الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام التونسي «الحر»!

10 أكتوبر 2011 21:32
مراد طيب
صحفي تونسي يعمل مع «الصباح» و «كابيتاليس»

شهد التونسيون مباشرة بعد ثورة الرابع عشر من يناير الماضي وَهْم مجتمع حرّ ومزدهر. وتمتع الصحفيون التونسيون بالحريات الجديدة في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، والذي كان يخضع لسيطرة شديدة تحت حكم الرئيس المخلوع بن علي. ورغم أننا حققنا الكثير مما يمكن أن نفخر به، فإن الوهم حول ما تعنيه هذه الحرية الجديدة للإعلام لم يبق إلا لمدة أيام قليلة.
قام الإعلام بترجمة الحرية حرفياً، وهو أن تقول ما تريده وفي الوقت الذي تريده. أصبح انتقاد المسؤولين الحكوميين، أمراً اعتيادياً في البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية، وأصبحت الصحف مليئة بالمضمون المثير والمحرّض الذي يفتقر للاحترام. لم يفهم أحد أن الحرية تتطلب شعوراً بالمسؤولية.
والواقع أننا نسمع اليوم أناساً يقولون إن الإعلام لا يخبرهم بالحقيقة حول الواقع السياسي المحيط بقضايا رئيسية، مثل أمن الدولة، وأرقام البطالة، والأحزاب السياسية.
تم الترخيص لحوالي مائة مطبوعة، و"دزينة" من محطات الإف إم الإذاعية المحلية، لتنشر وتبث مادتها وبرامجها منذ يناير الماضي. كما تم إصدار أكثر من ثلاثين ترخيصاً لمحطات تلفزة جديدة. وتم إنشاء هيئتين محليتين لمراجعة القوانين الصحفية التي تحكمت بالتغطية الإعلامية وفرضت غرامات وأحكاما بالسجن ضد المخالفين بموجب التشريعات الإعلامية القديمة.
هذه بعض الخطوات الإيجابية التقدّمية من حيث الحرية الإعلامية، لكن العديد من استطلاعات الرأي العام تظهر أن الناس ليسوا راضين عن التوجهات التي بدأت تظهر، لأنهم يعتقدون أن التغييرات لم تكن نحو الأفضل. فقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة "سيغما كونسيل"، وهي مؤسسة دراسات في تونس، أن 85 في المئة من التونسيين "ليسوا راضين" عن الإعلام في بلادهم.
وحتى بعد سقوط النظام فإن غالبية الصحفيين في الإعلام التونسي ما زالوا غير قادرين على التعامل مع القضايا الحقيقية، والتمييز بين الحرية والفوضى، وتقييم أعمال المستثمرين الفاسدين الذين استطاعوا من خلال الدعاية والإعلان وشراء أعداد كبيرة من الاشتراكات، لمساعدة شركاتهم على البقاء وبالتالي الحفاظ على الصحفيين والمحررين في وظائفهم. والواقع أن 80 في المئة من أقطاب الإعلام ما زالوا هناك، رغم أن العديد من المؤسسات الإعلامية التي كان يملكها بن علي تم إغلاقها، إلا أنه من المستحيل وضع الجميع في السجون.
ويعتقد رضا كافي، الصحفي وعضو هيئة إصلاح الإعلام التي أُنشأت لتحقيق في الفساد الإداري والمالي في قطاع الإعلام، أنه من "الصعب جداً" على الصحفيين التونسيين "التخلص من ممارسات الفساد والكذب، التي اعتادوا عليها لأكثر من ثلاثة عقود".
ويعتقد كافي، الذي حُرمت مجلته L’Expression من الإعلان قبل أن تضطر للإغلاق عام 2009، أن "خلفية الصحفيين الضعيفة، وترددهم في تعزيز قدراتهم، وضغوطات العمل اليومية، وظروف العمل السيئة... تضطر الإعلام التونسي للتعامل مع هذه الاتجاهات وتجنّب أي صدام مع أصحاب العمل مما قد يكلّفهم وظائفهم".
وتُظهِر تجارب مماثلة في بعض الدول الأخرى مثل جورجيا وبلغاريا والصين، أن الانتقال الضعيف نحو الديمقراطية أعاق تطور الصحافة الحرة. بعد 50 سنة من القمع، يصعب التغلب على صوت واحد وحزب سياسي واحد بين ليلة وضحاها. لا تملك النخبة السياسة والمجتمع المدني في تونس تجربة كافية للتعامل مع متطلبات التحول، لذلك يواجه الإعلام كثيراً من المناشدات الداخلية التي تتعامل مع أسئلة حقيقية حول الرقابة والفساد، والتي تصبح تافهة وسخيفة.
تظهِر النقاشات الداخلية أن المزيد من الصحفيين يدركون أن الوقت قد حان للبدء بنقد ذاتي أكبر وتقييم ذاتي أعمق. ويشكّل رفض الاستسلام لأي ضغط يفرض عليهم العمل في عالم فاسد، الخطوة الأولى نحو الإصلاح. ويشكّل رفض أي شكل من أشكال التدخل الحكومي في عملهم بداية حربهم ضد الرقابة. ويشكل اتخاذ زمام المبادرة والتعامل مع المشاكل الحقيقية لتونس اليوم أساساً للإبقاء على الإعلام حراً من القضايا البالية والأساليب التي عفا عليها الزمن.

ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©