الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فضل يوسف على الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على الكواكب

فضل يوسف على الناس في الحسن كالقمر ليلة البدر على الكواكب
6 أكتوبر 2011 20:50
من المؤكد أنه إذا ذكر اسم الصديق يوسف عليه السلام فإنه ترتسم لدى الإنسان صورة ذهنية لأيات الحسن وبواهر الجمال، ولا عجب، ألم يقل الله سبحانه وتعالى: (فلما سمعت بمكرهن أرسلت....)، وقد ذكر المفسرون أن فضل يوسف عليه السلام على الناس في الفضل والحسن، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، واستشهدوا على ذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مررت بيوسف عليه السلام ليلة عرج بي إلى السماء، فقلت لجبريل عليه السلام من هذا؟ فقال هذا يوسف. فقيل يا رسول الله كيف رأيته؟ قال كالقمر ليلة البدر»، وفي هذا السياق أورد الإمام الرازي أن يوسف عليه السلام كان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران، كما يرى نور الشمس عليها من السماء. والواقع أن جانب الحسن والجمال لدى يوسف عليه السلام يتعدى ملامحه الحسية والظاهرية ليسري في ذاته، مكوناً قبسات من نور النبوة تمتد إلى يعقوب ومن وراء يعقوب إسحاق إلى أبي الأنبياء. ولا غرابة فنبي الله يوسف هو ابن نبي الله يعقوب، ابن نبي الله إسحاق، ابن أبي الأنبياء إبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام. ويؤيد ذلك ما ورد على لسان النسوة اللاتي نظرن إليه إكباراً وإجلالاً فقلن حقاً ويقيناً «حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ»، إذ المعروف أن الملائكة أجسام نورانية مطهرة عن بواعث الشهوة وجوازب الغضب طعامهم توحيد الله، وشرابهم الثناء على الله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. ومن ثم فإن النسوة لما رأين حلل الجمال الحسي وقد خلعت على يوسف عليه السلام لم يقفن عند أعتابه وحده، بل سبرن غور الشخصية اليوسفية فأيقن أنه يتخفى وراء جمال الظاهر جمال باطني تتألق فيه معاني الطهر، وخلق النبوة، وهيبة الرسالة. مما جعله لا يلتفت إليهن فلم يرين فيه مما غرس وركب في طبائع البشر من أثر للشهوة، ومن ثم رأينه وقد خرج بهيئته ومكنون حقيقته عن نطاق البشرية إلى مصاف الملائكية التي صنعت على عين من الله سبحانه وتعالى. ويعزز ذلك أن الحق سبحانه وتعالى قد ذكر في شأن يوسف عليه السلام عدداً من الصفات الخلقية التي تمثل في شخصيته مفاتيح الحسن، ومجامع الجمال من ذلك: التقارب الفكري التقارب الفكري والوجداني بين يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام. فالراصد لحركة التحولات الاجتماعية في البيئات المعاصرة يدرك كم المعاناة التي تكابدها الأسر من اتساع الفجوة بين أجيال الآباء والأبناء، وكأن كلاً من الجيلين يعيشان في جزر منعزلة هيهات أن يكون بينها لقاء. بيد أن الصديق يوسف جمعه مع أبيه تجاذب النفوس، ولقاء الأفكار فلم يجد أقرب منه حتى يسر إليه بأحلامه ورؤاه. الإحسان الإحسان: والإحسان في الشخصية اليوسفية صفة محورية، نسجت حولها كثير من الصفات الخلقية لديه عليه السلام، إذ ورد تكرارها في حق الصديق يوسف في غير موضع من سورته فيقول الحق سبحانه: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَـجْزِي الْـمُحْسِنِينَ)، ويقول سبحانه: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ)، وفي موضع آخر نجد الحق سبحانه قد قرن هذه الصفة بالصبر والتقوى لديه، فيقول: «إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ»، ويقر إخوته له بهذه الصفة فيقولون وهم له منكرون (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) وما تخلق يوسف بهذه الصفة إلا لأن الإحسان في اللغة والاصطلاح يحمل في مكنونه وجوهره أسمى ترفع الذات عن الهانات والصغائر، ألم يأتك نبأ عن تعريف النبي صلى الله عليه وسلم له بأنه «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وهذا معنى قد تحقق في يوسف عليه السلام ألم يقل يوسف لمرأة العزيز، وقد راودته عن نفسه بنبرات المحسن المراقب لخالقه ومولاه «مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ»، فحاز بذلك قصب السبق في السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله بأمرين: أولهما أنه شاب نشأ في عبادة الله. وثانيهما ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال لها إني أخاف الله. وقد يأتي الإحسان بمعنى الفضل والزيادة. وهو كذلك معنى تخلق به يوسف تحققا وتمكينا. يشهد لذلك صنيعه مع إخوته الذين كادوا له حتى ألقوه في الجب وغياباته، إذ وفدوا إليه وقد مسهم الضر فأحسن وفادتهم ولم يؤاخذهم بسوء عملهم حتى شهدوا له. الصبر الصبر، قد تكتب الأقدار على بعض الناس صنوفاً من البلاء، ولربما انتهت بمصارعهم، ولا مفر أمام الإنسان إلا أن يستقبل صنوف البلاء بالصبر والتسليم. وما دامت الحياة امتحاناً فلنكرس الجهد للنجاح فيه. ولقد جعل الحق سبحانه من الصبر مفتاحاً من مفاتيح الشخصية عند الصديق يوسف عليه السلام، فقال سبحانه: (إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْـمُحْسِنِينَ»، وإذا كان العلماء قد قسموا الصبر إلى أنواع ثلاثة (صبر على البلاء، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية)، فإن جماع هذه الأقسام الثلاثة كان سواراً أحاط بيوسف في مختلف تقلبات حياته. ألم تر إلى يوسف وقد ألقي بيد أقرب الناس إليه في الجب وغياباته، وأدخل بهتاناً وزوراً في السجن وظلماته، فصبر على هذه المحن والابتلاءات حتى كتب في سجلات المحسنين. الشكر الشكر والاعتراف لله بالفضل، وهذه صفة قل المتخلقون بها، وعز أن يرد بابها إلا الواحد بعد الواحد، ألم يقل الله سبحانه في كتابه (وقليل من عبادي الشكور)، وما ذلك إلا لأن نزعة الأنا تتمكن من الإنسان عند الرخاء فتجعله يتأمل الذات وينسى خالق الذات، ويرفل في شهوة النعمة وينسى شكر المنعم. ولا عجب ألم يسبغ الله تعالى على قارون نعمه ظاهرة وباطنة بيد أنه قال بلسان البطر وحال الكبر والخيلاء (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) لكن يوسف عليه السلام أقر لله تعالى بالفضل، واعترف له سبحانه بالجميل فقال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْـمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، فضرب بذلك مثلاً للمؤمن الصالح وحاله أمام أنعم الله. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©