الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحلقات المفقودة في تعامل الإعلام العربي مع الإرهاب

الحلقات المفقودة في تعامل الإعلام العربي مع الإرهاب
6 أكتوبر 2013 20:39
تؤكد وثيقة صادرة عن مجلس أوروبا، وتحديدا عن اللجنة البرلمانية للثقافة والعلوم والتربية، أن الإرهاب المعاصر هو «عمل إعلامي»، معتبرة أن وسائل الإعلام تجذبها الاعتداءات والهجمات الإرهابية الأكثر عنفا، ليس فقط لأن عليها واجب الإعلام عن كل حدث مهم، ولكن أيضا لأنّ الجانب الدرامي المثير والمشهدي المُدهش يسحر جمهوراً عريضا من الناس «وأرهابيو اليوم يستغلون هذه الحيوية ويعملون بطريقة تجذب انتباه كل العالم قدر الإمكان»، وفق وثيقة «وسائل الإعلام والإرهاب»، التي وضعت بعد جلسات استماع طويلة لمهنيين وخبراء وبرلمانيين من أنحاء مختلفة من العالم. كثيرون يذهبون إلى تفسيرات مشابهة للعلاقة بين الإعلام والإرهاب، وغالبا ما يصح ذلك عندما تكون الأعمال الإرهابية حدثا استثنائياً، لكن ما الذي يحصل عندما تتكرر هذه الأعمال بشكل شبه يومي بل وأكثر من مرة في اليوم، وبالتزامن في اكثر من دولة في المنطقة؟ وما هي مسؤولية الإعلام بهذه الحالة؟ أي هل ينتفي ويضعف دوره باعتبار أن كثافة العمليات الإرهابية لا تعود حدثا مهماً؟ أي هل يصبح مسؤولية الإعلام بدورها روتيناً عادياً لا يستدعي جهودا استثنائياً؟ وتنبع هذه التساؤلات من الواقع الراهن حيث تحفل حياتنا اليومية في العالم العربي بأعمال أو عمليات إرهابية يومية، والدول التي لا يصيبها هذا التهديد فإنها باتت تشعر به أو بقربه الأقل، وخاصة بعدما تحولت أوضاع عدة دول إلى ساحات نشطة لجهات إرهابية. ولو أمكننا افتراض أن كل هذه الأفعال الإرهابية من المشرق إلى المغرب مرورا بالخليج، سواء كانت من تنظيم القاعدة أو الجهات المرتبطة به أم غيرها، تتبع لجهة أو مرجعية واحدة، لأمكن القول إن هذه الجهة أو المرجعية تكاد تكون القوة الأكثر والأفعال من الناحية «الأمنية الترهيبية» في المنطقة اليوم. والحديث هنا لا يتعلق بمدى حضور هذه الجهة وأفعالها في وسائل الإعلام، بل ما هي مسؤولية وسائل الإعلام في واقع الأمر المؤسف هذا. فما يجب معرفته بالدرجة الأولى هو لماذا وصل الإرهاب على هذا القدر من النفوذ والحضور «والروتين» رغم تراجع أهمتيه «الإعلامية». ولقد ضج العالم ككل، والعالم العربي، منذ الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر 2011 بالخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى قطع الطريق على الإرهاب والتوعية بخطره «وتجفيف منابعه» أو الحد منها على الأقل. جرس إنذار.. إنّما إن توسع الإرهاب في المنطقة وتحوله إلى فاعل يومي، ومُشهر في بعض الأحيان، لم يعد يسمح بدفن الرؤوس بالرمال، وهذا ما عزز المخاوف ودفع إلى ضرب جرس الإنذار. في هذا السياق جاءت على سبيل المثال الحملات الإعلامية غير مسبوقة مثل «حملة مصر تحارب الإرهاب «، التي شاركت فيها مؤخرا محطات التلفزيون المصرية، ومثل «المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب يد واحدة ضد العنف والإرهاب في تونس، الذي شهد أكثر من فعالية هذا العالم (في ضوء اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، وعلى الصعيد العربي القومي عقدت، خلال السنوات القليلة الماضية، اجتماعات وأعمال وزراء الإعلام العرب ولجنة الإعلام