الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين زمنين: التدشين والتراكم

بين زمنين: التدشين والتراكم
6 أكتوبر 2011 17:09
يجسّد كتاب “الأدب الكويتي الحديث بأقلام مغربية”، الصادر عن منشورات مؤسسة منتدى أصيلة في إطار احتفاء المنتدى بدولة الكويت كضيف شرف الدورة ال 33 من موسم أصيلة الثقافي، من خلال الاحتفاء بواحد من أهم المكونات المؤثرة في الإنسان والعاكسة للوجدان، وهو المكون الإبداعي الأدبي تحديدا. في افتتاحية هذا الكتاب، يقول أمين عام منتدى أصيلة محمد بنعيسى إن صيغ الاحتفاء بدولة الكويت، يأتي كشعور بضرورة توسيع أفق الاهتمام بالحركة الأدبية الكويتية، وتوفير فضاء آخر لمشاركة عدد من الكتاب والنقاد، للاحتفاء بهذه الحركة الأدبية، في تراكمها النصي المتواصل، وفي تجلياتها الأجناسية المختلفة، من رواية وقصة قصيرة وشعر ومسرحية ورحلة، بما هو احتفاء منهم، أيضا، بالعمق الحضاري والتاريخي والثقافي والإبداعي لهذا البلد الشقيق، وعرفانا بما لدولة الكويت من إسهام لافت، وعطاء وافر في مجال الإبداع والفنون بصفة عامة. والكتاب، بالرغم من تعدد مواده، من دراسات وقراءات ومقالات، لا يقدم سوى صورة تقريبية عن الحركة الأدبية الحديثة في الكويت، أمام ما يعرفه المشهد الأدبي الكويتي من وفرة في النصوص، واتساع في أجناسها الأدبية، وأمام ما يشهده من تطور متنام، في تعدد في أسمائه المبدعة، من الكاتبات والكتاب الكويتيين، من المقروئين في هذا الكتاب، أو ممن لم يتم تناول إنتاجهم الأدبي فيه، لاعتبارات مرتبطة، بسوء توزيع الكتاب العربي عموما. تقترب الدراسات النقدية في الكتاب من المشهد الروائي الكويتي الحديث، في مختلف أجناسه من رواية وقصة قصيرة والشعر بمختلف مدارسة إلى النصوص المسرحية، وصولا إلى أدب الرحلات. يرى الدكتور بنعيسى بوحمالة في دراسته “في تقريظ الأنوثة: قراءة في المجموعة القصصية “تاء مربوطة” لفاطمة يوسف العلي” ان “انصرام زهاء نصف قرن على استقلال الكويت كان كافيا لتثبيت الدور الفاعل والنوعي للكتاب والمبدعين الكويتيين في المشهد الأدبي العربي الحديث وتخويلهم، بالتالي، الكويت موقعها المائز في سوق التداول الثقافي العربي المضاهي لموقعها الباكر، المكرّس، في صناعة الكتب والدوريات الفكرية والإبداعية الرصينة وترويجها على النطاق العربي الواسع. وحسبنا أن نلمع إلى جملة من الأسماء الأدبية الكويتية التي خطى ذيوعها الرقعة الكويتية واكتسبت صدقية اعتبارية، لا جدال فيها، من الخليج إلى المحيط، ومنها إسماعيل فهد إسماعيل، وخليفة الوقيان، وسعاد الصباح، وليلى العثمان، وفاطمة يوسف العلي، وسعيدة مفرح”... ومثلما حصل في مختلف الأجناس الأدبية سيتأتى لجماع من الأسماء الكويتية أن تبين عن مؤهلات تعبيرية لا يستهان بها في مجال السرد الروائي والقصصي وتقدم، على مر السنين وتنامي التجارب والخبرات، أعمالا نوعية ولافتة ستشكل قيمة مضافة للسرد العربي الراهن، إن على مستوى الأدوات والجماليات أو من حيث الموضوعات والتمثلات والأخيلة والرؤى. حقا لقد جاءت ولادة الرواية والقصة القصيرة الكويتيين متأخرة، نسبيا، وذلك على شاكلة ما جرى في ما كان ينعت بإطراف أو هوامش الخارطة الثقافية العربية كباقي دول الخليج والمغرب العربيين وكذا السودان واليمن، لكن هذا التأخر الزمني لم يحل بين الروائيين والقصاصين الكويتيين وبين استحثات طاقاتهم ومخيلاتهم، ضمن السيرورة الجيلية التي انتظمت الأدب الكويتي الحديث واستحكمت في إيقاع تطوره وإفراز ابرز إبدالاته وتمفصلاته، في مرمى ردم هذه الفجوة وتوكيد جدارة التعاطي الناضج، والمنتج في آن معا، مع جنسين أدبيين إشكاليين ما انفكا، عموما، قيد الاستنبات والتأصيل في الآداب العربية الوطنية الحديثة، المركزية منها والهامشية سواء بسواء. ومن ثم فإن كانت الرواية والقصة القصيرة الكويتيتان قد