الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نصف قرن من الحفريات الآركيولوجية جعلت الأرض الصامتة تتكلم

نصف قرن من الحفريات الآركيولوجية جعلت الأرض الصامتة تتكلم
11 مارس 2009 23:11
قبل نصف قرن من الزمان ,وصلت أول بعثة متخصصة في الآثار إلى أبوظبي , وهي بعثة دانمركية , لتنقيب عن حضارة المنطقة وتستخرج كنوز الأرض الدفينة. كان ذلك في العشرين من شهر فبراير عام 1959 م , وبدعوة من المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان حاكم أبو ظبي آنذاك. مذّاك بدأت الأرض تبوح بأسرارها، وتكشف عن كنوزها، وتوالت بعثات التنقيب التي حظيت باهتمام خاص من المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واستمرت مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله''، وها هي الدولة تحتفل بمرور 50 عاماً على الاكتشافات الأثرية التي تواترت في المنطقة من بعثات أوروبية وعربية متعددة· ولأن للمناسبة علاقة بالتاريخ والعراقة الحضارية التي تستحق الاهتمام، قام سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة، في الأول من مارس الجاري بافتتاح الاحتفالية التي نظمتها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في فندق الإنتركونتيننتال في أبوظبي، والتي تمثلت بتنظيم ''المؤتمر الدولي الثاني عن آثار الإمارات العربية المتحدة'' و''الملتقى العلمي السنوي العاشر لجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية''· نصف قرن من مساءلة الأرض لإخراجها عن صمتها أنتجت حصيلة ثرَّة وغنية، وأنجبت الكثير من الكشوف الأثرية التي وضعت الإمارات على خريطة الحضارات الإنسانية، وأكدت امتدادها البعيد في أعماق التاريخ كما تؤكد البحوث الكثيرة التي جعلت من المؤتمر والملتقى ساحة لحوار طويل· الحكاية من أولها إلى أرشيف متحف ''موسغارد'' في الدانمارك، مقر الفريق الدنماركي الذي تولى أولى حملات التنقيب عن الآثار في الإمارات العربية المتحدة في أم النار عام 1959 بقيادة بي· في· جلوب وجيفري بيبي، يأخذنا رئيس قسم الآثار الشرقية في المتحف الباحث فيلمينغ هوجلند في رحلة عبر الزمن، في عرض شيق للأحداث والذكريات عبر مستندات وصور ومقاطع أفلام 16ملم، نتعرف من خلالها على مشاهد لم يسبق نشرها والمتعلقة بأول رحلات استكشافية في جزيرة أم النار وفي واحة العين· ومن وقائع البعثة إلى النتائج التي أسفرت عنها تنقيباتها، ننتقل مع خبير الآثار الدكتور وليد ياسين التكريتي (هيئة أبوظبي للثقافة والتراث) إلى جزيرة أم النار: عاصمة أبوظبي القديمة، لنطلع على نتائج الحملات الاستكشافية الأثرية في جزيرة أم النار خلال الخمسين سنة السابقة، ونستكشف الامتداد الثقافي في الجزيرة، مروراً بتفاصيل اكتشاف المقابر والمستوطنات الأخرى العائدة لنفس الفترة الزمنية في أماكن أخرى في الإمارات· وتعكس الطريقة التي تم بها تنظيم مواعيد البحوث حرص وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، على ملاحقة التسلسل التاريخي للبحوث والرحلات الاستكشافية، فبعد الإحاطة بالبعثة الأولى ونتائجها جاء دور خبير الآثار العراقي الدكتور منير طه (من هيئة متاحف قطر) والذي سبق له أن عمل في الإمارات لسنوات طويلة، لينير لنا عبر عرضه التاريخي للحملات الاستكشافية والتنقيب وأعمال الترميم في الدولة من (1972 ـ 1981) تفاصيل تلك الفترة التاريخية التي تؤكد أن البداية الحقيقية للاهتمام بآثار المنطقة جاءت عام 1971 أي مع تأسيس الدولة، وما أسفرت عنه تلك التنقيبات في العين