الرجل الرائع

سائق الحافلة الأميركي الأسود أصر على أن يوصلني إلى أقرب محطة من مقر إقامتي في فورت ورث خشية على سلامتي، فهو يرى أنه من الخطر على أمثالي السير ليلا في مثل هذه المدينة التي تعج بالمكسيكيين، والذين يعمل الكثير منهم ضمن عصابات منظمة كما يقول، بل أنه أصر على ألا يأخذ قيمة تذكرة ركوب الحافلة فهذا أقل شيء يمكن أن يقدمه إلى “أخ” غريب مثلي حسبما يقول. غير أنني عندما ترجلت وعلى رغم تحذيراته مشيت في شوارع المدينة بحثا عن مكان لا يزال مفتوحا لتقديم الطعام فقد كنت أشعر بالإنهاك وبالجوع من جراء سفر متواصل في البلدات الحدودية طوال ذلك اليوم. ثمة حانة ملحقة بناد ليلي، لم أجد غضاضة من أن أدخلها مختلطا بالزبائن معتمدا على مظهري الذي يوحي بأني من أصل لاتيني، وفيما كنت أتناول الطعام اقترب مني أحدهم مترنحا وضربني على كتفي، نظرت إليه بعنجهية ورفعت إبهامي لأرد عليه التحية دون أن أتحدث حتى لا أكشف هويتي فلغتي الإسبانية ضعيفة جدا، قد تنطلي على الأميريان لكنها حتما لا تنطلي على متحدثيها. وعدت لتناول طعامي متجاهلا تعليقات الرجل الذي لم أفهم من كلامه سوى “كوول مان” وربما تعني “أنك رجل رائع”، واكتفيت بأن هززت له رأسي بعلامة شكرا. غير أنه لم يكتف بذلك واعتبر تجاهلي له احتقارا وربما أراد أن يثير انتباهي بسكب المشروب عليّ، غير أنه ومن غير قصد سكبه خطأ على الجالس في المقعد المجاور ما جعله يشتاط غيضا، وينفجر في وجه فيرد عليه بسيل من اللكمات وبدفعة قوية ترنح وهو يسقط على رجل آخر جعل الأمور تتطور بتسارع حتى اشتعل شجار تورط فيه معظم رواد الحانة. غير أنني لم اكترث بكل ما يحدث وحملت طعامي وانتقلت إلى زاوية بعيدة عن الفوضى وجلست أكمل تناول الطعام، وقبل أن أغادر طلبت مشروبا غازيّا لأحمله معي وأنا اترك المكان بعد أن تحول إلى فوضى تامة. قبل أن ابتعد دخلت إلى النادي الليلي المجاور فوجدت أنغاما ذات نكهة لاتينية فتوقفت قليلا فلا يمكنني مقاومة هذه الموسيقى التي تنقلك إلى عالم خيالي. لم أشعر بالوقت وأنا أراقب الراقصين وهم يتمايلون طربا على تلك الأنغام الشجية وخرجت بعد أن هدأ كل شيء لأجدني أسير وحيدا في الشارع في ساعة مبكرة قبيل الفجر. الأجواء منعشة والهدوء والسكون يعمان المكان لدرجة أنني شعرت أنها حالة استثنائية وغريبة خصوصا بعد يوم شاق مليء بالأحداث المتواصلة والغريبة. rahaluae@gmail.com