الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حسن النابودة: الوثيقة تقبل التأويل وتحمل نصف الحقيقة

حسن النابودة: الوثيقة تقبل التأويل وتحمل نصف الحقيقة
8 يناير 2009 00:09
مع حميد بن محمد بن رزيق الذي عاش في القرن الثامن عشر، وعاصر ازدهار دولة البوسعيد، قضى الباحث الدكتور حسن النابودة، رئيس قسم التاريخ في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الإمارات العربية المتحدة، عشر سنوات عكف خلالها على تحقيق كتاب ''الصحيفة القحطانية''، والذي صدر مؤخراً في ثلاثة أجزاء، ويعد هذا الكتاب من أمهات الكتب المعتبرة وواحد من أهم مصادر تاريخ عمان والخليج العربي، وبتحقيقه لهذا الكتاب وكتابه السابق ''كشف الغمة'' للأزكوي يكون النابودة قد أهدى للمكتبة العربية كتابين نادرين ومهمين لكل باحث في تاريخ المنطقة· في هذا الحوار يبين النابودة أهمية هذا الكتاب وأسباب اهتمامه بتحقيقه ونشره، والصعوبات التي تواجه تحقيق الكتب التراثية بشكل عام، كما يتطرق إلى عدد من القضايا الثقافية والتاريخية· ؟ ''الصحيفة القحطانية''، لماذا هذا المخطوط بالذات؟ وما الفوائد التي يقدمها للباحثين؟ ؟؟ الصحيفة القحطانية من أهم مصادر تاريخ عمان ومنطقة الخليج العربي، ومؤلفها ابن رزيق الذي عاش في القرن التاسع عشر كان مقربا من السلطة، وعلى دراية بشؤون السياسة والحكم، إضافة إلى كونه أديباً وشاعراً· وقد عاصر أحداثاً مهمة في تلك الفترة دوَّنها في كتبه المشهورة وأهمها الصحيفة القحطانية· كما أنه اطلع على مصادر ومراجع لم تصل إلينا وربما تكون قد فقدت، ولم يعتمد على المصادر الإباضية فقط بل كان أكثر انفتاحاً من غيره من المؤرخين· لهذه الأسباب فإن مؤلفات ابن رزيق وخاصة الصحيفة القحطانية مهمة جداً بالنسبة للمختصين والباحثين في تاريخ عمان والخليج العربي· أما علاقتي بالصحيفة فتعود إلى أكثر من عقدين من الزمن، وذلك منذ أن كنت طالباً أعد للدكتوراه في بريطانيا، حيث كنت أرجع إليها دائماً في أبحاثي ودراساتي المتعلقة بتاريخ عمان والمنطقة، لذلك حرصت على تحقيق هذا المصدر المهم، ونشره مهما كلفني ذلك، من وقت ومال· التحقيق وشجونه ؟ في السياق نفسه، ومن واقع خبرتك في تحقيق بعض الكتب، ما هي الصعوبات التي تواجه تحقيق المخطوطات والكتب التراثية؟ ؟؟ أنا باحث ولست محققاً، لكنني قمت بتحقيق بعض الكتب غير المحققة نتيجة استعمالي المتكرر لها خلال العقدين الماضيين، بغية تعميم الفائدة العلمية ولجعلها في متناول أيدي الباحثين والمختصين· وقد واجهت صعوبات كبيرة في تحقيق كتاب ''كشف الغمة'' للأزكوي، فالباحث في عالمنا العربي لا يجد، غالباً، التسهيلات المطلوبة للبحث، مما يدفعه للاعتماد على نفسه في كل ما يعمل، إضافة إلى طباعة نص المخطوط ومراجعته ومطابقته مع النسخ المختلفة، والاختلاف بين النسخ ومحاولة التقريب بينها، وكثرة المراجعات والتدقيق، فضلاً عن عدم توفر النسخ لدى جهة واحدة، وتوزعها في مكتبات مختلفة في أنحاء مختلفة من العالم؛ ورغم المتاعب التي واجهتها كانت تجربتي في تحقيق كتاب ''كشف الغمة'' تجربة غنية، أفدت منها كثيرا في تحقيق كتاب ''الصحيفة القحطانية''· إن التحقيق العلمي للمصادر يتطلب كثيراً من الجهد والبحث والدراسة، وهو عمل لا يقل أهمية عن إجراء الدراسات والأبحاث العلمية· والأمر أولًا وأخيرا يتوقف على أهمية المخطوط وقيمته العلمية بالنسبة للباحثين والمختصين، ثم بعد ذلك يأتي منهج التحقيق المبني على المقارنة بين النصوص وتحليل الروايات ونقدها وتوثيقها توثيقا علمياً سليماً· ؟ مع ذلك، يتناسى البعض هذا الجهد الهائل والمضني الذي يبذله الباحثون في تحقيق الكتب، ويرون أن عملية التحقيق ليس فيها الكثير من الإبداع، ما رأيك؟ ؟؟ إذا كان التحقيق مقتصراً على نشر النص الأصلي للمخطوط والاكتفاء ببعض الاحالات أو التوثيق البسيط، فهو بالفعل ليس ابداعاً· أما إذا أفاد المحقق من منهج جمهرة المستشرقين الذين قدموا خدمة كبيرة للتراث العربي فإن الأمر يكون غير ذلك، حينها سوف يرجع المحقق إلى مصادر ومراجع كثيرة ويطلع على مناهج ومدارس مختلفة، ويتعرف على مؤرخين ونقاد وكتاب كبار، ويطلع على مؤلفاتهم، ولا شك أن هذا المنهج سوف يقود إلى تراكم خبرات كثيرة لدى الباحث تجعل منه المرجع والمصدر الذي يعتمد عليه كل من جاء بعده· نقد التراث ؟ يشير كثير من الباحثين والنقاد إلى أن كتب التراث فيها الكثير مما ينبغي إهماله أو إسقاطه لأنه لا يتسق مع العقل والمنطق أو لا يلائم المكتشفات العلمية والتطورات الحادثة في عصرنا، وبالتالي لا ينبغي التعاطي مع هذه الكتب بوصفها مقدسة، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ ؟؟ بداية، لا يمكن تقديس عمل قام به بشر، أياً كان هذا الشخص، فهو في النهاية يصيب ويخطئ، وهذا الموضوع متشعب ودوربه ملتوية وشائكة وفيها كثير من المحاذير· وشرائح مجتمعاتنا العربية في أغلبها تتأثر بالقيم الدينية والعواطف، وكل ما يتعلق بها يجب التطرق إليه بحذر وحرص شديدين، لأن الوقت لم يحن بعد لنفتح الباب لدراسة ونقد وتحليل جميع كتب التراث وخاصة الديني· أما كتب التراث غير الديني فإن فيها الغث والسمين، فكتب القصص والأساطير مثلاً لم يعد لها أية قيمة علمية أو أدبية في وقتنا الحاضر، فقد وضعت للتسلية ثم صار كثير منها بمرور الزمن جزءاً من الثقافة العربية الإسلامية، وكثير من الناس في يومنا هذا يعتقدون أنها حوادث حقيقية وقعت في الأزمنة الغابرة· أما كتب الأدب والفلسفة فإنها غنية بالفكر والثقافة والعلم، ولو أنها حققت تحقيقاً علمياً أصيلاً، وتم تقديمها للقارئ العربي بطريقة عصرية مشوقة بعيداً عن المبالغات والمزايدات، فإنها بلا شك ستسهم في تعزيز الثقافة العربية والهوية العربية، وستساعد القارئ أو الطالب على تطوير قدراته في اللغة والبحث والكتابة· إن تراثنا الأدبي غني جداً بالأخبار التاريخية المسلية ورسائل الأدب وأشعار العرب وأخبار الفلاسفة وأفكارهم ومناظراتهم وخطبهم التي تنطوي على كثير من الأخلاق الرفيعة، والقيم الفاضلة التي لو وضعت في قالب أدبي مشوق، عميق في معناه ورصين أو متين في نصوصه ومفرداته ومعبر في أهدافه وغاياته، لسهل وصولها إلى قلب الطالب أو القارئ وأحدث التأثير الإيجابي في سلوكه وتصرفاته ومخاطبة وجدانه وإثارة عقله وتفكيره، ولاختلف الأمر كلياً عما هو عليه في كثير من جوانب الحياة الثقافية في مجتمعنا العربي· نصف الحقيقة ؟ الوثيقة واحدة من أهم مصادر البحث، هل يمكن للمؤرخ والباحث أن يقوِّلها ما لا تقول؟ بمعنى هل تقبل الوثيقة التأويل؟ ؟؟ نعم يمكن أن تقبل التأويل إذا لم يحسن استخدامها· بمعنى أن الوثيقة غالباً ما تحمل نصف الحقيقة، فهي تعبر عن رأي كاتبها والغرض من كتابتها· ويفرض المنهج العلمي التاريخي على الباحث اتباع التحليل النقدي في استخدام المصادر أو الوثائق· بمعنى الأخذ بعين الاعتبار جميع الأسباب والظروف التي ساهمت في كتابة أي وثيقة كانت، ودراستها دراسة متفحصة ومقارنة ما فيها من معلومات مع ما هو متوفر في المصادر أو المراجع أو الوثائق الأخرى ومعرفة ما كتب عن الموضوع في الوثائق السابقة واللاحقة· نتائج العولمة ؟ في ظل العولمة والفضاء المفتوح وصراع الهويات الثقافية، ثمة هويات تبحث عن ذاتيتها الحضارية والثقافية، هل تعتقد أن الهوية الإمارتية مهددة بسبب التركيبة السكانية وتراجع اللغة العربية في حياتنا؟ ؟؟ أعتقد أن الهوية العربية للإمارات ليست مهددة، لأن الامارات جزء من جزيرة العرب وجميع الدول المحيطة بالإمارات هي دول عربية، ولغة الكتابة والقراءة المستخدمة هي اللغة العربية الفصحى، وشعب الإمارات على وعي تام بأهمية هذه المسألة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التخلي عن أي ركن من أركان أو ركائز هذه الهوية وفي مقدمتها اللغة العربية· إلا أن ذلك لا يعني أننا لا نواجه مشاكل ثقافية، فما يحدث على الساحة هو نتيجة العولمة التي لم تترك بلداً إلا وحطت برحالها في أرضه وبين أهله، وهو أمر لابد منه· لكن علينا تحصين أنفسنا من خلال التأكيد على هويتنا ولغتنا وتراثنا في جميع مناحي حياتنا اليومية· فالأمور قد تتطور إلى الأسوأ بعد فترة من الزمن، إذا حدث إهمال أو تقصير في هذا الجانب· ؟ من الذي سيقوم بهذا التحصين؟ ؟؟ كلنا، بدءا بالأسرة التي هي الحصن الرئيس والأول لحماية الثقافة واللغة وانتهاءً بمؤسسات التعليم العالي التي يجب أن تكون الرائدة في هذا المجال· وهذا لا يعني التخلي عن اللغة الانجليزية أو تحجيم انتشارها في مؤسساتنا التعليمية، بل على العكس نحن بحاجة ماسة إلى اللغة الإنجليزية فهي الوسيلة الرئيسية لانفتاحنا على العالم وعلومه المختلفة، وهذا لا يتعارض مع لغتنا العربية التي كانت لغة الحضارة والعلم في زمن العصور الإسلامية، واستطاعت أن تستوعب كثيراً من المفاهيم والمصطلحات الخاصة بثقافات الشعوب الأخرى وعلومها· وتتحمل مجامع اللغة العربية مسؤولية كبيرة، فعليها العمل بحيوية ونشاط تجاه تطوير معاجم اللغة العربية، وأن تحذو حذو جامعة أكسفورد في مجال تحديث معاجم اللغة الإنجليزية وتطويرها وإخراجها إخراجاً لافتاً ومؤثراً، ويجب توفير كل ما يتطلبه الباحث والمختص والطالب من هذه المعاجم· كما أننا بحاجة أيضا إلى تحديث مناهجنا الدراسية التي تعاني من قيود الماضي، وضرورة الإفادة من تجارب الآخرين الذين سبقونا في مثل هذه المجالات، وتنوير عقول الشباب وغرس الثقة في نفوسهم والابتعاد عن الوسائل والأفكار التي تؤدي إلى الخوف والتردد وعدم الثقة في النفس، وهو ما يجب أن يقوم به الآباء والأساتذة والباحثون والمفكرون· ؟ حضور الكتاب العلمي ما زال ضعيفاً في حياتناً، قراءة وتأليفاً وترجمة وتحقيقاً، كيف السبيل إلى تفادي هذا القصور؟ وما هي مسؤولية كل من الباحث والمؤسسات الثقافية ومراكز المعلومات؟ ؟؟ من الواضح أن اهتمام الغالبية العظمى من الناس في العالم العربي متجه نحو الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية ومواقع التسلية أو ما يسمى بالمنتديات على شبكة الانترنت، وقلة قليلة تتوجه نحو القراءة الجادة التي تهدف إلى الإبداع والتطوير الفكري والعلمي، ولذلك أرى أنه يتوجب على القائمين على وسائل النشر ووسائل الإعلام في عالمنا العربي الاهتمام بالمواضيع الجادة وتشجيع الكتاب والمؤلفين للمساهمة بأقلامهم وتحفيزهم وتكريمهم مادياً ومعنوياً، والابتعاد عن المحسوبية والمجاملات، وأن يكون هدفنا الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي ونشر ثقافة الإبداع وحرية التعبير والنقد العلمي الموضوعي، والاهتمام بالكتاب العلمي وترجمة الكتب المتميزة التي حصلت على جوائز راقية أو نشر ملخصات عنها في وسائل الإعلام أو المجلات، وتعريف القارئ العربي بكل ما هو جديد على الساحة الثقافية العالمية، وهذا الدور يجب أن تقوم به المؤسسات الحكومية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة· ؟ الآثار في الإمارات بحث شائك لكنه يقدم إضاءة كبرى للمؤرخ، هل تلقي لنا الضوء على الدور الذي تقوم به البحوث الأركيولوجية على هذا الصعيد؟ ؟؟ علم الآثار هو علم غربي، ونحن مدينون لعلماء الآثار الأوروبيين وغيرهم لما وصل إليه هذا العلم في عالمنا العربي· أما في الإمارات فلا يزال هذا العلم بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتوعية، فالمكتشفات الآثارية هي حقائق تاريخية غير قابلة للتأويل أو التفسير، وتسهم إسهاما كبيراً في مساعدة الباحثين والمؤرخين على فهم الأحداث التاريخية التي وقعت في العصور المختلفة، إلى جانب سد النقص أو العجز الذي يواجه المؤرخ عند كتابته حول بعض الفترات التاريخية التي لا يجد لها المعلومات الكافية· وقد غيرت المكتشفات الآثارية مفاهيم وأفكاراً كثيرة في الغرب الأوروبي، وأصبح علم الآثار هو العلم الذي يوثق به وليس كتب التاريخ وخاصة القديم منها، وذلك لأن الثقافة الأوروبية قائمة على النقد والإبداع وحرية التعبير
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©