السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

على هامش أيام الشارقة المسرحية التاسعة عشرة التي تنطلق في 17 الجاري

على هامش أيام الشارقة المسرحية التاسعة عشرة التي تنطلق في 17 الجاري
11 مارس 2009 23:31
ايام لن يسدل عليها الستار·· ونعني بذلك ''أيام الشارقة المسرحية'' التي يتزامن ختامها في السابع والعشرين من مارس الجاري وهو اليوم المخصص لاحتفالات المسرحيين والمثقفين بـ ''يوم المسرح العالمي''، ويجيء هذا اليوم والمسرح المحلي يعيش فترة انتعاش لم يسبق لها مثيل سواء على مستوى حجم العروض والفرق الوطنية، أو على مستوى المهرجانات والمشاركات العربية والدعم الرسمي والتعاطي مع النص المسرحي، وتطور الحراك المسرحي وحوار التجارب· ومع ذلك فإنه لا شيء في المسرح يكتمل بصورة مثالية لأن تطور ''أبو الفنون'' لا يتوقف عند مدرسة مسرحية، أو اجتهاد في التنويعات المتعلقة بفنون المسرح·· لذا فإننا مطالبون بمضاعفة الحوار الفكري والفني من خلال رؤية نفاذة بصيرة·· فما هي قصة يوم المسرح العالمي؟ وما دورنا فيه انطلاقا من النهوض بالمسرح الإماراتي؟ وهل يمكن أن يكون لنا يوم للمسرح الوطني من خلال ''أيام الشارقة المسرحية'' التي تتصدر خارطة الإبداع المسرحي في الإمارات وتنطلق الدورة التاسعة عشرة منها في السابع عشر من شهر مارس آذار الجاري؟ · مع إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1946 م، تشكلت لجنة للفنون والآداب باسم اليونسكو وعقدت أول مؤتمر لها في مدينة براغ التشيكوسلوفاكية عام 1948 م، وفيه أُعلن رسميا عن إنشاء ''الهيئة العالمية للمسرح''· وقد جاء في البند الأول لميثاق هذه الهيئة: أن الفن المسرحي هو نشاط عالمي إنساني يعبر به الإنسان عن نفسه وأحلامه في كل مكان، ولهذا فإن له أثرا قويا وقدرة وخصوصية على جذب جماعات كبيرة من شعوب العالم واشتراكها في خدمة وتعزيز السلام والثقافة الجماهيرية· في سنة 1962م، دعت هيئة الأمم المتحدة الدول الأعضاء لإنشاء مركز قومي للمسرح يخول لها عضوية الهيئة العالمية التي أنشأت في العاصمة الفرنسية باريس مسرحا تحت اسم ''مسرح الأمم''، لعرض أفضل مسرحيات الدول الأعضاء· وأصدرت مجلة تظهر كل شهرين باسم ''المسرح في العالم''·· وقررت عقد مؤتمر عام كل سنتين، واختارت يوم 27 مارس من كل عام للاحتفال بيوم المسرح العالمي وإنجازاته وتقدير رجالات المسرح البارزين في كافة أرجاء العالم وتكريمهم في احتفالية تلقى من خلالها شهادات لمسرحيين متميزين، وقد جرى التقليد على أن يكتب أحد رجال المسرح البارزين رسالة يوم المسرح العالمي، وقد كتبها على التوالي آرثر ميللر، تينسي وليامز ومن ثم السير لورانس أوليفييه ومن ثم جان لوي بارو ورونيه ماهو والممثلة الألمانية العريقة هيلينا فيجل، وميجيل استورياس والمخرج الانجليزي الشهير بيتر بروك، وسوستا كوفتش· وكتبها العام 1971 م، بابلو نيرودا وجاء فيها: ''لست أشك أن الملالة قد تسربت الى أفئدتنا من مسرح العبث أو اللامعقول ومن الأشكال البائدة ومن الواقعية التي شاخت واحتضرت·· إننا نسعى الى مسرح بسيط بلا سذاجة، نقديا بلا امتهان لكرامة الإنسان''· وقال الكاتب الراحل توفيق الحكيم في كلمته لنفس العام ''لقد أحيطت بالصوت الآدمي وسائل إخراجية معقدة·· فإذا ألهاه الإغراق المسرف في العرض المسرحي وأضاع منه ملكة الاستمتاع والانتفاع بالكلمة وحدها، الخارجة من القلب والعقل فإن المسرح الحقيقي يفقد أهم رسالة له: وهي استمرار الصوت الآدمي بنبراته الطبيعية يكشف للإنسان عن ذاته ويدفعه الى السمو على نفسه والإصغاء الى أعماقه''· رسالة القاسمي أما رسالة المسرح العالمي للعام قبل الماضي فقد ألقاها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة·· وهو في الحقيقة ليس داعما فقط لأيام الشارقة المسرحية التي انطلقت في العام 1994 بل متداخل فعليا