وجبل حفيت وأم النار والقصيص والدور وعجمان وغيرها من المواقع· ما قبل الآثار في سياق هذا المحور عاد أندرو هيل (جامعة ييل) إلى مرحلة سحيقة في الزمن، ليطوف بنا في ثنايا الأحافير والاكتشافات الحجرية القديمة، خاصة الحياة والبيئات في العصر الميوسيني في أبوظبي، ليكشف أن المنطقة كانت فيها مناظر طبيعية وبيئات مناخية مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في المنطقة حالياً· فقد عاشت في هذه المنطقة آنذاك أنواع كثيرة من الحيوانات بما في ذلك الفيل وفرس النهر والظبي والخنزير والقرد والقوارض والحيوانات آكلة اللحوم الصغيرة والكبيرة والنعام والسلاحف والزواحف والسمك· ومع وجود أدلة على أن الظروف الصحراوية كانت سائدة آنذاك كما هي الآن، لم يبق أمام الباحثين وخبراء الآثار إلا التأكيد على وجود نظام نهري كبير جداً يتدفق ببطء عبر المنطقة نمت على طوله النباتات بما في ذلك الأشجار الكبيرة، وبفضل ذلك عاشت هذه الحيوانات التي تشبه تلك الحيوانات التي كانت معروفة في أفريقيا قبل 6 - 8 ملايين سنة· كما تتشابه مع الأصناف الآسيوية والأوروبية العائدة لتلك الفترة· لكن ما معنى ذلك؟ يجيب أندرو هيل مفسراً: ''إن هذه الحيوانات مهمة جداً لأنها تشكل نافذة على الحياة على سطح الأرض والبيئات العربية في الفترات الواصلة بين المناطق البيوجغرافية الرئيسية الثلاث للعالم القديم وهي: الإثيوبية (أفريقيا) والبلاركتيك (أوروبا وشمال آسيا) والشرقية (جنوب وجنوب شرق آسيا) وذلك عندما بدأت حيوانات العالم القديم تأخذ شكلها الحديث''· نشأة الإنسان وفي سياق متصل بنموذج نشأة الإنسان خارج إفريقيا، وأثناء بحثها عن الأدوات الحجرية القديمة في منطقة أبوظبي الغربية، عثرت البروفسورة سالي ماكبريتي، مديرة قسم علوم الإنسان في جامعة كونيكتيكت في الولايات المتحدة الأميركية، على أدوات حجرية مصنوعة من حجر الصوان - الذي انتشر بكثرة في العصر الميوسيني وما بعده - مبعثرة على السطح بكثافات مختلفة في مناطق شويحات وجبل بركة وحمرا وراس العيش· ويتم حالياً، وفق ماكبريتي، تقييم تاريخ هذه المواد وانتماءاتها الجغرافية، وصلتها بنموذج نشأة الإنسان خارج أفريقيا· وتفسر صوفي ميري (المعهد الوطني للأبحاث العلمية ـ نانتير) معنى وجود عظام أطوم عملاق عثر عليه عام 1989 في جزيرة عقاب في أم القيوين بأن موقع عقاب من بين المواقع المرصوفة القليلة التي تعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد في الخليج العربي· والأطوم المقصود هو حيوان بقر البحر الذي لا توجد عظامه في أماكن أخرى من العالم، ما عدا جبال بأستراليا· وتقول: ''حيوان بقر البحر هو حيوان من المحيط الهادي وهو سريع جداً· ونعتقد أن عظام بقر البحر تشبه وظيفتها تلك الموجودة في أستراليا، وهذا يدعونا للتساؤل عن طبيعة من سكنوا المنطقة''· أما هولي بيتمان فلاحظت وجود تواصل ثقافي من الجانب الآخر للخليج أي من جنوب شرق إيران ومن السند خلال منتصف الألفية الثالثة إلى أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد، وما يؤكد ذلك أشكال الأوعية المصنوعة من الحجارة الناعمة والخزف التي تحمل زخارف هندسية وأشكالاً متنوعة، والتي أثبتت الحفريات الحديثة أن مصدرها وادي نهر هليك بإيران، كما تؤشر الآثار الخزفية التي وجدت حديثاً في إيران ومكران وغيرها مما وجد في غوجارات خلال المراحل الأخيرة لمسيرة السند على الشراكة التجارية في تلك الفترة· وتكشف البحوث المتعلقة باستئناس الحيوان ومنها بحث هانز بيتر اوبرمان أن