الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية والوعي الديمقراطي

10 أكتوبر 2011 21:32
نبيل علي صالح
كاتب سوري

كم كان الليـل داهمـاً ومقيمـاً، وكم من الأعباء والكوارث الكبرى تحملتها بعض شعوبنا وأوطاننا العربية.. إنه ليل الاستبداد الملقي بعتمته السوداء الكالحة، الذي بدأ ينجلي وتظهر خيوط الفجر على يد الشباب الطامح لتغيير مسارات الحركة السياسية-المجتمعية في بعض بلداننا التي هدها التعب والسكون والاسترخاء والكسل الحضاري.. ولاشك أن الأسئلة التي أثيرت كانت كثيرة، وستبقى ذاكرتنا تسأل وتبحث عن إجابات لفترة زمنية قادمة حتى يتحقق الإصلاح والحرية والانفتاح.
إلى متى ستبقى بعض الشعوب والمجتمعات العربية تدفع أثماناً وتكاليف باهظة لممانعة لم تحدث، ومقاومة لم تنطلق، وحروب لم تقع ولم تحرر أرضاً، وتبين لاحقاً أنها حروب لأنظمة مستبدة ضد شعوب مظلومة ومستضعفة؟ وإلى متى سيبقى بعض بلادنا العربية تسجل أدنى معدلات التنمية البشرية في العالم؟ وإلى متى ستظل مجتمعاتنا تعيش حالة المدافعة بكل تبعاتها وآثارها السلبية ضد الآخر الوهمي، وكأنه كتب عليها دون غيرها أن تصارع وتدافع وتعيش أجواء الحروب والفتن والقلاقل؟ وهل ولد الناس فقط ليتدافعوا ويمانعوا ويقاوموا، وتبقى كل أمورهم ومشاكلهم وتحدياتهم وحاجاتهم الأساسية مرهونة بحالة الصراع والمدافعة تلك؟

أسئلة كثيرة، تبقى الإجابة العملية الوحيدة عليها قائمة أولاً ومن دون أدنى شك في نجاح عملية التغيير والتحول الديمقراطي في عالمنا العربي، وإعادة إشراك الناس في بناء بلدانهم وتحملهم للمسؤوليات التاريخية في هذا السياق، وإعادة استثمار هذه الطاقات الجماهيرية المبددة والمشتتة من جديد في عملية التنمية وبناء المجتمعات العربية على أسس سياسية واقتصادية علمية واضحة، بعيداً عن الحالة السلطوية السائدة حاليّاً في بعض بلداننا العربية.
فالدول المتقدمة الحضارية التي تحترم شعوبها بالدساتير والأنظمة، لا تبنى بالأوامر ولا بالبيانات ولا بالتعميمات الجاهزة بل تبنى بالأصول المؤسساتية والأنظمة القانونية العلمية الرصينة.. وهذا هو أحد مقاييس ومعايير نجاح الدول في تطورها السياسي والاجتماعي خدمة لمواطنيها.
وعلينا هنا أن نميز بين الدول كهياكل وبنى ومؤسسات قائمة ثابتة لا تتغير من حيث الإجمال والتكوين العام، وبين السلطة أو النظام السياسي الذي يحكم تلك الدول.. فالنظام السياسي أو السلطة متغير ومتحول، وخاضع لقوانين الدولة ومنفذ لسياساتها النابعة أساساً من مصالح الناس والمجتمع الذي يكونها.. أما الدول فهي حالة وظاهرة ثابتة تاريخية لا تتغير.
وقد يقول البعض إن هذه طروحات مثالية من الصعب تطبيقها حرفيّاً في المجتمعات العربية، وإنها تحتاج إلى أرضية ثقافية ومعرفية صالحة من العقل العلمي والتفكير الحر تسمح لها بالنمو والامتداد والاستمرار. وفي اعتقادي أن هذا مجرد تصور جامد مأخوذ عن مجتمعاتنا العربية وهو تصور في غير محله، وفيه إساءة لعقول الناس.
.. نعم الديمقراطية لا تنجح من دون وجود وعي ديمقراطي عند الناس، ولا يمكن أن تنجح من دون وجود مناخ سياسي ديمقراطي وثقافة ديمقراطية، ولكن من قال إن الناس عندنا ترفض رفضاً قاطعاً الديمقراطية والمدنية وحكم القانون والمؤسسات؟
يضاف إلى ذلك أن سعي الناس حاليّاً في مجتمعاتنا من خلال تلك الثورات العارمة هو تحديداً باتجاه منع إساءة استخدام الحكم وتحسين عمل النظم، وإلزامها بالخضوع للقوانين، وجعل مختلف مؤسسات الحكم تابعة ومحددة ومقيدة بالنظم وليس بأمزجة مسؤوليها.
ونشير إلى أنه وقبل أن نتحدث عن معايير تكوين الدول والمجتمعات على قواعد الحكم الصالح وحكم المؤسسات والقوانين، لابد أن نتحدث ونشير إلى ضرورة أن تكون عندنا بالأساس ثقافة مجتمعية قادرة على منع وصول مثل تلك النظم السلطوية الفاشلة إلى مواقع الحكم من جديد. والأمر الذي يمكن أن يمنع ذلك هو تثبيت المنحى وآليات الحكم الديمقراطي التعددي، ومناخ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع الدورية بعيداً عن تديين الحكم وحكم رجال الدين.
كما أن علينا ألا ننسى في خضم هذه التحولات التي تمر بها بعض مجتمعاتنا العربية على طريق إنجاز ديمقراطيتها بعد تحقيق استقلالها وتحررها الداخلي من هيمنة الاستبداد، أن نؤكد على نقطة مهمة وهي أن تقدم مجتمعاتنا العربية الإسلامية مرهون أساساً ودائماً بتطور وتقدم الفكر المؤسس لإنساننا العربي على طريق تقبله وقناعته الكاملة بضرورة العيش زماناً ومكاناً (عقلاً ووعياً) في عصره الراهن، وعمله على التخلص من معيقات تطوره المستمرة، لا أن يكون حاضر الجسد مغيَّب العقل، مهمش الحضور.
والثورات العربية التي نجحت، أو ربما ستنجح، في نقل زمام المبادرة إلى الشعوب، لن تتمكن من إحداث التغيير الثقافي والمعرفي العلمي المطلوب، وربما أنها ستساهم فقط في توفير وخلق ظروف السعي العلمي للمفكرين لنقد المعرفة التاريخية القائمة والعمل على تجديد الفكر وتحديث مفاهيم الهوية التقليدية الهرمة التي فقدت بوصلتها ووعيها الذاتي والموضوعي بما يمكن من التعرف على آليات الحداثة، وأولويات الاندماج في العصر، وبالتالي الارتقاء بعملية تطبيقها والسيطرة عليها بالعمل والإنتاج.

ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©