الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

عبدالله خليفة.. رحلة متواصلة مع الوطن والفكر والأدب

عبدالله خليفة.. رحلة متواصلة مع الوطن والفكر والأدب
22 أكتوبر 2014 01:28
ساسي جبيل (أبوظبي) غيّب الموت الروائي والمفكر البحريني الكبير عبدالله خليفة، عن عمر يناهز 66 عاماً، بعد صراع مع المرض جعله يلزم بيته منعزلا عن العالم في الفترة الأخيرة. ويعتبر خليفة من الروائيين العرب الذين قدموا العديد من الإضافات للفكر والثقافة العربية، ومن الذين تميزوا بجرأة طرحهم واستقصائهم للمحاور والملفات الكبرى التي شغلت وتشغل الدارسين العرب، محاولا الإجابة عن الكثير من الأسئلة التي أرهقت الأذهان بطريقته الخاصة التي تجلى كثير منها في سرده البديع وفكره الثاقب الذي مثل به شخصية استثنائية ذات توجه مختلف عن كثير من مجايليه. وعانى عبدالله خليفة الكثير من وراء بحوثه وكتاباته الجريئة، من ذلك تكفيره من طرف بعض الجهات الأصولية. وقد رد خليفة على الاتهامات التي وجهت إليه، بالقول: «قمت خلال الفترة الأخيرة، وربما حتى سنوات بنشر تنوير ثقافي يتطرق إلى جذور المنطقة الاجتماعية والثقافية، وكان هذا يتضمن درس الظاهرات المختلفة، ولا شك أن ذلك يصدم بعض القراء الذين لم يقرأوا أشياء كثيرة في تراث المنطقة الأسطوري والتاريخي، وهي معارف موجودة في مئات الكتب المنشورة والموجودة في المكتبات، وبدا لهم أن يخرج ذلك في الصحف اليومية أمراً غريباً في حين أن كتب درس الأديان وتراث المنطقة تعج بها الأرفف». ومنعت روايته «عمر بن الخطاب شهيدا» من السوق فقال حينها: إن الرواية هي عمل أدبي حول دور الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الفتوحات وإقامة عدالة إسلامية والدفاع عن الناس وخاصة الفقراء وأن الشخصية الرئيسة، أي البطل في الرواية هي عمر بن الخطاب كما هو معروف في التاريخ، وتشخيص الصحابة شيء قديم جرى في كتب السيرة والروايات المعاصرة كما فعل الكاتب أحمد علي باكثير قبل أجيال عندما كتب عن سيرة عمر عدة أجزاء بشكل قصصي». وعرف خليفة بأنه من المناصرين للانفتاح والنقد والعقلانية والحوار وتفهم الآخرين ووجهات نظرهم من أجل جدل مجد يحقق الإضافة المطلوبة ومن خلال مناقشة القضايا التي تناولتها الدراسات الأكاديمية والبحوث العلمية، فالأمر ليس سوى حوار وبحث مشترك ومساهمة في التنوير مع احترام العقائد من دون غلق لحريات البحث. وقد تعرض عبدالله خليفة للسجن والنفي، وفقد شعلة من الحماس والاستعداد والتضحية من أجل الخلاص من قبضة الاستعمار ومن أجل الحرية والديمقراطية. خرج خليفة من القضيبية هذه المنطقة التي تخرج الكثير من العناصر المتفوقة على جميع المستويات، وسرعان ما أصبح رمزا حيويا من رموز النضال، أعطى لبلده على مدار أربعين عاما الكثير من جهده وفكره. ولد عبدالله علي خليفة البوفلاسة في العام 1948، وكان مسقط رأسه القضيبية «بيوت العمال» لأسرة بسيطة، إذ كان والده يعمل في شركة بابكو. تميز خليفة بنشاطه الفكري والأدبي وكان يكتب في الصحافة بأسماء مستعارة، وفاز بجائزة أسرة الأدباء والكتاب للقصة القصيرة، ما دعاه إلى تكريس نفسه باسمه الحقيقي، إضافة إلى ذلك كان يكتب مقالات ودراسات سياسية واجتماعية عن تاريخ البحرين وتطور القصة القصيرة. تأثر خليفة في طفولته بشخصية والدته وأخته الكبرى مريم التي فقدها مبكرا وربما كانت ترى فيه شخصية مهمة في المستقبل، وكان لها دور كبير وبارز في تكوين وتشكيل شخصيته، ومثّل رحيلها وهي في أولى مراحل شبابها، إحدى الفواجع التي عاشها الكاتب في رحلته الحياتية. ويعتبر عبدالله من أهم الروائيين العرب الذين عبروا في كتاباتهم عن «أدب البحر» من خلال الرواية، فغالبية رواياته توحي بالدلالات الكامنة في التناص مع البحر، بالإضافة إلى تصويرها للصراع الاجتماعي في البحرين، ومنها إشكاليات العلاقات الاجتماعية والإنسانية في المدن والقرى الساحلية. ويتميز خليفة بكتابة رواية قصيرة