الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة اللاجئين وثمار السياسة الخارجية الألمانية

27 سبتمبر 2015 22:04
ألمانيا في أزمة، ويومياً تصل قوافل متتابعة من القطارات المحملة باللاجئين والآتية من دول الجنوب رغم الإجراءات الصارمة لمنعهم من تجاوز حدودها. ومن المنتظر أن يبلغ مجموع عددهم المليون نهاية هذا العام. ورغم التصريحات العامرة بالكلام المعسول والمنفتح على الوضع الجديد، فالكل يعلم بأن الأعباء المادية التي يتطلبها امتصاص مثل هذا العدد الضخم من الناس سوف تكون باهظة. والآن، تنشغل ألمانيا وبقية دول الاتحاد الأوروبي بمعالجة هذه المشكلة المستعصية. ويأتي معظم المهاجرين من سوريا وبقية دول الشرق الأوسط، ليخلقوا أزمة إنسانية حقيقية. لكن هذه الظاهرة تمثل مشكلة أمنية لأوروبا قد تدفعها لإعادة التفكير في طريقة التعامل مع الدول الواقعة شرق وجنوب حدودها. وألمانيا التي تمتص الآن العدد الأكبر من اللاجئين، تجني الثمار المرّة لامتناعها عن الاهتمام بالمشاكل الخارجية وفشلها في حثّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على إعلان موقف واضح ضد الممارسات الوحشية التي يرتكبها دكتاتور سوريا بشار الأسد، وهي الجرائم التي خلقت أزمة اللاجئين وساعدت على ظهور تنظيم «داعش». وخلال السنوات الماضية، حذّر وزيران متعاقبان للخارجية الألمانية من أي تدخل في الشأن السوري واتخذا موقفاً معارضاً من فكرة تسليح المعارضة السورية المعتدلة. وأدت هذه السياسة إلى النتائج التي كنا نتوقعها منها. وفي وقت كان فيه الأسد يتلقى الدعم من روسيا وإيران و«حزب الله»، وكان تنظيم «داعش» المتطرف يتلقى دعماً مماثلاً من جهات خارجية أخرى، فإن التنظيمات المعتدلة التي كان يفترض أن تشكل الحليف الطبيعي للغرب لم تتلقَّ أي مساعدات. وكان الطرح السائد في برلين يقول إن التدخل الغربي لن يؤدي إلا إلى زيادة الموقف سوءاً. لكن ألمانيا والولايات المتحدة فشلتا في فهم الحقيقة التي تفيد بأن عدم التدخل يشكل بحد ذاته موقفاً أدى إلى التصعيد المباشر للصراع الذي كان متبوعاً بتدفق النازحين، وهو ما كان يخشاه الغرب. ولم يحدث هذا التطور غير المحبّذ بسبب عدم وجود بدائل. ففي عام 2013، حذّر أحد كبار الدبلوماسيين الألمان، ويدعى «وولفغانج إيشينجير»، من أن سوريا أصبحت على وشك التحول إلى بلقان جديدة. ودعا إلى فرض منطقة حظر طيران داخل سوريا وإنشاء ممرات آمنة. ولم يكن «إيشينجير» صقراً رغم أنه دعا إلى تدخل عسكري محدود يضمن فرض الحل السياسي في سوريا مثلما حدث في البوسنة. لكن الحكومة الألمانية رفضت هذه الفكرة واختارت بدلاً منها تشجيع الحل السياسي من دون استعراض الأنياب العسكرية. وكان لتمدد وانتشار «داعش» على ميادين المعارك واتجاهها لقطع رؤوس المواطنين الأميركيين، الصيف الماضي، أن يطلق جدلاً صاخباً في الولايات المتحدة حول نتائج عدم تدخلها في الأزمة والتكاليف الباهظة لسياسة أوباما السلبية في معالجة الموقف. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتاد الأوروبيون أن تأخذ الولايات المتحدة على عاتقها مواجهة التهديدات الأمنية في أوروبا وحولها، مما أشاع حالة من الرضى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والوضع الأمني لأوروبا، لكن الأخطار التي كانت تتجنبها أوروبا -بسبب هذه السياسة- أصبحت تهددها الآن. ومع تصميم واشنطن على عدم التدخل، فعلى أوروبا ألا تنتظر من أحد آخر مساعدتها على تجنب تلك الأخطار مثلما كان يحدث سابقاً. ويمكن للصراع الدائر في سوريا، وأزمة المهاجرين التي أفرزها، أن يمثلا عاملاً مساعداً لتذكير أصحاب القرار في السياسة الخارجية الألمانية بضرورة إعادة النظر في هذه السياسة. صحيح أنه من المبالغة أن نتصور إمكانية تحول ألمانيا بين عشية وضحاها إلى قوة عسكرية كبرى، لكن تدخلاً محدوداً في سوريا لتأييد فرض منطقة حظر جوي، كان من شأنه إيجاد مساحة واسعة للمناورة الدبلوماسية. وقد لا تمثل الأزمة في سوريا المناسبة الأخيرة التي سيطلب فيها من الألمان اتخاذ موقف إيجابي على الصعيد الخارجي، لاسيما أن شهية أوباما للتدخل في منطقة الشرق انخفضت كثيراً بسبب نجاح الولايات المتحدة في تأمين حاجتها من البترول بالاعتماد على مصادرها الذاتية. *محلل سياسي ألماني مقيم في واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©