الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان والمجتمع الدولي: «تهديدات» السقوط

4 أكتوبر 2011 21:25
عقب خروجه من اجتماع مع وزير الخارجية الفرنسية، قال د. علي كرتي وزير خارجية السودان رداً على أسئلة الصحفيين، إنه تباحث مع نظيره الفرنسي حول أوضاع السودان المالية ودَيْنه الخارجي الذي بلغ ثمانية وثلاثين مليار دولار، وطلب منه أن تبذل فرنسا جهودها الحميدة والسعي مع مجموعة "نادي باريس" لإقناعه بإعفاء السودان من جملة ديونه أو بعضها، تخفيفاً على السودان الذي يواجه أزمة مالية هائلة، إلى درجة أنه عاجز الآن عن سداد فوائد الدين الخارجي، التي ستبلغ مع نهاية العام ملياري دولار.. وأنه ليس من المقبول أو المعقول أن يقف العالم يراقب الدولة السودانية حتى تسقط، وهو أمر مؤكد إذا لم نجد حلاً لهذه الأزمة تفادياً لسقوط السودان. ثم قال بلهجة حادة نوعاً ما (ربما رداً على سؤال من صحف حول الحرب الدائرة في النيل الأزرق وجنوب كردفان)، موجهاً الحديث للصحفيين الفرنسيين: كيف سيكون موقفهم ورأي الشعب الفرنسي لو أنه مثلاً، قام عمدة باريس المنتخب بإعلان العصيان على الدولة الفرنسية وشن الحرب عليها؟ والواضح أنه كان يشير بهذا المثل غير الموفق، إلى الجنرال مالـك عقـار رئيس الحركة الشعبيـة الشماليـة والحاكم المنتخب من أهله حاكماً لإقليم النيل الأزرق الذي أصدر البشير قراراً بفصله وحكومته، وأعلن حالة الطوارئ، وعيّن حاكماً عسكرياً على الإقليم بعد تسوية أديس أبابا، التي اتفق فيها رئيس الحركة ووفده مع نائب رئيس "المؤتمر الوطني" وممثل رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع بمساع وشهادة الرئيس الأثيوبي ورئيس جمهورية جنوب أفريقيا. وفي الوقت الذي كان فيه "د. كرتي" يحاول إقناع مستمعيه بأن موقف الحكومة السودانية سليم ومع السلام، وأنها قد أوفت بكل التزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية نيفاشا، واعترفت بدولة السودان... إلخ، كان البشير يخاطب جمعاً من أعضاء حزبه، ويعلن بكل قوة، أن القوات المسلحة كاملة الاستعداد لخوض حرب على المتمردين إذا لم يضعوا السلاح ويسلموا أسلحتهم، وأن السودان الحر المستقل لن يقبل، ولن يسمح بأي تدخل أجنبي في شأن يعتبره شأناً داخلياً. ومن جانبه لم "يقصّر" د. نافع في مجاراة دعاة الحرب، فقد قال هو أيضاً لحشد من أنصارهم في قرية بعيدة عن باريس، إن السودان ليس هو المستهدف وحده، وإنما المستهدف هو الإسلام وحماته (يعني حزبه) من الدول الاستعمارية الغربية والصهيونية العالمية وكل أعداء الإسلام، لأن السودان هو قلعة الإسلام الحصينة! ولم تمض ساعات على أحاديث الرئيس ووزير خارجيته الذي ذهب إلى باريس ليستنجد بدول "الاستعمار" ويتساءل بكل حماسة: كيف يقف العالم متفرجاً على سقوط السودان ولا يخرجه من أزمته المالية الخطيرة (التي حتماً ستسقط السودان)، حتى جاءت الأخبار من السودان أن السودانيين، رجالاً ونساء وشيوخاً وأطفالاً خرجوا في مواكب وتظاهرات ليس في الخرطوم وحدها، ولكن في مختلف المدن، وكانت أكبر كثافة للمظاهرات التي خرجت ليلاً في مدينة الثورة بأم درمان. وهذه المدينة، لمن لا يعرف تمثل أكبر عدد من السكان في العاصمة، وهي المدينة التي خططها نظام الفريق عبود في الخمسينيات، وقسمها لمتوسط الحال والفقراء من سكان أم درمان القديمة الذين ضاقت بهم المدينة القديمة. وهي تعتبر اليوم مع الامتدادات الكبيرة التي خططها وباعها بالدولار وشيد فيها رأسماليو "الإنقاذ" أرقى وأغلى المدن في العاصمة الوطنية! أردت بهذه الأمثلة المذكورة، وهناك الكثير منها، أن أبين إلى أي مدى وصل الحال بنظام "الإنقاذ" من التخبط والعجز والفشل الذريع.. فالمظاهرات التي عمت كثيراً من المدن والأحياء كانت كلها ترفع وتصرخ بشعارات واحدة تعبر عن أحوال السودانيين المعيشية اليوم، وتصف الحكومة بـ"حكومة الجوع" والتخبط الإداري والمالي والتعامل مع المتظاهرين والمواكب الاحتجاجية السلمية بعنف وصفته مصادر منظمات حقوق الإنسان والأمانة العامة للأمم المتحدة أنه عنف يصل إلى حد القتل.. وإبادة المعارضين وتجاوز القانون. المواطنون اليوم في السودان لا يحتاجون إلى إرشاد ونصائح وتحريض "الشيطان الأكبر" ولا الصهيونية ولا حتى قادة المعارضة السودانية في الداخل أو الخارج، فهم يعيشون حياة ضنكة لم يعد في مقدور، ليس الفقراء وحدهم، مواجهتها بل حتى متوسط الحال ناهيك عن جيوش العطالة والمشردين والمرضى الذين تقتلهم الأمراض والأوبئة يومياً، ولا يجدوا حتى ثمن الكفن والمقبرة.. وسقوط النظام ليس من عمل الشيطان، ولكن من صنع وإنتاج "الإنقاذ" الذي أوصل الناس لدرجة جعلتهم يفضلون الموت قائمين على أرجلهم من الموت جوعاً. إن سياسات الرأسمالية والإسلاموية الجشعـة قد خلقـت في السودان هوة واسعة بين أقلية صغيرة تنهب البلد كل صباح، وأغلبية كبيرة نفد صبرها لدرجة استعدادها للكارثة الكبرى التي حين تقع ستشمل نيرانها السودان بأكمله وما فيـه ومن ضمنهم أهل الإنقـاذ. ومع كل ذلك، فإن رجلاً في ذكاء د. كرتي يتساءل (ربما مستغرباً) هل من المعقول أن يقف العالم متفرجاً على سقوط السودان؟ وإذا كانت حكومته المسؤولة عن "الرعية" شرعاً واقفة تتفرج على حال "رعيتها"، بل هي التي صنعت بالرعية ما لم يفعله حاكم من قبلهم، ولا أظن من بعدهم، فماذا يفعل العالم للسودان؟ عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©