انبثقتا، بدءا من خمسينيات القرن الماضي، على ذلك النحو الأولي المتحرج، الذي تشي به أعمال كل من ضياء هاشم بدر، وفاضل خلف، وفرحان راشد الفرحان، وبدريّة مساعد، وصبيحة المشاري، ونوريّة السّداني، وهداية سلطان السّالم... فما هي إلا عقود حتى استوى الجهد التدشيني الذي قام به هذا الرّعيل تراكمات وإضافات أكثر تماسكا وجرأة سوف تتعهدها أسماء لاحقة من قبيل إسماعيل فهد إسماعيل، وليلى العثمان، وفاطمة يوسف العلي، وبثينة العيسى. ويضيف بوحمالة أن “انفتاح القصاصين الكويتيين المعاصرين على المنجز القصصي، العالمي والعربي، واستئناسهم بتحققاته واستكشافاته المتواترة لما سيكون له مردوده الملموس في متن القصة القصيرة الكويتية وذلك على أكثر من صعيد. كذا نستطيع، ونحن نتدبر هذا المتن بقراءة خاصة ومتأنية، أن نلتقط قرائن هذا الانفتاح والاستئناس ونعثر على استرجاعات أدائية وتعبيرية ورؤيوية تقتادنا، توا، إلى مظانّ قصصية عالمية ممهورة بأقلام كل من نيكولاي غوغول، أنطون تشيخوف، إدغار ألان بو، إرنست همنغواي، جون أوبّدايك، بول بولز، كاثرين مانسفيلد، غي دي موباسان، خورخي لويس بورخيس، خوليو كورثزار، خوان رولفو، هاروكي موراكامي، بانانا ياشيموتو...، وأخرى عربية تؤول إلى أسماء كنجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وجمال الغيطاني، وإبراهيم أصلان، وزكريا تامر، وموسى كريدي وعبدالرحمن مجيد الرّبيعي، ومحمد خضيّر، وجمعة اللاّمي، وبرهان الخطيب، ومحمد زفزاف، وأحمد بوزفور، ومحمد عز الدين التازي...، وتسخيرها، أي الاسترجاعات، لفائدة موضوعات قصصية مستلة من صميم الواقع الكويتي المخصوص، البسيط مظهرا والمركّب جوهرا باعتباره مصهرة لقيم بدويّة ضاربة في الرّسوخ وأخرى حداثية استتبعتها الفورة النفطية وسيادة نموذج حياتي مرفّه واستهلاكي، وتلوينها بمتحصل حساسيتهم الوجودية المنذورة، بقوة الأشياء، للقيم الكونية السارية، أي أن المثقف أو الأديب الكويتي الذي يعيش في ظل مجتمع الوفرة ويستمتع بكل عطاياه يعيش بأحلامه وإعجابه بعصر ما قبل النفط بينما نلاحظ أن عصر ما بعد النفط قد يحمل سلبيات الحياة الحديثة سلوكيا وأخلاقيا وثقافيا، ولا يمكن لهذا أن يسفر عن وجهه بقوة إلا من خلال قراءة القصة الكويتية وكأنها تتسلل إلى لاشعور الكاتب لا إلى لاشعور الجماعة لتؤكد الموقف من الحاضر والموقف من الماضي. والنتيجة هي ذلك الانشطار الشعوري بين زمنين/ مكانين، زمن/ مكان طزاجة المعيش وتلقائيته وكفافه أو تقتيره وزمن/ مكان الاصطناع والتعقيد والتخمة، ان شئنا، الذي يغشى مخيلات القصاصين الكويتيين ويهيئ للتعبير القصصي مشاغله العضوية من حيث الولاء للصحراء أو المدينة... اعتناق ذاكرة كويت البدو المترحلين وصيّادي اللّؤلؤ أو كويت النعماء واقتصاد الربع.. وأخرى لصيقة كوضعية البدون والمضاعفات المجتمعية والأخلاقية لقدوم العمال المهاجرين وتنطّع الشرائح الشابة وقضايا المرأة ومشكلاتها”. وعلى ذكر المرأة فالظاهر، وكما هو الشأن في سائر الآداب العربية الوطنية وكذا العالمثالثية، أنه لم يكن هناك من خيار للكاتبات الكويتيات، روائيات وقاصات، من حيث يدرين أو لا يدرين، في الانضواء الطوعي إلى صف بنات جنسهن والنهوض بتطلعاتهن الإنسانية والانتصار لاستحقاقهن المجتمعي والأخلاقي مما يندرج، أردنا ذلك أو كرهنا، في خانة ما تواضعت عليه الأدبيات النقدية والثقافية، العربية والعالمية، كأدب نسائي يحظى بهويته الكتابية المفارقة حظوته بنبرته الأسلوبية المتعيّنة، إن من زاوية السجل المعجمي أو الجملة السردية أو التموقف من الآخرين والعالم، ولأن الأمر كذلك فلا محيد لنا، من جهتنا كمتلقين، عن النظر إلى الكتابة الروائية والقصصية التي تتولاها أقلام نسائية كويتية في تواشجها وتصاديها مع الأفق الكتابي النسائي العربي الشامل الذي تنتسب إليه كاتبات عربيات معاصرات، من