الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تايلور»... وثمن تلميع السراب!

15 فبراير 2010 21:57
عمد الرئيس الليبيري الأسبق تشارلز تايلور، الذي يحاكم حالياً في لاهاي بتهم ارتكاب جرائم حرب، إلى شراء السمعة النظيفة بالمال، فحتى في الوقت الذي كان فيه تايلور، حسب الادعاء العام الدولي، يزرع الرعب في إفريقيا الغربية خلال التسعينيات بحثاً عن السلطة وتكريساً لسيطرته على تجارة الألماس وباقي الموارد الطبيعية في المنطقة مثل الذهب وغيرها، وقد أنفق الملايين من الدولارات لاستقطاب جماعات الضغط الأميركية سواء من "الديمقراطيين"، أو "الجمهوريين" لتلميع صورته في الخارج وتأمين التواصل مع السياسيين الأميركيين النافذين، بمن فيهم الرئيسان بيل كلينتون وجورج بوش. ولكن تلك الجهود التي تقدر تكلفتها بما لا يقل عن 6.2 مليون دولار، والتي انخرط فيها مسؤولون سابقون في وزارة الخارجية الأميركية، فضلا عن رجال أعمال وقس إنجيلي، فشلت كلها في تغيير صورة تايلور في الغرب كزعيم مارق، كما أخفقت في مساعدته على الاستمرار في السلطة. ومع ذلك استطاع تايلور في مرحلة ما الدفاع عن نفسه أمام كبار المسؤولين الأميركيين بدعم وتأييد من جماعات ضغط نافذة، فقد ساعده أحدهم وهو "ليستر هيمان" في عقد اجتماع بين زوجة تايلور، جول هوارد، وهيلاري كلينتون التي كانت وقتها السيدة الأولى في أميركا، لمناقشة دعم المقاولات الصغيرة في إفريقيا. كما سعى "هيمان" أيضاً إلى ترتيب اجتماع بين تايلور نفسه وبيل كلينتون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن تايلور امتنع عن السفر إلى نيويورك! وفي هذا الإطار التقى "هيمان" مع وزيرة الخارجية حينها مادلين أولبرايت، في محاولة منه لإقناعها بإسقاط التهم الموجهة لتايلور وخاصة منها المتعلقة بفراره من سجن في ماساشوسيتس خلال عقد الثمانينيات. وقد زعم "هيمان"، وباقي أفراد وجماعات الضغط الأخرى التي انبرت للدفاع عن تايلور أمام المسؤولين الأميركيين والترويج لقضيته، أن ما كان يحركهم جميعاً بشكل أساسي هو الانشغالات الإنسانية والدينية وليس الربح، أو الجشع، وهذا ما يوضحه "هيمان" الذي تلقت شركته 630 ألف دولار أميركي من ليبيريا من سبتمبر 1997 إلى أبريل 1999 حسب الادعاء العام في لاهاي بقوله: "لم يكن المال في وقت من الأوقات هو العامل الحاسم، بل لقد خسرت أموالاً طائلة"، مضيفاً: "لم أكن أبداً أمثل تشارلز تايلور، بل كنت أمثل ثلاثة ملايين مواطن في تلك البلاد، لأنهم هم من كانوا يعانون، وقد كنت أحاول التوسط لحل بعض المشاكل العالقة بين الولايات المتحدة والحكومة الليبيرية فحسب"! ولكن "هيمان" الذي منح امتياز الإشراف على قطاع الشحن في ليبيريا، وغيره من جماعات الضغط، كانت لديهم مصالح اقتصادية مهمة في تلك المنطقة. ولم يقتصر الأمر على جماعات الضغط التقليدية، بل امتد أيضاً إلى رجال الدين مثل القس الإنجيلي المحافظ بات روبرتسون، الذي استفاد في عام 1999 من امتياز إدارة منجم للذهب في جنوب شرق ليبيريا، وفي المقابل سهل القس عملية الاتصال بمسؤولي إدارة بوش حسب ما أخبر تايلور نفسه الادعاء العام بلاهاي! وبعد أن خاب أمله في أن تمنع الولايات المتحدة سقوط نظام تايلور انتقد روبرتسون بوش في عام 2003 متهماً إياه بـ"إضعاف رئيس مسيحي أمام متمردين مسلمين يسعون إلى السيطرة على البلاد"! وقد أكد متحدث باسم ذلك القس الإنجيلي أنه استفاد بالفعل من امتياز الاستفادة من منجم الذهب الذي أعطته إياه الحكومة الليبيرية، نافياً أن يكون تايلور قد حصل على مقابل. وكان الادعاء العام الدولي المدعوم من الأمم المتحدة قد وجه 11 تهمة إلى تايلور مرتبطة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لدعمه حركة التمرد في سيراليون المعروفة باسم "الجبهة الثورية الموحدة" التي قتلت آلاف المدنيين خلال الحرب الأهلية أواخر التسعينيات. ويعتقد الادعاء أن تايلور تولى تسليح تلك الجبهة مقابل الحصول على مناجم الألماس. غير أن هذا الأخير نفى تلك التهم. وقد اعتقد تايلور أثناء تواجده في السلطة أن استراتيجيته للعلاقات العامة في واشنطن قادرة وحدها على حمايته، لاسيما الجهود التي كان يبذلها "هيمان" بتوظيف صلاته بوزارة الخارجية الأميركية لشطب السجل الجنائي لتايلور بعد هربه من سجن في ماساشوسيتس، وهو ما أكده "هيمان" نفسه الذي قال إنه عمل شخصياً على إقناع مادلين أولبرايت بإلغاء التهم الموجهة إليه بعد فوز تايلور في الانتخابات الليبيرية، ولكنها رفضت التدخل وأصرت على ترك المسألة للقضاء. وأكد تايلور أنه وجد مصادر أخرى للدعم في واشنطن تمثلت في الجنرال روبرت يركس المرتبط أيضاً بجماعات لها مصالح اقتصادية في ليبيريا، والذي نصحه بحل النزاع الذي نشب بين الحكومة الليبيرية وشركة النفط الأميركية "موبيل" على خلفية نهب مقرها العام في ليبيريا خلال اضطرابات عام 1996. وكان الجنرال يركس قد تباهى أمام تايلور بعلاقاته مع مسؤولين بارزين في وزارة الخارجية الأميركية مثل سوزان رايس وقد كانت وقتها مساعدة لوزيرة الخارجية والذي طلب من الرئيس الليبيري تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي الرامية إلى كسر الاحتكارات الحكومية وحماية مصالح الشركات الأجنبية وهو ما نفذه تايلور حرفياً، ولكن دون جدوى. كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©