال الأشهر الأخيرة كان يعني انخفاض قيمة الدعم الحكومي بالدولار بـ46 في المئة. وهذا مهم بالنسبة لـ«روسيا اليوم» لأنها تشتغل في أسواق خارجية وتقوم بتوظيف أجانب. ووفق رئيسة تحرير «روسيا اليوم» مارجريتا سيمونيان، فإن نحو 80 في المئة من نفقات العملية تتم بالعملات الأجنبية. وتبعاً لذلك، فإن مشروعي النسختين الألمانية والفرنسية قد يلغيان، كما قالت سيمونيان لصحيفة «فيدوموستي»، على الأقل في هذا العام. والواقع أنه حتى في السنوات السمان، فإن روسيا لا تستطيع ضخ ما يكفي من الأموال في ماكينة «البروباجندا» حتى يكون لها وقع وتأثير جدي في الغرب. واليوم، يبدو أن الكرملين لم يعد يرغب في إنفاق جزء كبير من احتياطي العملات الأجنبية الذي يملكه على ما يمكن وصفه بمشاريع تفاخر زائف. أما بالنسبة للمسرح الداخلي لحرب المعلومات، فإن الآراء المعارضة همشت وأقصيت في روسيا بفعالية كبيرة جداً إلى درجة أن وسائل الدعاية يمكن أن تنجز مهمتها حتى بميزانية متقشفة وبعدد أقل من الموظفين. وخلاصة القول إن الصحفيين الذين تم إغراؤهم برواتب أعلى مما يتوافر في السوق قبل عامين أو ثلاثة أعوام، والذين بات يتم الاستغناء عن خدماتهم اليوم ويلقون في الشارع وسط أزمة اقتصادية، سيدركون أنه كانت ثمة حاجة إليهم فقط للمساعدة على تقليب المشهد الإعلامي السابق والتأسيس لاحتكار الحكومة للمعلومات. أما اليوم، فقد انتهت مهمتهم، وكذلك انتهى سخاء الحكومة. ليونيد بيرشيدسكي * * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©