الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إثيوبيا وسياسة الأرض المحروقة

إثيوبيا وسياسة الأرض المحروقة
27 فبراير 2008 01:49
اخترقت الرصاصة جسم ''إبراهيم حمد'' واستقرت في خصره، كان ذلك مصير المدرس البالغ من العمر 26 عاماً الذي صادف وكان في المنزل بصحبة والده المسن عندما اجتاحت القوات الحكومية بلدته في منطقة ''أوجادين'' الإثيوبية، وقامت بحرق المنازل وقتل المدنيين، وفي تصريح لاحق أدلى به ''إبراهيم'' قال ''إن النساء كن أول من قتلن على أيدي الجنود الذين جمعوا الجثث وأضرموا فيها النار''· وخيرت القوات الحكومية الرجال بين الانضمام إلى صفوفها كمجندين، أو التعرض للتعذيب والقتل، ويحكي ''إبراهيم حمد'' وقائع ما جرى في بلدته قائلا: ''عندما قدموا إلى المنزل أخبرتهم أني مجرد مدرس وبأني لا أستطيع ترك عائلتي''، ويضيف ''إبراهيم'' -بصوت منخفض وهو يسرد المحنة التي ابتلي بها-: ''لقد شنقوا والدي وعلقوا جثته فوق شجرة، ثم أطلقوا الرصاص عليه وتركوني ظناً منهم أني مت''· يصارع ''حمد'' اليوم من أجل البقاء في معسكر للاجئين بالمنطقة الشمالية في كينيا، والذي يضم الآلاف من الأشخاص الفارين من بطش الجيش الإثيوبي، ويبدو - رغم أن العالم لم يلتفت بعد إلى ما يجري- أن إثيوبيا تشن حرباً على مواطنيها في صحراء ''أوجادين'' بعدما تفجرت التوترات القديمة في المنطقة، إثر هجوم نفذه متمردون انفصاليون في شهر أبريل الماضي -على أحد حقول النفط الذي يديره الصينيون-، وقد ردت الحكومة الإثيوبية بطرد المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة وانتهاج سياسية الأرض المحروقة، وقد أدى الاستهداف المتكرر للعرقية الصومالية في ''أوجادين'' إلى إثارة انتقادات حادة وجهت للحكومة الإثيوبية تتهمها بممارسة التطهير العرقي، فقد حذرت منظمــــة ''هيومــــان رايتــس ووتش'' -تتخذ من نيويورك مقراً لها- من أن الأحداث الجارية حالياً في منطقة ''أوجادين'' ''تشبه إلى حد كبير في نمطها'' ما يجـري في إقليــم دارفــور السوداني، مشيرة إلى الطابع العرقي للسياسة الحكومية، ومتهمة السلطات الإثيوبية ''بتهجير عدد كبير من السكان'' و''الاستهداف المقصود للمدنيين''· لوحظ في الآونة الأخيرة تورط الجنود الإثيوبيين في عمليات نهب واسعة، فضلا عن إحراق المنازل وارتكاب الفظائع التي تطال المدنيين في منطقة ''أوجادين'' التي تقطنها العرقية الصومالية، ويسعى الجيش الإثيوبي إلى فرض التجنيد الإجباري على أهالي المنطقة، وعندما يمتنع بعضهم فإنهم يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والقتل، ولمنع تسرب الأخبار إلى العالم الخارجي أغلقت الحكومة الإثيوبية ''أوجادين'' ومنعت وسائل الإعلام من الوصول إلى المنطقة، وهكذا تعرض ثلاثة صحفيين من ''نيويورك تايمز'' في شهر مايو الماضي إلى الاعتقال لمدة خمسة أيام أثناء بحثهم في تفاصيل الأزمة وصودرت منهم معدات العمل، وبرغم أن السلطات الإثيوبية سارعت إلى نفي التقارير المتزايدة عن وجود أعمال عنف في ''أوجادين''، إلا أن اللاجئين من سكان المنطقة الذين فروا إلى شمال كينيا يتحدثــــون عــــن عمليــات الاغتصــاب والتعذيب، فضلا عن القتل الجماعي الذي تعرض له المدنيون في القرى على يد الجيش الإثيوبي· ومع ذلك، فإن الحكومة الأميركية، وليس الإثيوبية، هي من تثير غضب ''حمد'' وباقي أهالي ''أوجاندو'' الذين اضطروا للفرار من منازلهم والبحث عن مكان آمن في كينيا، فالمرجح أن الرصاصة التي اخترقت جسم ''حمد'' والسلاح الذي أطلقها جاءا من الولايات المتحدة، كما أن الجندي الذي استخدم السلاح يتلقى إلى جانب الجيش معونات عسكرية أميركية، فقد دأبت الولايات المتحدة في السنوات الماضية على تزويد القوات الإثيوبية بالسلاح والتمويل والتدريب، كما تعمقت العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه إثيوبيا في حماية المصالح الأميركية في منطقة تعتبر جبهة أساسية في الحرب على الإرهاب، وفي هذا السياق ارتفع حجم المساعدات الأميركية إلى إثيوبيا منذ هجمات 11 سبتمبر، ليتضاعف بأكثر من مرتين ونصف في العام ،2006 فضلا عن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين· وفي ظل تصاعد الأدلة التي تؤكد ارتكاب إثيوبيا للفظائع في صحراء ''أوجاندو''، أثار بعض المسؤولين الأميركيين موضوع المساعدات العسكرية التي تقدمها أميركا لإثيوبيا، وقد عبر عن هذا القلق المتنامي في واشنطن عضو الكونجرس ''دونالد باين'' -رئيس لجنة أفريقيا والصحة العالمية- متهما إدارة الرئيس بوش ''بالتغاضي'' عن الانتهاكات الإثيوبية، والنتيجة إقرار مجلس الشيوخ في الخريف الماضي قانون ''محاسبة إثيوبيا'' بالحد من المساعدات التي تتدفق على إثيوبيا؛ لكن المفارقة أن هذه المساعدات المقدمة إلى ''أديس أبابا'' والمفترض بها تدعيم جبهة محاربة الإرهاب في شرق أفريقيا قد تنمي المشاعر المناهضة لأميركا في المنطقة، وهو ما يعبر عنه أحد أهالي ''أوجاندو'' الذي قال ''إننا نكره الولايات المتحدة أكثر من الإثيوبيين، لأن جميع أسلحتهم التي يقتلوننا بها تأتي من أميركا''، والواقع أن ''واشنطن'' لا تستطيع الاستمرار في التغاضي عن الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها إثيوبيا وفي الوقت نفسه السعي إلى مكافحة موجة الإرهاب في القرن الأفريقي، وفي هذا الإطار يتعين على المشرعين الأميركيين مواصلة ضغطهم على إدارة بوش لوقف أعمال العنف في ''أوجاندو'' ورهن المساعدات الأميركية بوقف قتل المدنيين· رونان فارو-كينيا باحث في جامعة يل الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©