الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باحثون أردنيون: ثقافتنا ماضوية

باحثون أردنيون: ثقافتنا ماضوية
6 أكتوبر 2011 17:08
طرحت حوارية “مستقبل الثقافة الشبابية والعصر الحديث” في العاصمة الأردنية عمان، أسئلة جادة وهائمة وأبقتها دون إجابات شافية، لكنها أضاءت الكثير من القضايا والاستفسارات وشخصت دون مجاملة الواقع الثقافي الشبابي في ظل الحراك المطالب بالتغيير في عدة عواصم عربية. وقد سيطرت تقنيات العولمة وخاصة الـ”فايس بوك” على مجريات ثلاث جلسات من المناقشات، فالبعض أطلق على مواقع التواصل الاجتماعي بأنها ثقافة الساندويش، وآخرون أطلقوا على المتمترسين في الساحات “جيش الفيس بوك”، ورأوا أنها وفرت مناخا واسعا للتعبئة والتعبير عن أفكار ومطالب الشباب وكشف المستور بعيدا عن الرقابة الأمنية. المتحدثون في الحوارية التي نظمها المركز الثقافي العربي بالتعاون مع مديرية الثقافة في أمانة عمان الكبرى حاكموا الواقع الثقافي بقسوة وأكدوا أن ثقافتنا تنحاز للماضي على حساب المستقبل “ثقافة ماضوية”، ووجهوا سهاما للمؤسسات التعليمية التي ما زالت رغم الثورة المعرفية تعتمد على التاريخ في مناهجها. عميد كلية الآداب في الجامعة الأردنية مجد الدين خمش قال إن نتائج بحث ميداني على عينتين من جامعتي الكويت والأردنية في عمان حول أثر العولمة في القيم، أثبتت أن العولمة ترسخ قيما حديثة تشتمل على الاستثمار والعلم والتخطيط والتنافس والصداقة بين الجنسين وتحمل المسؤولية والصدق، كما تقلل في الوقت ذاته من انتشار قيم تقليدية قديمة وصلة الرحم والمجاملة على حساب العمل والقرابة والصبر على الضعف والتقصير. وخلص في مداخلته “الثقافة الوطنية والعولمة” إلى أن الثقافة العربية حاليا وبفضل تقنيات العولمة تقوم على جماهيرية الإعلام وانفتاحه غير أن انفتاح الجماهير على الإعلام العالمي ما يزال محدودا بسبب عائق اللغة وتكلفة اقتناء اللاقط. دراسة المستقبل ومن وجهة نظر خمش وهو واحد من علماء الاجتماع بالأردن، فإن الربيع العربي ربما دخل في مرحلة الخريف، وأن الحراك فقد زخمه، وقال إن علماء الاجتماع في مصر لم يستطعوا التنبؤ بحدوث الحركة الشبابية، لكن في الأردن كان هناك بعض الإرهاصات التي تحدثت عن قيم جديدة لدى الشباب لكن لم نستمع لأي تحليل فيه نوع من التنبؤ العلمي وهذه أزمة ثقافية. وفي معرض رده عن سؤال رأى أن ثقافتنا تتوجه للماضي أكثر من الحاضر “التفكير بالماضي”، ومثقفنا ماضوي ما عدا فئة قليلة وتساءل: أين هو المثقف المستقبلي؟ إنه عملة نادرة لذلك فالثقافة في الأردن لم تستطع أن تنتج نماذج يمكن أن تتنبأ بما قد يحدث في المستقبل “الثقافة تركز على التاريخ ولا توجهنا لدراسة والتعمق بالمستقبل.. هناك حاجة لتدريب طلبة الجامعات على دراسة المستقبل واكتساب مهارات جديدة تختلف عن المألوف.. الشباب يخلقون ثقافة جديدة”. وعزا الحراك الشبابي العربي لعدة عوامل أبرزها الأزمات الموجودة في المجتمع المدني، وجمود الأحزاب التقليدية، وعدم تطوير خطابها، والتحول الديمغرافي أو ما أسماه “الهبة