الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غاية الظاهري: التراث مرجع نركن إليه ونجد فيه هويتنا التاريخية

غاية الظاهري: التراث مرجع نركن إليه ونجد فيه هويتنا التاريخية
10 مارس 2009 00:54
تحرص مؤسسات الدولة عبر خططها السنوية وفعالياتها الدورية التركيز على بناء شخصية الطفل في الإمارات، وتنميته وتثقيفه وتعريفه بتراث وطنه، انطـــلاقاً من كون الــتراث هو الإطار المرجعي الذي تركن إليه الذات وفيه تجد هويتهـــا التاريخية· وبدورها تقدم -دورياً- ''هيئة أبوظبي للثقافة والتراث'' في مقرها بالمجمع الثقافي، ضمن برنامجها الثقافي، سلسلة من محاضرات وندوات وفعاليات متنوعة ودورات تدريبية موجهة للأطفال والناشئة، تهدف إلى تعليمهم وتدريبهم وتعريفهم بتراث الوطن، بإشراف مستشارين تراثيين من كبار السن، وأساتذة وباحثين من شباب وشابات الوطن ينطلقون من التراث كأساس لبناء جيل حضاري مثقف وملتزم· وخصت الباحثة غاية خلفان الظاهري في مجموع أبحاثها ومحاضراتها ''جيل الناشئة'' وطرحت مؤخراً مجموعة من المؤثرات الفاعلة في شخصية الطفل، بدءاً بمؤثر الدين وأخلاقياته الحميدة، والانتماء للوطن، وصولاً إلى القواعد الأخلاقية التي يكتسبها الإنسان في بيئته الأسرية، ومن ثم المجتمع وتقاليده وموروثه الشعبي، حيث اقتصر الحوار معها حول تلك المؤثرات· من العين إلى العالم لقد سكنت غاية خلفان الظاهري مدناً كثيرة، إلا أنها لم تستقر إلا في وطنها -تحديداً مدينة العين- فقد شربت من مياه الجداول والأنهار في العديد من دول العالم، لكن لم تروها إلا أفلاج العين، واطلعت على ثقافات الشعوب واحترمت تراثياتهم، إلا أنها لم تحب إلا تراث بلدها، وتمنت أن تكون مرشدة سياحية تشرح حضارة وتاريخ وتراث وطنها الإمارات ومدينتها العين، وتمنت أن تكتب بكل اللغات، كي توثق حياة الدولة، تاريخاً، وتراثاً، يكشف عن ما أُسدلت عليه السنون من ستائر النسيان برحيل الأجداد· وقد تجذر الوطن في وجدان غاية، سكنها بشراً وشجراً وحجراً، وحملته ذكرى وحقيقة خلال ربع قرن، وهي تطوف العالم في الأسفار والإقامة الدائمة في عدة دول أوروبية· نشرت خلال ذلك تراث بلدها عبر أنشطة سفارات الإمارات وفعالياتها المختلفة الهادفة إلى تعريف العالم بتراث الدولة الحضارية التي بات يشار إليها بالبنان في المحافل الدولية، فأشرفت على فعاليات تراثية وشاركت في ندوات وبحوث وزيارات ميدانية، ولا تزال بعد عودتها الوطن واستقرارها فيه تواصل عملها باحثة ضمن كادر ''هيئة أبوظبي للتراث والثقافة'' في قسم التراث المعنوي· المؤثرات الثلاثة عن العوامل المؤثرة في الانتماء والهوية الوطنية لمجتمع الإمارات وأفراده، تقول الظاهري: ''إن الموثر الأول هو الإيمان والعقيدة·· علينا أن نتنبه ونحفظ ديننا ونعلم الأبناء تعاليم ديننا الحنيف ليحافظوا على أركانه وفروضه·· أما المؤثر الثاني، فهو التربية الأخلاقية في مرحلة التنشئة، منذ الولادة إلى الاستقلال والاعتماد على النفس في تسيير الأمور الحياتية للإنسان وليس لها عمر محدد، فهي تختلف باختلاف التربية والظروف البيئية التي نشأ فيها هذا الإنسان، بينما المؤثر الثالث هو العادات والتقاليد، والموروث الشعبي، والثقافة المحلية، ولها (عوايد) مثل أفرع الشجرة، وهي (سنع الكرم، سنع المعروف والشيمة، سنع الشهامة والمروة، سنع هبة الريح، سنع مخاواة شمه) وغيرها الكثير· وهذه كلها قيم تراثية لمجتمع أصيل غني بالتجارب