الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام وتحدي النمطية

15 فبراير 2010 21:58
في مؤتمر دولي حول "الإسلام والإعلام" نظمه مركز الإعلام والدين والثقافة بجامعة كولورادو في شهر يناير الماضي، ناقش العديد من المشاركين خطر الصور النمطية السلبية التي يلصقها الإعلام الغربي عادة بالإسلام والمسلمين، خاصة بعد 11 سبتمبر والمحاولات الإرهابية المختلفة التي تلت ذلك على أيدي متطرفين ومتشددين يعملون على تخوم المجتمع المسلم الأوسع في تياره الرئيس المعتدل. وكان المفكر والمُنَظِّر الأدبي الراحل إدوارد سعيد قد ألف كتاباً واسع الانتشار عنوانه: "تغطية الإسلام" صدر عام 1981، ولفت فيه انتباه الجمهور العريض إلى الكيفية التي يحدد من خلالها الخبراء والإعلام في الغرب الأسلوب الذي نرى به الإسلام. ويكشف جوهر تحليل إدوارد حقيقة كون التغطية الإعلامية للإسلام ربطت، أحياناً كثيرة، بين المسلمين وكافة أشكال التشدد المسلّح والمشاعر المعادية للغرب. وفي عام 1997 توصلت إلى ذات الخلاصات أيضاً مؤسسة "رانيميد" Runnymede Trust، وهي جهة فكرية بريطانية معنية بتشجيع التعددية العرقية في بلادها، وذلك في عمل بعنوان: "الرهاب من الإسلام: تحدٍّ يواجهنا جميعاً". وأما الصور النمطية السلبية نفسها فيكفي التذكير بما شاع منها على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001. فقد اعتقد عدد كبير من "جهابذة" المحللين والصحفيين والسياسيين أن ما شهدناه في ذلك اليوم يمثل تعبيراً عن "صدام الحضارات"، أي انطلاق معركة بين الحضارتين الغربية والإسلامية. وقد اعتبر ذلك تزكية، في نظر البعض، لآراء المنظِّر السياسي الشهير هنتينغتون. وما بين تحليلات إدوارد ونظرية "صدام الحضارات" لهنتينغتون، والرهاب الإسلامي أو العنصرية الثقافية، ظلت التساؤلات المتعلقة بتمثل صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي مطروحة بقوة. وتستدعي قصاصات هذه الأطر النظرية الثلاثة في كل مرة. وما زال لهذه الأطر تأثير كبير على الدراسات الحالية. والواقع أن عدداً كبيراً من الدراسات المقدمة أثناء المؤتمر الأخير حول "الإسلام والإعلام" اعتمدت عليها أيضاً، علناً أو ضمناً. والسؤال الآن: لماذا يستحوذ التوجه الثنائي، مزدوج المعايير، على رؤية الإعلام الغربي حول الإسلام والمسلمين؟ في رأيي الشخصي أن ازدواجية التفكير والصورة تثير مسألتين اثنتين. الأولى، أنهـا لا توفر فرص فهم لإيجابيـة التقـاء وشراكـة ناس من خلفيات ثقافية ودينية مختلفة. ومفهومٌ أن مجتمعاً يتسم بالتعقيدات المتزايدة لا يمكن فيه ببساطة رسم خطوط انتماءات المجتمع بالأسود والأبيض وحدهمـا. فالمجتمـع الإنساني بطبيعته ليس جامـداً، بل هو ديناميكي دائم الحركـة. والمسألة الثانية، أن ازدواجية الرؤية كثيراً ما تضمر أو تحيل ذهنياً إلى حتمية الافتراق والصراع على أساس فكرة "الغرب ضد الإسلام"، أو "المتحضّر ضد المتخلّف"! وأخطر ما في هذا أن صور الإعلام النمطية تستطيع، بهذه الطريقة، تكريس التمثلات الاجتماعية غير العادلة عن الثقافات أو الديانات الأخرى. وحين يفترض الإعلام أن الناس واقعون لا محالة في شرك الخصومة، أو حتى سجناء في سياق محتوم من الصدام، فنتيجة ذلك مثيرة للقلق، على كل حال، وخاصة إذا كان المجتمع متعدد الثقافات. ومن المؤكد أن الناس من ثقافات أو ديانات مختلفة يمكن اعتبارهم، بمعنى ما، غرباء بشكل طبيعي عن بعضهم بعضاً. وهذا يستلزم اتخاذ خطوات جريئة، حتى تترسخ ثقافة الاعتراف بالآخر واحترامه. وبهذا الأسـلوب يتم إدراك ثراء وتعـدد المجتمـع الإنسانـي داخل وحدتـه. وإذا تم تصحيح التمثلات الإعلامية الغربية للثقافات والديانات الأخرى وزادت وتسارعت وتيرة فرص الالتقاء والحوار في مجتمعات اليوم متعددة الثقافات، فسنتحرك قدماً نحو المزيد من التفاهم والثقة بالمستقبل والأمل. كاتب وباحث بجامعة بريستول في بريطانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©