استئناس الحيوان بدأ في أوائل العصر البرونزي الأول، وأن استئناس الجمل للركوب تم خلال العصر الحديدي، أي أنه تأخر وسبقه الحمار لكن أهميته الاقتصادية زادت عندما تم تهجينه مع الجمل ذي السنامين في أواخر عصر ما قبل التاريخ وبدايات عصر التاريخ الأول· أما الحصان فيعتبر نسخة متأخرة من مجموعة الحيوانات التي استخدمت للركوب أو للعمل· أمراض ما قبل التاريخ وثمة بحث غريب في موضوعه يتناول واقع الصحة والأمراض في فترة ما قبل التاريخ، من واقع تحليلات البقايا البشرية المأخوذة من مرحلتين من حفريات مدفن الهيلي قدمته كاتلين ماسكوين، التي خلصت إلى وجود امراض الأسنان وسوء التغذية وأوجاع القوام في العصر البرونزي الأول· وقالت د· كاثلين ماكسويني: ''إن مقابر أم النار قدمت لنا أدلة، وبسؤال الجثث وجدنا أن أقل عدد من الأفراد كان 93 فرداً، وكان هناك عدد منخفض من وفيات الأطفال ومن البالغين، إذ أن نسبة البالغين من الوفيات لم تتجاوز الـ،18 وتتراوح نسبتهم ما بين 54 بالنسبة للرجال و44% بالنسبة للنساء، وكان هناك 42 من الذكور و12 أنثى''· وحسب كاثلين، فإن سكان أم النار كانوا بصحة جيدة وكانوا نشيطين، وهي ترجح أن السبب يعود إلى النظام الغذائي الذي اعتمد الأسماك كعنصر رئيسي فيه· أما قوة عضلات أذرعهم فتعيدها إلى عملهم في السفن، لكنها أوضحت أن العنف كان حاضراً من خلال فحص بعض الجماجم· وقارنت بين الصحة في أم النار والهيلي، حيث وجدت أن وفيات الأطفال في أم النار كانت منخفضة، على عكس الوفيات في الهيلي، وبالنسبة للأسنان، فقد كانت جيدة في أم النار، ولكنها سيئة في كل مواقع الهيلي· في ورقتها أوضحت جسي كازانا (جامعة اركانساس) والتي قدمتها بالنيابة عنها جسي تي هيرمان، نتائج التحقيقات الأثرية بمنطقة صاروج الحديد، مشيرة إلى أن ''التحليلات الأخيرة لحجم الموقع باستخدام كل من المسح السطحي ورادار الاحتراق الأرضي مكنتنا من تكوين فهم أفضل لتكوّن الموقع من خلال عمليات التنقيب المستهدفة، وقد صححت التسلسل الزمني وتاريخ الوظائف من خلال الإشعاع الكربوني لتحديد التاريخ''· وقد تم العثور على لقى متنوعة في الموقع منها أوعية ومعدات وحلي ومجوهرات وخطافات صيد السمك بالإضافة إلى العديد من مواد الكماليات المستوردة والخزفيات وغيرها من المشغولات· جلفار·· رؤية تصحيحية وثمة بحث عن جلفار لكريستيان فيلدي يرى فيه أن ''الاستيطان في جلفار أكثر تعقيداً مما كان يعتقد في السابق، وأن الجزء من المدينة العائد إلى العصور الوسطى والذي تم تجاهله بشكل كبير، هو الواحة الكبيرة لحدائق النخيل الممتدة من الشمال إلى منطقة النخيل، ويشمل جدار مدينة جلفار الكبير· هذه المنطقة هي الحدود الحقيقية للمدينة، وهذا ما يجعل جلفار مزيجاً فريداً من نوعه لمدينة واحة من ناحية ومدينة ساحلية من ناحية أخرى''· كيف؟ يقول الباحث إنه خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث الى الثامن عشر بعد الميلاد، انتقل موقع المدينة الساحلية بين مناطق كوش والمطف ورأس الخيمة بالاعتماد على الدخول إلى الأهوار، بينما كانت مدينة الواحة هي العصب المستقر للحياة المدنية في جلفار''· وفي نفس الموضوع جاء بحث روبرت كارتر (جامعة اكسفورد بروكس) الذي حاول أن يضع سياقا للحليلة ضمن سجل تاريخي وأثري أوسع لكوش وجلفار ورأس الخيمة ودول الخليج ككل، وفيه يشير إلى أن ''تسمية جلفار كمرفأ بحري رئيس للساحل العربي في الخليج الجنوبي تمت خلال الفترة الإسلامية لغاية أواخر القرن السادس عشر بعد الميلاد، حيث تم العثور في