الإنسانية التي حفظها السلف للخلف''· عادات حميدة أما العادات، فهي ما اعتاد عليه الإنسان ومارسه أفراد المجتمع باستمرارية لا تخالف المعتقدات الدينية ولا القيم الأخلاقية، بل تستمد انتشارها وبقاءها من العقيدة الدينية والقيم الأخلاقية للمجتمع، بترسيخ الأنماط السلوكية التي تميز شعباً عن غيره بتمسكه بعادات وتقاليده التي تحفز أفراده على توظيف القيم التراثية، لحماية الأجيال والحفاظ على هويتها الوطنية، ثم صارت هذه العادات أحد روافد التراث الشعبي، ومثالاً على ذلك ''هبة الريح'' التي تعني أن تلبي قبل النداء، وتنفذ قبل الطلب، ونقول عن حامل هذه الصفة ''يا حافظ على فلان وعلى من رباه فلان هاب ريح''· كما نقول ''أخو شمة وخويين شمة''، وهذه ما يعتز به الرجال أطفال الأمس، الرجال اليوم أصحاب المواقف النبيلة الذين لا يرضون من العلياء إلا قممها، ونقول عنهم مذاهبهم ذهب، ومن المعاني يصوغون حروفاً، وهذه معانيهم مثل حروف الذهب أي الدنانير الذهبية دلالة على أخلاقهم النبيلة· ونقول ''فلان حشيم، زين المعاني'' والمعاني هي المعاملة وسلوك الإنسان تجاه نفسه والناس أجمعين، ونقول عن هذه الشخصية ''فلان راعي معاني ما تسيره المصالح''· ''السنع'' أما السنع، فهي قواعد آداب المجالس، تغرس في النشء منذ الصغر المبكر، ومثال على ذلك سنع الطعام، وسنع البرزة ''المجلس'' وسنع القهوة، وسنع الكرم، والتعامل في كل المواقف مع الآخرين، والذي لا يتقيد بالسنع نقول عنه: ''طبه هذا ما يعرف سنع العرب'' والسنع يقابله ''الإيتكيت'' في الثقافات الأخرى· إلا أن ''الإيتكيت'' قد يكون جامداً من غير مشاعر، كما هي لدينا نحن في الإمارات أهل الشيمة والنخوة والإباء التي تميز عموماً الإنسان العربي· كما نقول عن الآخر ''شفته ولد فلان مسنع يوم الفاقه يعل بطنًا يأبه الجنة فلان سالك مسلك الرجال''، وهي الصلابة و''الذرابة''، و''الذرابة'' هي حسن التصرف نتيجة التشجيع المعنوي لهذا الإنسان، والذي يشحذ همته، ويقوي عزيمته· أما الفتاة، فنقول عنها ''يا حافظ عليها سالكة مهرة الحريم ما عليها قصور'' أي أنها راعية واجب وخلوقة ونشيطة ومحترمة· إذاً هذا الإنسان الذي شب وشاب على كسب المدح والثناء، وبالتالي ارتفعت معنوياته، وقويت شخصيته، فيصدق فيه المثل القائل ''الزين هب من زانته ثيابه، الزين من زانته معانيه''، وهذه مُثل تحلى بها أفراد المجتمع الإماراتي منذ القدم''· وعن طرق التربية وتأديب الأبناء، تقول الظاهري: ''إذا عرفنا طرق التأديب التي كانت بالأمر والنهي، ونظرة العين، و(تحنحينة)، و(الهزب) في بعض الأحيان من أولياء الأمور· وفي آخر الأمر حين لا ينفع كل ذلك يكون العصا لمن عصى، إلا أنه من يضرب في ذلك الزمن يقولون عنه (مسوي سواة عوده، مسود ويه أبوه)، وبالتالي يحس بالعار، مما يجعله يحسب ألف حساب للغلط كيلا ينعت بهذه الجملة ويقال له (فقدته وفقدت من رباه)، وكانت النساء تدعي وتقول (يعلني ما أسمع هذه الكلمة)''· تعليم مهارة معرفة المؤثر الثالث هو مؤثر ثقافي يتصل بما يكتسبه الإنسان منذ الولادة وخلال مراحل حياته وحتى الممات من عدة مصادر (التعليم المهارة المعرفة)، وأخرى يطول الإبحار فيها، لكن نحن لا نتعلم فقط بالقراءة والكتابة، بل يجب أن نلحق تعليم المواد الدراسية بما يرفدها من معارف وتطبيقات ارتقت بفضلها الأمم والشعوب في مسيرة التمدن والحضارة في جميع مراحل التاريخ، وإن كنا هذا ما نريده ونسعى إليه صدقاً وفعلاً، فالمعروض يخالف المطلوب للأسف، ومثال على ذلك إن الحاصل -غالباً- في مجال التربية المنزلية، أن نعلم الأبناء ليصلوا إلى مرحلة العمل، لكن هل علمناهم أخلاقيات المهنة والالتزام الوظيفي وفن التعامل مع الغير؟ طبعاً لا! ''لأن الأب لا يدعو ابنه إلى المجلس، ولا يحاذي منكبيه في المسجد، ولم يمتحنه في سفر، ولم يتقرب إليه ناصحاً ومرشداً، ثم لا يوجد مساق في المدارس يدرس في هذا الصدد· كما أن الثقافة المحلية مغيبة عن مناهج التعليم والتربية''· ناقوس الخطر عن المصادر التي استقى منها هذا الجيل المعارف الثقافية والسلوكية، تقول الظاهري: ''أتساءل في بحوثي: من أين استقت الأجيال الحالية ثقافتها؟ وهل هي ثقافة أصيلة نابعة من القيم والمثل العليا التي تغذيها المشاعر النبيلة المنفتحة على المعارف والثقافات الأخرى، بقدر الإفادة والاستفادة منها ومتمسكة بعاداتها وتقاليدها ومفعله لتراثها في الحياة اليومية سواء أكان في البيت أو المدرسة أو الجامعة الحديقة أو السوق! أم هي ثقافة تلفزيونية مستوردة لا تمت للواقع بصلة؟ فما نراه أحياناً من نقائص تدمر العقول وتفسد الأخلاق في سرد مهلهل ضحل يحاكي التهور والانحراف والقسوة، ويستهدف القيم والأخلاق والدين نتيجه التقليد الأعمى الذي أفرز أمراضاً نفسية وحوادث دموية وتصرفات رعناء متهورة واتكالية· نتجت عنها مآس محزنة وسلوكيات غريبة على مجتمعنا وفدت إلينا وساعدنا -للأسف- على انتشارها· ابتدأ هذا الطوفان الذي فتحت له جميع المنافذ والأبواب من جميع الأصقاع والملل والثقافات حاملاً معه سلوكياته ومعتقداته التي صار يمارسها ويعلن عنها ويسوقها في جميع الوسائل الإعلانية بكل المغريات حتى دخلت بيوتنا ومدارسنا وأسواقنا ولغتنا العربية حتى صارت أمراً محبباً يباهي به أصحاب تلك السلوكيات''· البحث عن التراث تطرح الظاهري إجاباتها عن طريق أسئلة، حيث تقول: ''قبل البحث عن تراثنا ودوره في الانتماء والهوية الوطنية، هل فعّلنا هذا التراث بما يكفي كي نبحث عن دوره في حياتنا، وإذا طرحنا هذا السؤال يجب أن نسأل: من المسؤول عن تربية أطفالنا ومن المسؤول عن نشأة أطفالنا؟ يفترض أن يكون الجواب لدى الأم المسؤولة عن تربية أطفالها والأب المسؤول عن تنشئة أولاده·· فيوم كان الولد عضيد أبوه والبنت جليسة أمها والإنسان صنيعة الأسرة والمجتمع قائم على التعاون والتراحم ثم المؤثرات الوجدانية من خلال (السنع) واللعب مع الكائن الحي سواء حيوان نبات ماء طين، كل هذه تتطلب مهارة صبر ورحمة؛ لأنها سوف تتدرج هذه العلاقة بين الطفل، وهذه المكونات البيئية من اللعب إلى العناية إلى الإلفة''· وتضيف: ''تلك بعض المصادر الأولية التي كونت ثقافة ذلك الجيل الناشئ، أما اليوم فثقافته تختلف كل الاختلاف؛ لأن هذا الطفل يلعب بألعاب ليس فيها حياة، ولا أخذ وعطاء فاختلفت الأدوار وتغيرت الوسائل، فصار التلفزيون والكمبيوتر ومحادثات (الشات) والألعاب الإلكترونية هي القدوة! على الرغم من أنهم بعيدون كل البعد أن يكونوا قدوة حسنة''· قوالب تراثية تشير الظاهري في معرض حديثها إلى ما كان سائداً من تقاليد خلال حياة الأجداد، فتقول: ''لقد كان (المسجد والمجلس والبحر والنخل والبرزة والجافلة والسفينة والمطوع والدكان والمحرقة) قوالب تراثية وبيئات أخلاقية شكلت أعظم مصانع خرّجت رجال ذلك الزمن وميّزت شعب الدولة· ونحن اليوم خائفون -من هجمة التقليد الأعمى- على قيمنا التراثية، ونبحث عن وسيلة