نسبياً، تصور البحرين كقارة كبيرة للإبداع والفولكلور، وهذا ما تجلى في روايته «الينابيع»، كما يعتمد الكاتب كثيرا على «المونولوج» في أعماله أي الصوت الداخلي لأشخاص القصة أو الرواية، ولم يشتغل خليفة بكتابة الرواية التاريخية فقط، إنما يحاول إعادة قراءة التاريخ من وجهة نظر مغايرة لما سبق من أطروحات سواء تلك التي طرحها الدكتور حسين مروة في النزعات المادية أو الطيب تزيني، محاولاً أن يطرح رؤيته الخاصة به حول هذه القضية. ورافقت هذه الأفكار تحليلات معمقة في جذور المنطقة، وأديانها، وتداخلاتها مع الإسلام، لكن داخل البني الاجتماعية الجديدة التي أسسها العرب المسلمون، والتي أخذت تعيش ظروفاً وتأثيرات جديدة على جميع الواجهات. وقد تجسد كل ذلك من خلال مدونته الروائية والفكرية مبثوثا فيها بشكل واع عبر قراءات ملموسة للأوضاع الاجتماعية والصراعات السياسية، والتراكمات الفكرية، ومن خلال كشف حراك الطبقات والسكان وتحولات الأديان، ونشوء المدن المتأسية على التكوين القبلي، وكيفية إعادة تشكيل الإرث السابق، وكيفية رؤيته من خلال القوى المتصارعة المتعددة. سجل أدبي كتب عبدالله خليفة القصة القصيرة والرواية منذ أواخر الستينيات، له مساهمات متنوعة في النقد الأدبي. ومما صدر له: لحن الشتاء/ قصص 1975، ـ الرمل والياسمين/ قصص 1983، يوم قائظ/ قصص 1986، اللآلئ/ رواية 1981، القرصان والمدينة/ رواية 1983،ـ الهيرات/ رواية 1984، أغنية الماء والنار/ رواية 1988، امرأة/ رواية ـ اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1990، الضباب/ رواية - دار الحوار 1992، سهرة/ قصص - المركز الثقافي العربي 1994، نشيد البحر/ رواية - المركز الثقافي العربي 1994، الينابيع -ج1 / رواية - اتحاد كتاب الإمارات - 1996، دهشة الساحر/ قصص - دار الحوار سوريا - 1997، نجيب محفوظ من الرواية التاريخية إلى الرواية الفلسفية ـ الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية 2005. وغيرها. «اغتصاب كوكب».. آخر ما كتب الراحل كانت «اغتصاب كوكب» هي آخر ما صدر للروائي الراحل، توزعت على ثمانية فصول، وتتشابك فيها أحداث علاقة معقدة بين رجل يُدعى «سيد عمران» وصديقة أخيه «إسماعيل» الأرملة «كوكب» التي تقرأُ، كتباً غريبةً.وتبدأ أحداث الرواية حين تطلب أم سيد عمران منه أن يوصل كوكب بسيارته إلى بيتها في وقت متأخر من الليل، ولأنه مولع بها فقد توهم بأنها تحسد زوجته على رجولته يحاول اغتصابها، لكن عسكرياً ماراً في الطريق يكتشف الأمر، ويتصل بالشرطة، ويمنع الرجل من الهروب. وقد صدرت الرواية خلال يوليو عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان، وجاءت في (118) صفحة من القطع المتوسط. بين النوم والحلم كانت ضجة عنيفة على الباب. لملم العجوز أطرافه المبعثرة بين النوم والحلم، وتعكز على ظلال الظهيرة، وفتح، وفوجئ بانهمار مطير بنيّ. من المفتشين ورجال الشرطة. وضعت زجاجات الكافور والزعتر والورد، وارتجافات المواليد، وشظايا أماني العمر المديد وحبوب البصر، في الأكياس. لم يكن هناك في الحي من يرمق المشهد. الأغراب الذين سكنوا وصاروا رجال المليشيا، والجبليون المغمغمون بلغة رهيبة، لم يكونوا يدرون به. كانت الشمس وحدها ساطعة مثل مليون قنبلة. تعثر طويلا ليركب «الجيب». كانت أبعد مشاويره «الخباز» ودكان الأصحاب، وسطح بيته المهاجم بدوي المكيفات. في المكتب واجه وجها باردا مغسولا بغبار الكولونيا. تراءت وراءه الكتب والمناظر الأجنبية. ثمة نباتات غربية تغمغم. تأمل الطيب المسؤول المشعوذ، وهتف في نفسه: «الآن وقع في قبضتي! يا لثارات تلك الأيام المرتجفة من خطواته المخيفة، ونظراته الميدوزية القاتلة!». فكر كم مضت من سنوات وهو لم يزر الحي، منذ أن حمل والديه المنهكين من السنين فوق كتفيه وحط بهما في برية قاحلة، بمنزل واسع مريح لا يدنو منه القذرون. * من كتاب (دهشة الساحر)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©