في الحراك المسرحي كاتبا كبيرا وأديبا ومثقفا، ومسهما في العملية المسرحية من خلال أحد أهم أركانها وهو ''النص المسرحي'' ومن خلال مجموعة من المسرحيات المهمة التي كتبها ومنها: ''القضية'' وثلاثيته المشهورة ''عودة هولاكو'' و''صورة طبق الأصل'' و''وكلاء صهيون'' التي كسر بها حواجز الأحداث ودخل فكرها في تراث الإنسانية من خلال قدر عال من الحرفية والتكنيك المعاصر والاشتغال الدقيق على النص·· ومن يتتبع نشاط سموه الرسمي يعرف انه صاحب أياد بيضاء على الفنون والآداب والتراث في إمارة الشارقة، وأيضا هو واحد من أهم المنشغلين بقضية الثقافة العربية وإبداع خاص يوثق الصلة ما بين السياسة والأدب وتحقيق حوار خلاق ما بين المبدع والمتلقي ليؤكد التزام الأدب برسالته النهضوية في إطار المشروع العربي الطامح الى الخلاص من تبعية وهيمنة الإنتاج الغربي وخاصة في المجال المسرحي· وهنا نقتطف بعض ما جاء في كلمة سموه بهذه المناسبة: ''يا أهل المسرح إن عاصفة قد حلت بساحاتنا من شدة ما يثار من حولنا من غبار الشك والريبة، حتى كادت أن تحجب وضوح الرؤية لدينا، وأصواتنا لا تصل آذان كل منا من كثرة الصراخ والفرقة التي تباعد بين الشعوب، وتكاد العاصفة تطوح بنا لتبعدنا عن بعضنا لولا إيماننا الراسخ بدور المسرح القائم على الحوار أصلا· إذا لا بد لنا من التصدي والتحدي لمن ينفخ في تلك الأبواق لإثارة تلك العواصف، ليس لتحطيم هذه الأبواق، ولكن بالنأي بأنفسنا عن تلك الأجواء الملوثة، وتكريس جهودنا بالتواصل وإقامة علاقات المودة مع المنادين بالتآخي بين الشعوب''· يوم المسرح الوطني ربما تكون كلمة صاحب السمو حاكم الشارقة مدخلا مهما للمطالبة بدراسة إمكانية أن يكون لدينا هنا في الإمارات يوم للمسرح الوطني خلال الدورة الجديدة من أيام الشارقة المسرحية التي من المقرر أن تنطلق في 17 مارس من العام الجاري·· ليكون هذا اليوم بمثابة عيد لتكريم الفنانين والكتاب والمسرحيين وفن المسرح بشكل عام، وليكون أيضا يوما لبناء حوار التجارب بين الأجيال من خلال منظومة من الثوابت والتقاليد المتبعة عالميا من خلال إنشاء هيئة وطنية للمسرح يتدارس أعضاؤها بشفافية عالية إشكاليات المسرح والنهوض به بعيدا عن الحساسيات لنرتفع عنها جميعا متوجهين بجهودنا لهذا الفن العظيم وتأصيله وتطوير جهود الفرق المسرحية التي تنتشر عبر كافة الإمارات، بالإضافة الى دعم جهود الجانب التنظيري من خلال طباعة المزيد من الكتب التي تتناول إنجازات رواد المسرح الإماراتي، وإلقاء الأنوار الكاشفة على المردود التراكمي لتجارب المراحل المسرحية من خلال تعزيز دور ثقافة النقد المسرحي الموضوعي العلمي التطبيقي وإقامة الندوات الفكرية المتخصصة بحضور نخبة من النقاد والمسرحيين على المستوى الإقليمي والعربي والدولي، ونقول ندوات رئيسية تتناول اتجاهات جديدة في التعاطي مع فن المسرح، وتحقيق مناقشة جدية للعوائق والمشكلات التي يواجهها المسرح المحلي وهو ليس بمعزل عن المشكلات والأزمات التي تتعرض لها كافة مسارح العالم بفعل الظروف الراهنة وسيطرة العولمة على فن المسرح بما يعرف اصطلاحا لدى البعض بمحاولات (عولمة المسرح) على غرار المحاولات الجارية لتسييد ثقافة النمط الواحد وتهميش ثقافات الشعوب الضعيفة· وعلى ذلك فلا ضير من المطالبة أيضا بان يناقش أصحاب القرار إنشاء لجنة تحضيرية من عدد من المتخصصين والنقاد لإقامة ''مؤتمر وطني للمسرح'' لتنظيم مهنة المسرح ومناقشة جهود الفرق الوطنية والأهلية العاملة في الحقل المسرحي وتقديم الدعم اللازم لتطويرها، متزامنا ذلك مع تطوير وزيادة تنويعات في الجوائز المتخصصة في المسرح وإنشاء جوائز سنوية لكافة عناصر العرض المسرحي بالإضافة الى حقول الجوائز الموجودة حاليا لاسيما جائزة الشارقة للكتابة المسرحية التي تتبناها دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة وهي مخصصة لأبناء الدولة الكتاب من أعمار واحد وعشرين عاما فما فوق· وفي هذا السياق لا احد يستطيع تجاوز وإغفال وجود إشكاليات في المسرح المحلي·· وهذه الإشكاليات ليست تهمة أو عيبا، فمن المعروف أن طريق المسرح لم يكن يوما محفوفا بالورود منذ بدء المسرح الإغريقي قبل نحو 5000 سنة وانتهاء بمسرح الضوء الفرنسي وهو أحدث أنواع المسرح المعاصر·· وبالنظر الى ذلك لا يمكن أن تنجح الجهود الفردية أو النوايا الطيبة في التخفيف من المشكلات والمعوقات التي يواجهها المسرح إلا من خلال هيئة وطنية ملتزمة وداعمة للنشاط المسرحي على كافة المستويات، وهو ما يمكن أن تنجح به أيام الشارقة المسرحية باعتبارها تشكل الواجهة الحقيقة لانطلاق جهود المسرحيين نحو تطوير تجربتهم ونقلها عبر جملة من المهرجانات المسرحية العربية في مصر والأردن وقرطاج وسورية في الوقت الراهن· وفي هذا السياق نستذكر ما جاء من توصيات الوثيقة الختامية لأعمال الندوة الفكرية للدورة الثانية عشرة لأيام الشارقة المسرحية العام ،2005 وتضمنت الدعوة الى ضرورة الإسراع في التخطيط الاستراتيجي للمسرح الإماراتي، بحيث يضمن التطور التلقائي للفرق المسرحية، التي لا بد أن تتوفر في مركز اماري بحسب إمارات الدولة، وبموسم مسرحي إماراتي، يخدم وشيجة العلاقة بين المسرح والجمهور، وحبذا لو تبنى المسرحيون صيغة تشكيل (لجنة تنسيق الموسم المسرحي الموحد) تتعامل الجهات الرسمية والأهلية من خلالها مع الجهود المبذولة، بما يرسخ فعالية المسرح وعلاقته مع المجتمع، ويحدد معالم التوجه نحو تطوير المسرح بشكل عام· هذا الى جانب توصيات بضرورة الإسراع بإنجاز توثيق الحياة المسرحية الإماراتية بكافة أجيالها، وتطوير مسرح الطفل والمسرح المدرسي وتفعيل معهد الشارقة للفنون المسرحية وتنظيم المهنة، وما الى ذلك من قضايا بإشكاليات المسرح المحلي· وهنا يمكن أن تكون دعوتنا لإنشاء مؤتمر وطني للمسرح في مكانها الطبيعي بما ينسجم مع طموحات المسرحيين بأن يكون لهم يوم وطني للمسرح· وبالنظر الى تراكمات الدورات المتعاقبة من أيام الشارقة المسرحية وإفرازاتها على كافة مستويات حركة المسرح في الإمارات والتأثير الفكري، فان النضج الفني الذي تحقق لدى العاملين في المسرح يمهد لأرضية خصبة لمناقشة قضية خلق مسرح إماراتي متجدد يقوم على أسس علمية وفنية وفكرية، لا سيما وان معظم عروض دورات أيام الشارقة المسرحية كانت تحمل وتبحث عن الذات الإنسانية وتناقش الواقع، في إطار مسرحي متقدم يقوم على لغة جديدة من الحركة، وتكنيك معاصر يعتمد على (السينوغرافيا) أكثر من اعتماده على الديكورات، بما يؤكد أن التواصل مع سياق المسرح العالمي ومدارسه موجود بتأثيراته المحلية الشرقية الخالصة من خلال نخبة من الأجيال المسرحية التي يتحقق لها حوار التجارب في أجواء مسرحية خالصة· جمهور المسرح في النهاية لقد اعتدنا ونحن نتحدث عن المسرح أن نتناول بالتقييم العمل المسرحي أدبيا وفنيا، وأن نبحث بالتحليل الوضع المسرحي فكريا واقتصاديا·· ولكننا لم نحاول أبدا حتى تتضح صورة الحركة المسرحية سلبا أو إيجابا، أن نتجه الى جمهور المسرح، تلمسا لظروفه الاجتماعية والنفسية ومدى إقباله على عروضنا المسرحية، وان نتوجه إليه تأصيلا للقيم والتقاليد المسرحية·· ولعل أوقع مناسبة في اعتقادي لمخاطبة ''جمهور المسرح الحقيقي'' هي ''أيام الشارقة المسرحية'' في دورتها التاسعة عشرة·· وكما نعلم أن المسرح في العالم كله يعاني حاليا من أزمة جمهور·· والأمر ليس بعيدا عن مسرحنا المحلي، ولهذا فإن تكريس الجهود لتحقيق وظيفة المسرح بكل أبعادها في المجتمع مطلب له أهميته في اختيار الأفكار والمضامين التي يكرس المسرحيون جهودهم من خلالها للوصول الى الناس وملامسة واقعهم وأحلامهم مهما كانت أسلوبية العرض المسرحي المقدم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©