للحفاظ عليه وممارستها؛ لأن في الممارسة الديمومة والبقاء لتراثنا، عبر سجل تاريخي يوثق عراقة هذا الشعب الأصيل· إذاً التراث له استمرارية تحملها الأجيال من خلال الممارسة اليومية التي يعيشها أفراد المجتمع صغاراً وكباراً منذ ما قبل الولادة إلى ما بعد الممات في سلسلة ممتدة عراها القيم النبيلة والمثل العليا التي تسابق إليها أجدادنا لنيل شرف التحلي والعمل بها''· الدور التربوي تشير الظاهري إلى نتائج إهمال الوالدين ''كأننا اليوم نتسابق للتخلي عن مسؤولياتنا تجاه حفظ تراثنا المعنوي، وأتساءل: لماذا؟ ولمصلحة من يتم هذا؟ الأب والأم اللذان تركا التربية والتنشئة للآخرين وأصبح دورهما يقتصر على الإنجاب وكأنهما لا يعلمان أم هما غافلان عن أن (الولد هب من يابه الولد من رباه)، وهذا المثل يختصر كل الكلام في التربية· سؤال مهم وجوابه محزن لدرجة السكوت من الهم والغم، والجواب شخص واحد له عدة أسماء، وذلك حسب أفق الأم الثقافي! فصارت مدبرة المنزل (الشغالة) هي المربية والمعلم غير المؤهل لهذا الدور الذي تنازلت عنه الأم طائعة مختارة، حيث قد يختلف هذا الشخص عنا نحن في العقيدة واللغة والعادات والتقاليد والخلفية الثقافية والظروف البيئية التي قدم منها''· تستدرك لتضيف قائلة: ''إذاً هذا الشخص غير صالح بكل المقاييس للقيام بهذا الدور التربوي للصغار في أهم الفترات التي يتشكل فيها وجدانهم وملكاتهم الإدراكية ومهاراتهم الحياتية، والتي اختارها الوالدان لترك ابنهما، وهو شبه عجينة في يد الآخر لتشكيلها! وكأنه لا يكفيه حليب (القواطي) عوضاً عن درة أمه حتى يبتلى بشغالة، والتي من اسمها الوظيفي أنها للشغل وليس التربية، وهي بعيدة كل البعد من جميع النواحي عن تراث هذا المجتمع· فمنذ تلك الفترة المهمة (اليوم الأول لولادته إلى عشر سنوات) نسأل: ماذا تعلم من تراثه؟ ومن علمه في هذه الفترة؟ وما الذي اكتسبه؟ بعدها نسأل عن ارتباط هذا الطفل بتربيه التراثية المحلية''! تفعيل الأدوار وتقترح بعض الحلول، من بينها ما تشير إليه بقولها: ''نحتاج اليوم إلى حل سريع وفاعل من الجميع أفراد والمؤسسات''، ونقول: ''يا أم يا أب يا أسرة يا مجتمع: كونوا فريقاً واحداً لتفعيل الموروث التراثي الأصيل·· فنحن بحاجة إلى غرس القيم وشحذ الهمم لتنمية بشرية متحصنة بدينها متمسكة بعادتها وتقاليدها متسلحة بالعلم الذي يلبي حاجة البشرية للأمن والأمان دون الإخلال بتوازن هذه الشخصية التي يعول عليها لعبور هذه الأمة إلى المستقبل المنشود الذي ثوانيه لا تنتظر من يتخلف عن المقدمة وليس الركب فقط· كذلك نحن بحاجة لتفعيل التراث وأدواره وارتباطه بالهوية الوطنية لطفل اليوم رجل الغد بصورة أكبر وأشمل، فالتراث ليس وصفة دوائية نسقيها لأجيالنا حتى نحصنهم ضد السلوكيات الوافدة، بل يفترض أن يكون مادة بين دفتي كتاب ندرسهم إياها فتبقى ذكريات وقصصاً تروى، ويصير كذلك منهج حياة وممارسة حياتيه يومية لمجتمع متمسك بعاداته وتقاليده ومفعل لتراثه، يثب إلى المستقبل بخطى واثقة''· وتبدي الظاهري عزمها من خلال موقعها كباحثة اجتماعية في التراث الشعبي، على مواصلة دراساتها ومحاضراتها -أسوة بأقرانها الباحثين والباحثات- في سبيل التوعية بأهمية بناء شخصية لدى الطفل تقوم على أسس الانتماء بكل معانيه السامية، لبناء جيل ملتزم بموروث وطنه على كل الأصعدة، خلال المضي به إلى المعاصرة''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©