هذا القطر أو ذاك ومن هذا الجيل أو ذاك، انتزعن بمثابرتهن الإبداعية مكانتهن المستأهلة في الوجدان القرائي العربي ليس فقط كفاعلات نشيطات في الحقل الروائي والقصصي وإنما أيضا بوصفهن منافحات مستميتات عن جدارة الكينونة الأنثوية وحريتها وتفتحها وارتقائها، ومنهن، على سبيل التمثيل لا الحصر، نوال السعداوي، وسلوى بكر، ورضوى عاشور، وسمية رمضان، وأمينة زيدان، وغادة السّمان، وسلوى النّعيمي، وليلى بعلبكي، ونجوى بركات، وعلويّة صبح، وسحر خليفة، وليّانة بدر، وهيام مصطفى قبلان، وسميرة المانع، وسميحة خريس، وليلى الأطرش، وبسمة النسّور، وخناثة بنونة، وزينب فهمي (رفيقة الطبيعة)، وربيعة ريحان، وفاتحة مرشيد، ولطيفة باقا، وأحلام مستغانمي، ورشيدة الشارني، ورجاء عالم... ويعتبر بوحمالة أن الأدب باعتباره أحد الإشكال الرمزية الأدق تكثيفا للانفعالات والانتظارات والاستشرافات ليشكل، بامتياز، الفضاء التعبيري الأكثر قابلية لزحزحة الثوابت والطّابوهات والمسبقات القيمية التي تكرّسها إيديولوجيا الذكورة في نسيج المجتمع العربي صيانة منها لمصالحها المادية والمعنوية التي لا تفتأ شراهتها التاريخية المتفاقمة تطوّح بالعنصر النسوي إلى درك الجهالة والإهانة. أما الناقد المغربي يوسف ناوري، فيرى في دراسته “شعراء الكويت وتحديث القصيدة العربية”، أن تضافر عوامل “الطيعة (البحر) والتاريخ (التجارة والصلات الثقافية) في توجيه نمط الحياة وأوضاع الناس في بلد اسمه: الكويت. نقلت كتابات الرحلات والسفارات جانبا من هذه المظاهر في امتداد العلاقات التجارية والثقافية التي إقامتها الكويت مع بلدان الهند والشرق العربي بخاصة.. كما من خلال معاينات الأوضاع فيها حيث استقرت على حكم شُورى وعلى استقلالية سياسية عن الأتراك. في هذا السياق التاريخي المضطرب بالنزاعات التي تحكمت في الخليج، ضمن الصراع بين الأتراك والانجليز من جهة، وبين تطلعات أهله ومجتمعاته البدوية.. لعبت الكويت دورا تجاريا فائق الأهمية بسبب الدور الذي قام به الشيخ مبارك في تدعيم استقرار وحماية التجار الوافدين إليها والمتعاملين معها ممن اتخذوها ميناءا لسلعهم ومعبرا لأنشطتهم. وبفعل هذه العلاقات صارت الكويت منطقة مفتوحة على التبادلات الرمزية مع زيارات العلماء والإصلاحيين العرب إليها، أو مع وصول الكتب والمطبوعات من بلدان الشرق ومصر ولبنان. وسواء بالرحلات أو بالمطبوعات المتوجهة إلى ميناء بلدهم تشكل اهتمام ووعي أبناء الكويت بطبيعة العلاقات والمتغيرات الناشئة بين البلدان (في الصراعات وتبادل المصالح) وبدأت مشاركتهم في الحياة الثقافية العربية باللقاء والحوار مع علماء وإصلاحيين زاروهم مثل رشيد رضا وعبد العزيز الثعالبي وأمين الرحاني”. أما الشاعرة المغربية إكرام عبدي، فتكتب عن ديوان سعدية مفرح “ليل مشغول بالفتنة”، وهي تعتبر هذه الشاعرة الكويتية تتحرر من سطوة الزمن بحيث لا زمن سوى زمن قصيدتها، وتتلألأ أرواحنا في لحظة بلورشفيفة، وننتشي بغبطة الحرية، ونحس بخفة كائن لا يحتمل، كائن بخفة الطير لا الريشة كما يقول فاليري، فننخرط بعشق ومتعة في هذا الدفق الشعري الإنساني السلس، ونسافر في سلسبيل قطعة موسيقية شعرية سيرية تعزف أنغاما في التكثيف والأناقة، ثم ضبطها على إيقاع رهافة الروح وحشرجة الألم والأسى والوجع والشجن والفقد والحنين... هي سيرة الأنا المتعبة القلقة المثخنة بالجراحات، قلق أنطلوجي حتمي في سفرها الحياتي، (وكلما كان الإنسان واعيا بوجوده زاد قلقه على هذا الوجود وزادت مقاومته للقوى التي تحاول تحطيمه). كما تقول نزال السعداوي، قلق يزداد كلما تنامى وعي الذات المبدعة بذاتها ووجودها وتعاظم نهمها إلى الحرية، قلق يصاحب رحلة شاعرتنا نحو أرض الأنوثة، متمسكة بهويتها الأنثوية ومنتصرة لدفقها الروحي ولتحققها الجسدي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©