والإرهاب في جامعة الدول العربية وفريق الخبراء الدائم المعني بمتابعة دور الإعلام في التصدّي للإرهاب التابع للأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب، وفريق الخبراء الدائم المعني بذلك والتابع لمجلس وزراء الإعلام العرب، هذا إلى جانب العديد من المؤتمرات والندوات والمعارض تحت عنوان «مواجهة الإعلام للإرهاب». لكن كل ذلك، إضافة إلى الجهود الدولية-العربية الرسمية المشتركة، لم يؤد إلى انحسار الإرهاب، إن لم نقل العكس. الإنترنت والإرهاب إذا كان الإرهاب الحديث أصبح عملا إعلاميا أكثر فأكثر، فإن ذلك يتطلب فهم حضوره وسطوته في ضوء طفرة وسائل الإعلام الجديد التي حصلت لصالح انتشاره في المنطقة وذلك على رغم الضربات التي كانت تلقاها في حرب أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر، أو حتى بعد حرب العراق. في كتاب بعنوان (مُترجم) «الإرهاب العالمي والإعلام الجديد: جيل ما بعد القاعدة» (منشورات روتليدج، لندن،2011) يرصد المؤلفان فيليب سيب ودانا م. جينبيك الدور، الذي لعبته وسائل الإعلام وخاصة الإنترنت، في نشر ظاهرة الإرهاب في السنوات الماضية بدء من إنشاء زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إدارة إعلام للتنظيم في عام 1988، ومرورا باستخدام العديد من الوسائل للتأثير في الرأي العام مثل مؤسسات السحاب للإنتاج الإعلامي، والجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، وموقع النداء على الإنترنت وشركة الكتائب التابعة لحركة شباب المجاهدين في الصومال منذ أواخر 2009، وقناة الفجر لتوزيع إنتاج مؤسسة السحاب على شبكة ومواقع الإنترنت في مختلف أنحاء العالم وبعدة لغات. ويتوقف المؤلفان تكرارا عند اعتماد الإرهاب على الإنترنت كأحد أدوات «القوة الناعمة»، سواء لجهة ممارسة إرهاب الإنترنت بإلحاق الضرر بالآخرين (من خلال نشر الفيروسات وقرصنة المواقع أو التلاعب بالمعلومات) أو لجهة استخدام الإنترنت كقناة تواصل وإنشاء ما يشبه أخطبوط من الشبكات، فيتحدث الكتاب بهذا الشأن عن أن معظم التنظيمات الإرهابية في العالم أصبح لها وجود على الإنترنت وصل، وبلغة الأرقام، أكثر من ستة آلاف موقع وشبكة في نهاية 2008 بعدما كان 12 شبكة في 1997. الحلقات المفقودة في مقابل العديد من استراتيجيات المنظمات الإرهابية في استخدام وسائل الإعلام كوسيلة للتأثير في الرأي العام، ومقابل حضورها الكثيف لهذه المنظمات على الشبكة العنكبوتية، يُلاحظ ضعف الحملات المخصصة لمناهضة الإرهاب على شبكة الإنترنت وذلك رغم العديد من التوصيات والنتائج التي كانت تنتهي إليها فعاليات العمل العربي المشترك عن الإعلام ومكافحة الإرهاب، حيث كانت تنص على تشجيع إنشاء المواقع الإلكترونية الرسمية أو الخاصة على الشبكة العنكبوتية لمواجهة الأفكار المتطرّفة واعتبار مواجهة الإرهاب على شبكة الإنترنت ك»حرب أفكار يمكن التعامل معها من خلال الدبلوماسية العامة التي تهدف إلي كسب قلوب وعقول الشعوب» على حد تعبير مؤلفي كتاب «جيل ما بعد القاعدة». فالمواقع العربية المناهضة تكاد لا تلحظ أو لا تقارن بحضور الشبكات أو المواقع التابعة لمنظمات الإرهاب. الواقع أن ذلك ليس إلا شكلاً واحداً من أشكال القصور في تنفيذ العديد من التوصيات العربية أو الوطنية التي حددت مجالات تصدي الإعلام العربي للإرهاب، والتي لو تحققت لكان الإرهاب أقل حضوراً