مواقع تم التنقيب فيها مسبقاً في جلفار المطف ومنطقة كوش المجاورة لها على مجموعة مستوطنات في جزيرة الحليلة على بعد 10 كلم إلى الشمال، مما يشير إلى أن الاستيطان بدأ من القرون الأولى بعد الإسلام وحتى القرن التاسع عشر بينما أظهرت كوش وجلفار المطق أدلة كثيرة على الاستيطان في القرون الممتدة من القرن الخامس إلى الثالث عشر ومن القرن الرابع عشر الى السادس عشر بعد الميلاد على التوالي''· حريق مويلح ويؤكد مارك هانديل في بحثه عن ''نتائج أعمال التنقيب عن الآثار 2006 - 2008 في مويلح (إمارة الشارقة)''، وجود بعض القطع من السيراميك تعود إلى العصر الحديدي، وبعد فحصها تبين أن المنطقة كانت أكبر مما هي عليه الآن، وأنه وجدت فيها حياة· ويعزو فناء هذه الأماكن إلى حريق هائل أتى عليها، ويقدر أنه حصل في القرن الثاني عشر قبل الميلاد· من ناحيتها، جذبت منازل مليحة والدور ميشيل موتون من المعهد الوطني للأبحاث العلمية - باريس، ليدرس من خلالها التغيرات التاريخية والثقافية، حيث يؤكد أنه ''لأول مرة نرى هذه المستوطنات قريبةً من بعضها''· وقد وجدت في مليحة منازل كثيرة وغرف للمخازن والجرار، وربما كانت هذه أماكن لصنع الجرار· فضلاً عن وجود بعض الأواني التي يحتمل أن تكون هندية الأصل، وبعض الأدوات المصرية، بالإضافة إلى بعض الأشكال الفخارية التي تعود إلى الفترة بين القرنين الثالث والخامس الميلادي· ومن مليحة إلى وادي الحلو، قرأ عيسى عباس (دائرة الآثار في الشارقة) عدداً من المنحوتات التي تم التعرف عليها مؤخراً في وادي الحلو، مقترحاً تواريخ محتملة لها· وتعتبر المنحوتات من الوثائق المهمة التي تسجل النواحي العديدة للحياة اليومية عبر العصور، ولهذا اهتمت بها البعثات الآثارية فدرس نقوشها الفريق السويسري والفريق الفرنسي، والفريق البريطاني بالإضافة إلى بعض علماء الآثار· وتعرف الدراسات المنفذة على وادي الحلو في الشارقة، بعدد كبير من المنحوتات تعود لفترات وأنماط مختلفة، وتبين أن هذه الممارسات استمرت حتى أوقات متأخرة· ويشير عباس إلى أن المنحوتات في الإمارات العربية، رغم صعوبة تأريخها، تعود إلى العصر البرونزي الأخير، وجرى صنعها خلال فترة طويلة، وأنها تعالج موضوعات متنوعة ومظاهر حياتية واجتماعية مختلفة مثل الحيوانات المنزلية والبرية وحيوانات الصيد· وتركزت المنحوتات في خورفكان ومنطقة كلباء وبعض المناطق الأخرى بالشارقة· وسميت منطقة وادي الحلو بهذا الاسم لوجود مياه عذبة، ولكنها قلت مما جعل الأهالي يحفرون الآبار لاستخراج المياه، وهي ذات طبيعة جبلية وتبعد عن مدينة كلباء حوالي 25 كيلومتراً· ومن المكتشفات المهمة للفريق الفرنسي مبنى الصنم، ومن الآثار المهمة وجود مدفن يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وعليه غطاء القبر· وتطرق عباس إلى منطقة الشعيبات، حيث توجد مجموعة من النقوش التي تقع بين المباني السكنية التي شغلت في الستينات من القرن الماضي، وقد أنجزت بطريقة النقر على الحجر· وعرض عباس بالصور عدداً من المنحوتات والنقوش التي قال إنها ربما تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد، مؤكداً أن البحث ما زال جارياً للعثور على نقوش كتابية التي وجد عدد قليل جداً منها في خورفكان· بقيت الإشارة إلى أن المؤتمر تميز بالرصانة والجدية، وحرص الباحثون على حضور الجلسات ومتابعتها، فضلاً عن الأجواء العلمية المتخصصة التي أكسبته هيبة أكاديمية ربما لا تتوفر لمؤتمرات أخرى·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©