السكانية”. أما الإعلامية ليلى جرار فقدمت مداخلة كانت الأبرز بين الباحثين بعنوان “مستقبل الثقافة الشبابية في العصر الحديث/ الفيس بوك نموذجا”، حددت فيها نسبة المشاركين في مواقع التواصل حسب إحصائيات يونيو 2010 قياسا بعدد السكان، فمثلا في الإمارات العربية المتحدة 75%، ومصر 21%، وفلسطين 20%، وسورية 17%، والأردن 27%، وقطر 61%. وقالت انه رغم تعدد الآراء حول دور “الفيس بوك” في الثورات العربية فإنه يصعب إنكار أن “الفيس بوك” قدم للشباب مساحة من الحرية لم تكن متاحة لهم على أرض الواقع وتجمعوا وعبروا عن ضيقهم ثم تحولت العفوية إلى تعبئة مقصودة لكسر حاجز الخوف من قمع الأنظمة. وقدمت جرار وجهة نظر المتفائلين من التربويين وعلماء الاجتماع الذين يرون أن تكنولوجيا الاتصالات وتطبيقاتها المختلفة تساعد الشباب على تنظيم أسلوب حياتهم وطريقة تفكيرهم وتعزز التماسك الاجتماعي وتطوير ودعم التراث الثقافي والإنساني العالمي، فيما يرى المتشائمون أنها تؤدي للفردية وزيادة البطالة واختفاء الخصوصية وتسطيح المعلومات مما يترتب عليه ضياع الهوية القومية والثقافية وانهيار القيم والأخلاق. وخلصت إلى أن 74% من الشباب الأردني المشترك في “الفيس بوك” يعود للحاجة الاجتماعية حيث يقدم “الفيس بوك” نوعا من الإشباع الاجتماعي ومعرفة الجنس الآخر في مجتمع محافظ والحاجة للمعرفة والإشباع الفكري، حيث يقدم الموقع إشباعا فكريا عن طريق تمكينهم من طرح الأفكار الاجتماعية والسياسية والعلمية بدون تحفظات ومحاذير في مجتمعات تعيش ضمن أنظمة غير مكتملة الديمقراطية ولا تبيح حرية التعبير، إضافة للتسلية والترفيه. ومن وجهة نظر الإعلامية جرار هناك حاجة لتثقيف النشء بأهمية إدارة الوقت، وتوضيح الآثار الخطرة الناجمة عن إهمال توزيع اهتمامات الشباب على جميع النشاطات الحياتية، والتوعية بإمكانية حدوث إدمان على الانترنت أو “الفيس بوك”، وزيادة كفاءة الأطباء النفسيين لعلاج هذا النوع من الإدمان. ثقافة الساندويش من جهته رأى الدكتورعبدالرزاق الدليمي أن ما يحدث في الوطن العربي ليس ثورات، بل هي محاولات تغيير في بنية النظام السياسي والمجتمع، ولا يعرف أحد إلى أين تقودنا... وتحدث لـ”الاتحاد الثقافي” عمّا سماه “ثقافة الساندويش” وقال إن الشباب يأخذون قشور الثقافة ويستخدمون مصطلحات لا يعرفون معناها، وهذا أخطر سلاح تستخدمه المؤسسات العابرة للحدود لتمرير الثقافة الأميركية كما قال. أما المؤرخة الناقدة والقاصة هند أبو الشعر فتحدثت عن فجوة ثقافية حقيقية وكبيرة، وتساءلت عن دور المؤسسات التعليمية ومن الذي يضع المناهج المستقبلية للشباب غير الذين يعيشون بعقلية الأمس وطالبت بتفعيل دور المؤسسات والسماح للشباب بوضع المناهج التعليمية التي تناسب المرحلة. وحول مسؤولية الجامعات بخاصة يتحدث أستاذ الأدب الحديث ونقده في كلية الأميرة عالية الجامعية بجامعة البلقاء التطبيقية الدكتور نضال الشمالي عن انفصال في طريقة التفكير بين هيئة التدريس والطلبة سببه تباين مصادر المعرفة أو الثقافة لكل منهما، وقال إنه مع أن الطالب