ونفوذا. وهذه القناعة تزداد رسوخاً بمراجعة النصوص التي كانت تصدر بعد اللقاءات العربية حيث يتبين أن هناك أكثر من ثماني توصيات لم يتم تنفيذها عربياً حتى الآن. فلم يتم وضع مشروع استراتيجية إعلامية عربية مشتركة لمواجهة ظاهرة الإرهاب، كما لم يتم الاهتمام بتدريب كوادر إعلامية متخصّصة في تناول قضايا الإرهاب ولا تعزيز التبادل الإخباري والإعلامي بين الدول العربية حول الأحداث والقضايا الإرهابية، ولا إنشاء مرصد عربي لمتابعة تغطيات وسائل الإعلام لظاهرة الإرهاب وفضح جرائم الإرهاب، وتشكيل فريق من الخبراء المعنيين في وزارات الإعلام والداخلية والخارجية في الدول العربية. كما لم يتم الاهتمام بالتعاون بين وسائل الإعلام المختلفة وبين المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية ولا بتحفيز أجهزة الإعلام العربية للمواطنين على مكافحة الإرهاب. انفلات الساحة أسهم تأخر تطبيق هذه التوصيات في انفلات الساحة الإعلامية أمام الإرهاب على أكثر من مستوى، في الإنترنت وفي وسائل الإعلام التقليدية، لا سيما في ظل بلبلة المفاهيم التي تجلت بشكل أساسي في تراجع ملموس لأهم سبب تاريخي لتوليد «الإرهاب»، أي اغتصاب الصهاينة لفلسطين والعديد من الأراضي العربية المحتلة وحرمان الشعب الفلسطيني من أرضه وحقوقه. فمن المفارقات مثلا نجاح إسرائيل والمجتمع الدولي المناصر لها في تصنيف كل أعمال المقاومة المسلحة لهذا الاغتصاب أو الاحتلال كأعمال إرهابية في وقت أخذت فيه أشكال الإرهاب الحقيقي تنتقل إلى داخل العديد من الدول العربية دون أن يتفق العرب حتى الآن على مفهوم موحد للإرهاب. والواقع أن دعوات بعض وزراء الإعلام العرب لتوحيد الخطاب الإعلامي العربي ضد الإرهاب يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة، ولو متأخراً، وذلك تجنبا لوقوع العرب في أفخاخ أخرى إلى درجة وقوع البعض في ترويج الإرهاب بغفلة عن دقة المفاهيم مثل عدم التمييز بينه وبين المعارضة العنيفة والإصلاح والتطرف والتعصب. وأدى هذا اللغط إلى انقسام متعدد الاتجاهات والمصطلحات، وهو ما تحفل به وسائل الإعلام العربية، ويتجلى ذلك في وقوف البعض مع العنف في بلد عربي وضده في بلد عربي آخر، وهي حالة لا تختلف كثيرا عما أسمي بسياسات الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير، التي كانت أحد أهم مبررات وحجج تنظيم القاعدة عندما شنّ هجمات 11 سبتمبر قبل 12 عاماً. إصلاح الأداء يؤكد كتاب «الإرهاب العالمي والإعلام الجديد» أن الاحتلال الأجنبي سبب رئيس للإرهاب الانتحاري، كما يؤكد ضرورة تحري الدقة والتمييز بين المفاهيم مثل التطرف الذي يهدف إلي التغيير الراديكالي، ومواجهة فئات مسلحة لقوات محتلة، والإرهاب الذي يهدف إلى القتل أو يقتل المدنيين بشكل عشوائي. وضرورة هذا التمييز تشتد أكثر فاكثر عندما يتعلق الأمر بعوامل اجتماعية تشعل الغرائز مثل الأديان والطوائف والانتماء العشائري. ولحظة إصلاح أداء الإعلام العربي تجاه الإرهاب تبدأ من هذا التمييز التقني- المهني في المفاهيم، وعندها يمكن توحيد الخطاب العربي كما يشتهي بعض وزراء الإعلام، بل يمكن أن تأخذ التوصيات والخطط الإعلامية للتعامل مع الإرهاب طريقها إلى التنفيذ، حتى لا تتأخر أكثر فأكثر بعدما تزايد نفوذ الإرهاب إعلامياً وواقعياً وأصبح بين جنباتنا.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©