الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علي العبدان.. خارج التوقع

علي العبدان.. خارج التوقع
20 سبتمبر 2012
تكشف الأعمال الأخيرة للفنان التشكيلي الإماراتي علي العبدان عن ضروب من الترحال البصري والشغف الإستعادي لما يمكن أن نسميه: “الذاكرة الإيقاعية للتراث”، وهي الذاكرة المشتبكة بهيامات منسية ولكنها تطرق باب الروح برفق، وتنسل إلى واقع خشن ومصمت ومقفل، كي تشيع فيه سحر النوستالجيا المفتقدة، وكي تحتفي باستعارات الماضي وما يختزنه هذا الماضي بالذات من جلال وسطوة وألفة أيضا. رغم الانقطاعات الطويلة في تجربته الممتدة إلى عشرين عاما والمنطوية على الكثير من التجارب والمراجعات النقدية والأسفار المرهقة في أقانيم ومذاهب واتجاهات الفنون المعاصرة، إلا أن العبدان وكما هو واضح من طبيعة ومواضيع أعماله الأخيرة، بات مطمئنا إلى تفسيره الشخصي للأنساق الجمالية والحميمية المتوارية في المنظومة الذهنية والعاطفية للتراث، ولعل اشتغال العبدان أو انشغاله بعدة مجالات إبداعية في ذات الوقت مثل الرواية والموسيقا والفلكلور الشعبي والسينما والنقد التشكيلي، إنما يعود إلى هاجس متراكم لديه حول ضرورة أن يكون الفنان خارج سيطرة: “النمط” أو “النموذج”، وان يكون متحررا أيضا من”العزلة الاستعراضية”، ومن التناقض اللفظي والتوصيفي لهذا المصطلح، وحتى في تمرده على هذه العزلة المصطنعة، فإن مغامرة العبدان في اتجاهات ومسارات إبداعية مختلفة ومتضادة أحيانا، هي مغامرة محسوبة أو قل أنها متوازنة، لأن مطلبها الأساس وغايتها الأولى إنما تتمثل في التغذية العكسية وإرواء عطش الفن في داخله رغم تعدد روافد ومنابع وأمواج ومرجعيات الأرخبيل السوسيولوجي والثقافي المحيط به والمطبوع في تفاصيل وتقنيات ومواضيع لوحاته أيضا. في الحوار التالي يحدثنا العبدان عن أعماله الأخيرة وخياراته الأسلوبية وأسباب تمرده على الفنان حسن شريف رائد التيار الفني المعاصر في الإمارات، وغيرها من التفصيلات المضيئة لتجربته مع الفن والحياة معا. يشير العبدان بداية إلى أن تجربته الفنية التي انطلقت قبل عشرين عاما شهدت الكثير من الانتقالات والتنويعات والانقطاعات أيضا، وهي تجربة كما أشار توزعت على اتجاهات عدة مثل الكاريكاتير والرسوم الزيتية والأعمال السوريالية والتكعيبية والطبيعة الصامتة والأعمال المفاهيمية التي انحاز لها لفترة طويلة، ولكن عندما طغت هذه الإعمال المفاهيمية أو التركيبية على المشهد التشكيلي في الإمارات وأصبحت هي السائدة والمسيطرة على الاتجاهات والتيارات الفنية الأخرى في المكان، ارتأى العبدان كما قال: “الخروج من سطوة التيار الأقوى والأكثر شيوعا” من أجل الوصول إلى منطقة فنية مستقلة وناجية من هذه التبعية الملزمة لاطروحات وأفكار الفنان حسن شريف ولمريديه من الفنانين الشباب ومنهم العبدان نفسه والذين تقمصوا شخصية أستاذهم ـ كما قال ـ ولم يستطيعوا الخروج من عبء هذه التبعية وشروطها. وبالتالي كما أوضح العبدان فإن الخروج من هيمنة الأفكار المعاصرة كانت أشبه بالخلاص الفني بالنسبة له من أجل الدخول في مغامرات فردية مستقلة لا تنتزع الفنان من جذوره ولا تقصيه عن ماضيه، وفي نفس الوقت لا تجبر الفنان على تكرار التجارب السابقة واستنساخها. وفي سؤال حول تصديه لهذا الخيار الصعب المتمثل في إعادة إنتاج الماضي بأدوات معاصرة ومن خلال وعي منقطع ظاهريا عن هذا الماضي، أشار العبدان إلى أنه لا يمكن التنبؤ بأعماله لأنه لا يتمسك بطريقة عمل واحدة، وقال إنه استحضر في أعماله الأخيرة مقاربات وأصداء الماضي القادرة على خلق حوار بصري وعاطفي مع الجمهور، ولكنه استعان في ذات الوقت بتقنيات معاصرة مثل الكولاج، كما أدخل في هذه اللوحات التراثية تحويرات شكلية هي أقرب للتكعيبية والسوريالية ولكن من دون تأثير كلي أو مباشر لهذين الأسلوبين على لوحاته، كما في لوحته التي استقى فكرتها من عمل للفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه، وأطلق عليها عنوان: “مصاصر” والتي تعني باللهجة المحلية الحديث بصوت خافت، حيث قام بعرض مفردات المقهى الشعبي القديم، مع دمج وجه الشخصيتين الرئيسيتين وكأنما في حالة التحام وامتزاج مفرط في مدلوله وصورته، من أجل إبراز المعنى الاصطلاحي لعنوان اللوحة، وكسر حدّة الواقعية فيها. وأكد العبدان أن أعماله الجديدة لا تنقل المحتوى الفلكلوري