الجامعي أحرص على التحصيل الثقافي من عضو هيئة التدريس إلا أن ثقافة المدرس لا تحظى باهتمام الطالب الجامعي لأن ثقافة المدرس تؤدى بطريقة ميكانيكية لا تتصل بواقع الحياة ليجد الطالب أن هذه الثقافة تشكل عبئا عليه فلا يمليها اهتمام إلا على نطاق الامتحانات فقط. وقال لـ “الاتحاد الثقافي” أنه توجد في المقابل مصادر معرفة كثيرة وغير مراقبة يلجأ لها الشباب ليكوّن ثقافة تصبح سلوكا فيما بعد يحار أعضاء هيئات التدريس في التعامل معها كاللباس وتقليد الإعلاميين المتفوقين أو الفنانين أو مفكري الغرب، ويصنفونها ضمن ثقافة الانفلات أو العيب أو الثقافة الغربية لمجرد أنه اعترض على فكرة قدمها المدرس أو عبّر بطريقة غير مألوفة. صدمة الثقافة من جهته أكد الروائي جمال ناجي الحاجة لثقافة الحرية وفهم المستقبل والتعاطي بكفاءة مع مستجدات العصر وتحولاته وتقنياته الجديدة، وأن تلتفت ثقافة الشباب بشكل جدي لعلوم الثقافة الجديدة التي توالدت خلال العقدين الأخيرين وهي التي تختلف عن التفسير التقليدي لمفهوم الثقافة المستندة للآداب والعلوم والثقافة السياسية وحسب وثمة أشكال من الثقافة الاجتماعية ذات الصلة بالحريات الاجتماعية التي أهملها السياسيون خلال القرن الماضي ما أدى إلى زحف المفاهيم والتطبيقات التي تتنكر للحريات الاجتماعية في الوطن العربي. وقال إن عمليات الإشغال التي تتم أثناء ثورات الربيع العربي، من قبل جهات كثيرة، تستحق اهتمام الشباب كي لا تجيّر ثوراتهم لتلك الجهات التي تحاول استثمار الربيع العربي الذي شكّل ظاهرة حيوية مشرقة في تاريخنا. وفي معرض رده على سؤال “الاتحاد الثقافي” قال ناجي إن المطلوب هو مراجعة شاملة للأداء الشبابي في الثورات العربية من أجل تقييم النتائج وتجنب المزالق التي يتم التحضير لها لإجهاض هذه الثورات منبها إلى أن تجاهل الخطر الصهيوني على الوطن العربي يشكل نقصا في مسار هذه الثورات التي ستجد نفسها مستقبلا وجها لوجه أمام هذا الخطر الذي يعمل على تبديد أي شكل من أشكال النهوض والتحرر في منطقتنا. ورأى أننا لا نستطيع إطلاق أحكام قطعية إزاء مستوى ونوعية الأثر الذي أحدثته التكنولوجيا على الثقافة العربية، لأننا ما زلنا نعاني من صدمة الثقافة والانفجار المعرفي الذي حل قبل أوانه مثلما يقولون.. وربما نستطيع تقييم هذا الأثر بموضوعية ودقة أكبر بعد عامين أو ثلاثة. وحول تسمية شباب الحراك العربي بمقاتلي “الفيس بوك” قال ناجي: لا تهمني التسميات بقدر ما يهمني مستوى الفعل الذي يقوم به أولئك الشباب، وشخصيا لست مع هذا الوصف لأنه يقرأ بكيفيات جديدة من خلال الانترنت و”الفيس بوك” والفضائيات ووسائل البحث الحديثة وipad التي بدأت تثبت أنه لا غنى للشباب عن قراءة الكتب والفرق هو زوال المادة الورقية وليس اختفاء الكتاب. وقبلا، كان الفيلسوف اليوناني هيروقليطس، قد قال: إن التغير قانون الوجود والاستقرار موت وعدمر فهل يصح اتهام شبابنا بالسطحية والعزوف عن القضايا الاجتماعية بعد ما يحدث في الساحات العربية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©