الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المنافقون» ..عملة كل عصر وزمان يكون فيه لأهل الحق قوة وسلطان

16 أكتوبر 2014 21:25
خرج المنافقون ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبدالله بن أبيّ: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فذهب فأخذ بيد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال مرحباً بالصديق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله في الغار، الباذل نفسه وماله، ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال مرحبا بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله. ثم أخذ بيد علي، كرم الله وجهه، فقال مرحباً بابن عم رسول الله وختنه، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله، ثم افترقوا فقال عبدالله لأصحابه كيف رأيتموني فعلت؟، فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت فأثنوا عليه خيراً، فرجع المسلمون إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك، فأنزل الله تعالى قوله: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ *اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، «سورة البقرة: الآيتان 14 و15». قال الإمام ابن جرير الطبري، هذه الآية نظيرة الآية الأخرى التي أخبر الله جل ثناؤه فيها عن المنافقين بخداعهم الله ورسوله والمؤمنين. «ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر»، ثم أكذبهم تعالى ذكره بقوله: «وما هم بمؤمنين»، وأنهم بقيلهم ذلك يخادعون الله والذين آمنوا، وكذلك أخبر عنهم في هذه الآية أنهم يقولون للمؤمنين المصدقين بالله وكتابه ورسوله بألسنتهم، آمنا وصدقنا بمحمد وبما جاء به من عند الله، خداعا عن دمائهم وأموالهم وذراريهم، ودرءا لهم عنها، وأنهم إذا خلوا إلى مردتهم وأهـل الشر والخبث منهم ومن سائر أهل الشرك، قالوا لهم «إنا معكم»، على دينكم وظهراؤكم على من خالفكم فيه، وأولياؤكم دون أصحاب محمد. قال ابن عباس، كان رجال من اليهود إذا لقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم، قالوا إنا على دينكم، وإذا خلوا إلى أصحابهم، وهم شياطينهم، قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون. وشياطينهم من اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول،، وكذلك رؤوسهم في الكفر والشر، وأصحابهم من المنافقين والكفار والمشركين، وقال ابن جريج، إذا أصاب المؤمنين رخاء قالوا نحن معكم، إنما نحن إخوانكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم استهزأوا بالمؤمنين. مصانعة وتقية وقال ابن كثير، وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا آمنا، أي أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة، غرورا منهم للمؤمنين ونفاقا ومصانعة وتقية، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم، وإذا انصرفوا وذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم من سادتهم وكبرائهم ورؤسائهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين، الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول- وتكون الشياطين من الإنس والجن- قالوا إنا معكم إنما نحن نستهزئ بالقوم ونلعب بهم، ساخرون بأصحاب محمد، فقال تعالى جواباً لهم ومقابلة على صنيعهم: (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون). فقد أخبر أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)، «سورة الحديد: الآية 13»، يستهزئ بهم فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا من عصمة دمائهم وأموالهم خلاف الذي لهم عنده في الآخرة من العذاب والنكال، يمدهم في ضلالهم وكفرهم الذي غمرهم دنسه، وعلاهم رجسه، يترددون حيارى، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا، وقد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى، فلا يهتدون ولا يبصرون رشدا. وقال صاحب تفسير «المنار»، هذه الآيات في وصف هذا الصنف من الناس، إنه يوجد في كل أمة وملة وفي كل عصر، عامة تصور حال أفراده في كل زمان ومكان، فهو وصف قد يختص ببعض أفراد هذا الصنف ممن كان في عصر التنزيل، جاء بعد الأوصاف العامة وحكي بصيغة الماضي، ليكون كالتصريح بتوبيخ تلك الفئة التي بلغت من التهتك في النفاق والفساد في الأخلاق أن تظهر بوجهين، وتتكلم بلسانين. استهزاؤهم مردود إليهم وهذه الفئة توجد في كل عصر وزمان يكون فيه لأهل الحق قوة وسلطان، والحكاية عنها بصيغة الماضي والواقع لا تنافي ذلك، لأن «إذا» تدل على المستقبل، وإنما اختيرت صيغة الماضي لتوبيخ أولئك الأفراد وإيذائهم بأن بضاعة النفاق لا تروج في سوق المؤمنين، وأن استهزاءهم مردود إليهم ووباله عائد عليهم، كان أولئك النفـر يدهنــون فـي دينهم. فإذا لقوا المؤمنين قالوا آمنا بما أنتم به مؤمنون، وإذا خلوا إلى شياطينهم من دعاة الفتنة وعمال الإفساد وأنصار الباطل الذين يصدون عن سبيل الحق، قالوا إنا معكم على عقيدتكم وعملكم، وإنما نستهزئ بالمسلمين ودينهم، فكشف القرآن عن هذا التلون وهذه الذبذبة. وقابلهم عليها بما هدم بنيانهم وفضح بهتانهم، فقال «الله يستهزئ بهم»، أنه يمهلهم فتطول عليهم نعمته، وتبطيء عنهم نقمته، ثم يستدرجهم بما كانوا يعملون، ويمدهم في طغيانهم يعمهون، والعمه عمى القلب وظلمة البصيرة، وأثره الحيرة والاضطراب، وعدم الاهتداء للصواب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©