الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

800 مدينة أثرية سورية تستعد لتصبح «ثروة إنسانية» بصك من «اليونسكو»

800 مدينة أثرية سورية تستعد لتصبح «ثروة إنسانية» بصك من «اليونسكو»
16 فبراير 2010 20:09
الاحتفال بالذكرى المئوية السادسة عشرة لرحيل مؤسس المارونية مار مارون في بلدة براد السورية القريبة من حلب، أعاد تسليط الضوء على المدن والبلدات السورية القديمة المنسية، والتي يبلغ عددها حوالي ثمانمائة مدينة وقرية أثرية “ميتة”، وإن كان أحد الباحثين الفرنسيين سماها “المدن المنسية” بعد أن هجرها سكانها ودمرتها الزلازل والحروب وأهملت منذ مئات السنين. يعتبر البروفسور الفرنسي إيف دودج الخبير لدى اليونيسكو، ثمانمائة مدينة وقرية أثرية في سوريا مناطق فريدة من نوعها وفي أهميتها، لأنها الوحيدة في حوض البحر الأبيض المتوسط التي تتحدث عن مراحل تاريخ الإنسانية، وتشكل مصدر إشعاع حضاري كبير على مستوى العالم. ومع اكتشاف مدفن مؤسس المارونية المسيحية مار مارون في بلدة براد السورية، يحاول السوريون إعادة إحياء بلداتهم القديمة، وتسليط الضوء عليها عالمياً. وتشكل بلدة براد موقعاً أثرياً قديماً، وكانت في العهد البيزنطي مدينة كبيرة تعج بالسكان وتضم ثلاث كنائس ودير وسوق تجاري ودور سكن من العهد الروماني، وشهدت هذه البلدة حياة رهبانية مسيحية حافلة مع النسّاك الذين اختاروا العيش ضمن الأكواخ، وتقع على مقربة منها أجمل الأديرة التاريخية، وأكبر كنيسة في سوريا القديمة. وما يميزها الآن التأكد من حقيقة أن “مار مارون” القديس الكاثوليكي وأبو المارونية مدفون فيها، فأصبحت محجة لأتباع المارونية من كل مكان. منطقة حضارية تقع براد ضمن منطقة تقدر مساحتها بـ5500 كم2، وتعتبر أكبر متحف أثري طبيعي في العالم، وتمتد من شمال غربي سوريا من قورش شمالاً وحتى أفاميا جنوباً، ومن حلب شرقاً وحتى وادي العاصي غرباً، وتضم ثمانمائة بلدة وقرية أثرية يقع معظمها بحسب جغرافية عصرنا الراهن في محافظتي حلب وإدلب. وشهدت هذه المنطقة فترة ازدهار المسيحية في القرن الرابع والخامس والسادس للميلاد، وضمت أكثر من ألفي كنيسة، أهمها كنيسة القديس سمعان العمودي التي أنجز بناؤها عام 491 للميلاد، وأصبحت مجمّعاً دينياً مسيحياً كاملاً، ومحجاً للمسيحيين. ورغم أن جميع هذه المواقع تصنف ضمن المدن والبلدات المنسية، إلا أن هناك 135 بلدة منها ما تزال مسكونة حتى عصرنا الراهن. أقدم مكتبة في العالم على مسافة 52 كم من حلب تقع “إيبلا” في تل مرديخ، وهي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، واكتشف فيها العالم الإيطالي باولو ماتييه قبل ربع قرن من الآن أقدم مكتبة في التاريخ، تتألف من 17 ألف رقم طيني وأرشيفاً يرجع إلى العام 2300 قبل الميلاد، وفيه تقرأ على الرقم الفخارية أول اتفاق سلام وقع بين إيبلا ومملكة أبرسال، بعد إذعان الأخيرة بوصفها خاسرة للأولى بوصفها المنتصرة. وينظر خبراء آثار سوريون باعتزاز إلى تل مرديخ وإيبلا، ويقولون إن “هذا التل أحدث هزة في الأوساط العلمية العالمية”. وفي المعرة حيث دفن الخليفة عمر بن عبد العزيز وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري، تقف في متحفها على معرض حي للفسيفساء، حيث ترى لوحة فسيفساء هرقل التي تبلغ مساحتها 27 متراً مربعاً، وهي تعود للقرن الثالث الميلادي ولوحات أخرى مهمة. أما في أريحا المصيف المأهول والعامر بالفيلات المعاصرة، فقد اكتشفت مدافن رومانية قديمة، كما عثر على “صينية” تصور السيد المسيح في العشاء الأخير، وهي تعود للقرن الخامس الميلادي. وهناك مواقع في جبل الزاوية تضم آثاراً وثنية تعود للقرن الثاني الميلادي، فضلاً عن عدد من الكنائس والمدافن والمغاور المحفورة في الصخر. وفي عين دارا وجدت بقايا لمعبد من العصر الحديدي يرجع تاريخه إلى 1200 عام قبل الميلاد، ويضم تجمعين وثنيين كبيرين، أحدهما محاط بتماثيل أسطورية محفورة على البازلت. أكبر محمية أثرية سبق الباحثون الغربيون والسياح في لفت أنظار السوريين إلى أهمية هذه المنطقة، باعتبارها كنزاً أثرياً هائلاً، وبعد فترة من النسيان والانشغال، يبدو السوريون الآن وكأنهم يعيدون اكتشاف كنوزهم وبلداتهم المنسية، والتي تشكل متحفاً أثرياً طبيعياً تبلغ مساحته نصف مساحة لبنان وتزيد عن مساحة الضفة الغربية المحتلة. وأثبتت الكتب والدراسات والأبحاث التي أجراها أكاديميون ومستكشفون أوروبيون وأمريكيون أن هذه المنطقة تعتبر موسوعة لتفسير وإيضاح تطور الحياة الإنسانية منذ ما قبل ظهور السيد المسيح، وحتى الآن، بالشواهد الحية. لذا يبدو المسؤولون السوريون عن شؤون الآثار والسياحة والثقافة مشغولين الآن بالإعداد لتسجيل هذه المنطقة الواسعة في سجلات اليونيسكو كتراث عالمي يجب كشفه وحمايته باعتباره “ثروة إنسانية”، وتبدو منظمة اليونيسكو على موعد مع هذه الخطوة بعيد منتصف العام الحالي، حيث قال أحد أعضائها إن “اليونيسكو تسجل عادة مواقع منفردة وضخمة، لكنها هنا أمام منطقة هائلة بغناها وعدد مناطقها”. وعبر كل من وزراء الثقافة والسياحة والأوقاف السوريين عن غبطتهم باقتراب خطوة تسجيل هذه المنطقة في سجل التراث العالمي، وقال الدكتور سعد الله آغا القلعة وزير السياحة السوري إن “هذه المنطقة ستصبح أكبر محمية أثرية في التاريخ”.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©