الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألف... لام

ألف... لام
11 مارس 2009 23:33
مضت على ميلاد أبي القاسم الشابي الآن مائة سنة بالتمام، فقد ولد في السادس من فبراير ·1909 لكنه ما زال يمتلك سحر الرمز وجاذبيته· وما زالت الأجيال الشعرية المتعاقبة على اختلاف أطروحاتها في المغرب العربي تحيطه بهالة نورانية قلّ أن حُظِي بها شاعر مغربي آخر· كان الشابي شاعراً منشقّاً كرّس الخروج على السلطات جميعها، سلطة الغزاة وسلطة الطغاة وسلطة التراث· وجاءت كتاباته الشعرية والنثرية مجسّدة لهذه الرغبة الجارفة في الحرية وبناء المستقبل وهدم القيم الوهمية التي تكبّل الإنسان العربي· هذا ما تعبّر عنه العديد من قصائده التي جرت على الألسن· غير أن أغلب قصائده الوطنية كثيراً ما تمتزج فيها روح الثورة والتمرّد واستنهاض الشعب بشكوى الحال واليأس والتذمّر من العزلة والنقمة على الآخرين جميعاً· فترتسم صورة الشعب على أديم قصائده قاتمة في منتهى القتامة· إنه ''طفل لاعب بالتراب والليل مُغْسٍ'' بل هو ''روح غبيَّةٌ تكره النور''· ترجع هذه النقمة على الآخرين إلى إحساس الشابي الحادّ بالغربة بين بني قومه· وهو كثيراً ما عبّر عن هذا الإحساس نثراً في مذكّراته· كتب في المذكّرة السابعة التي تحمل تاريخ الثلاثاء 7 كانون الثاني 1930: ''أشعر الآن أني غريب في هذا الوجود، وأنني ما أزداد يوماً في هذا العالم إلاّ وأزداد غربة بين أبناء الحياة وشعوراً بمعاني هذه الغربة الأليمة· غربة من يطوف مجاهل الأرض، ويجوب أقاصي المجهول، ثم يأتي إلى قومه في رحلاته البعيدة، فلا يجد واحداً منهم يفهم من لغة نفسه شيئاً (···) إنني طائر غريب بين قوم لا يفهمون كلمة واحدة من لغة نفسه الجميلة''· يرجع هذا الإحساس الفاجع بالغربة أيضاً إلى كون الشابي انطلق في مجمل ما كتبه شعراً ونثراً من تصوّر رومانسي يقرن بين الشعر والنبوءة ويعتبر الشاعر الحقّ صاحب رسالة في الحياة· وهو يرسم لنفسه في ديوان ''أغاني الحياة'' صورة تجسّد هذه الرؤية· فالشاعر الحقّ، في نظره، يقف في مقدمة بني قومه، ويقيم على الذرى ''كالنسر فوق القمة الشمّاء'' منتظراً الحقيقة، مصيخاً للـ''صوت الإلهي''· وهو لا ينظم الشعر باعتباره صناعة وتمرّساً بتصريف الكلام وكيفيات إجرائه بل ''يذيب روح الكون في الإنشاء''· ومثلما طفحت أشعار الشابي كلها بإحساسه بالغربة جاءت مذكراته معبرة عن ضيقه بالناس وضجره من دنياهم· لكن المذكرات وردت موجزة مقتضبة، وهي في مجملها 21 مذكّرة تؤرّخ لوقائع 19 يوماً من أيام شهر كانون الثاني 1930 ويومين من أيام شهر شباط ·1930 الراجح أن الشابي قد شرع في كتابة مذكّراته ثم أنهاها على عجلٍ، لأنه اكتشف على عجلٍ أيضاً، ألا جديدَ في حياته: رتابةٌ قاتلةٌ·· ملَلٌ مُبيدٌ·· أيّامٌ مَحَا التشابهُ ملامحها المميّزة·· حياةٌ على قصرها تمرُّ بطيئةً ثقيلةً على مهل لا تكلُّ·· وشاعر يعصف به الضجر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©