للتراث ولا تنتصر لتأثيره الانطباعي المباشر المتوائم مع الذائقة السياحية مثلا، ولكنه يضخ في لوحاته رموزا وإشارات قابلة للتأويل والقراءة المتعددة كما في لوحته: “ قدو رومانسي” ـ والقدو في اللهجة الإماراتية تعني الأرجيلة المصنوعة من الفخار ـ حيث نرى الزوج والزوجة يستخدمان ذات الأرجيلة ولكن من جهتين متقابلتين لإبراز قيمة التواصل العاطفي بينهما، وكما في لوحته: “الأرمل” التي تحمل زخما تأثيريا ومعبرا عن معنى الفقدان أو الخسارة الذاتية، أو في لوحة قدمها بعنوان: “الحياة” التي تجتمع فيها الوردة والمطرقة داخل إناء واحد، حيث تتلاقى فكرة العنف مع السلام، والكراهية مع المحبة والرقة مع القسوة، وهي ثنائيات كما قال العبدان: “متضادة ولكنها تلخص محطات مررنا بها جميعا في حياتنا وصدّرناها للآخرين أيضا في يوم ما”. وحول تصديه لنقد الأعمال التشكيلية لفنانين من تيارات مختلفة في الإمارات، وإمكانية تأثير هذا الهاجس النقدي على عمل الفنان نفسه، أشار العبدان إلى أنه أصدر قبل عامين كتابا بعنوان: “القرن الجديد” تضمن قراءات ومتابعات لاتجاهات الفن التشكيلي في الإمارات بعد العام 2000 انطلاقا من فترة الثمانينات وما قبلها، وأكد العبدان أنه أراد من خلال هذا الكتاب أن يخرج من نطاق الاتجاه النقدي الأحادي الذي أسس له الفنان حسن شريف والذي اقتصر فقط على قراءة الأعمال المفاهيمية المعاصرة في المشهد التشكيلي المحلي، بينما هناك أعمال تنتمي لاتجاهات فنية أخرى لكنها لم تنل نصيبها من التحليل والنقد، ونوه العبدان إلى أن الأصل في العمل النقدي هو التعاطف مع الشكل الفني حتى لو كنت مختلفا معه، وقال: “لا يمكنك قراءة العمل الفني بشكل محايد ومتزن وعقلاني إذا كنت في حالة عداء معه”. وأوضح العبدان أنه دائما ما يحاكم أعماله وينتقدها ذاتيا خصوصا تلك الأعمال التي خصصها لمزادات البيع في المعارض المخصصة لهذا الغرض والتي يغلب عليها الحماس التزييني وسرعة التنفيذ على حساب الوعي الفني، وقال أنه بصدد استرجاع بعض اللوحات التي لم يتوقع بيعها كي يتلفها ويعوض أصحابها بلوحات أكثر انتماءا لمزاجه الفني. وفي سؤال حول اتجاه بعض الفنانين لإنتاج أعمال مخصصة فقط للبيع في المزادات الفنية، أشار العبدان إلى إن الظروف المادية الصعبة التي يمر بها الفنان ـ وهي ظروف مرّ بها العبدان نفسه كما قال ـ تجبره أحيانا على الانصياع لشرط السوق، وهي أعمال كما أوضح تحمل قيمة تجارية ولكنها قد تتوفر أيضا على قيمة فنية دون أن تكون هي القيمة الملزمة او النهائية للفنان. وعن سبب توقف مشروعه الخاص بإنتاج أعمال نحتية بعد أن شرع في وضع المخططات الأولية لهذا المشروع، أشار العبدان أن اهتمامه بالنحت يعود إلى فترة مبكرة من حياته عندما أهداه جده وهو طفل علبة من الصلصال وقام بصنع منحوتات صغيرة متقنة في تكويناتها وأبعادها، ومن هنا ـ كما أوضح ـ جاء افتتانه بجماليات البعد الثالث في العمل الفني، والتي تتجلى بشكل واضح في الأعمال النحتية التي وضع مشروعا طموحا للاشتغال عليها وتنفيذها ولكن لعدم توفر مسبك للبرونز في الإمارات، وبالتالي لم يستطع إكمال هذا المشروع الجديد والمختلف في إطار تجربته الفنية المتعددة الأنماط والمشارب الاتجاهات، والمفتوحة مستقبلا على مغامرات أكثر جرأة وتحديا لواقع الفن. العبدان في لائحة «التنافسية» اختير الفنان علي العبدان مؤخرا ضمن لائحة الشرف التي ضمت 15 فنانا من الإمارات، ضمن اختيارات “مجلس الإمارات للتنافسية”، وهي هيئة اتحادية مهامها دعم القدرة التنافسية لدولة الإمارات لتحقيق رؤية 2021 لتصبح الإمارات أحد أفضل البلدان في العالم، ويعد مجلس الإمارات للتنافسية مركزا لدعم وتشجيع الباحثين والمبدعين والموهوبين من أبناء الدولة. ووصف الكتاب الذي أصدره المجلس وحمل عنوان: “الفنانون الإماراتيون ـ تعابير مجتمع إبداعي” الفنان علي العبدان بأنه: “نموذج مثالي للجيل الجديد من الفنانين الإماراتيين الذين يتحلون بالجرأة، فهو يستقي أعماله من القصص الإماراتية القديمة، ومن مواضيع عامة تتعلق بالإنسانية، وهو حريص على التراث الوثائقي ولذلك يفضل أن يكون فنانا شاملا وناقدا لذاته والآخرين، وحصد كتابه النقدي “القرن الجديد” في عام 2010 جائزة أفضل كتاب لمحتوى إماراتي ضمن معرض الشارقة الدولي للكتاب”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©