الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكمبيوتر.. أسقط الرجل المهم

الكمبيوتر.. أسقط الرجل المهم
16 أكتوبر 2014 21:15
أحمد محمد(القاهرة) غريب أن تقتحم الشرطة المكتب الفاخر لهذا الرجل المهم، ذلك المكتب الذي لا يدخله إلا الكبار وعلية القوم، بل والكثير من المسؤولين، تربطه بهم إما علاقة صداقة وإما عمل، وليس بينه وبينهم ما يريب على الإطلاق، لذلك كان المشهد يثير الكثير من التساؤلات التي لا تجد إجابات، فقد جاءت عدة سيارات بوليس منها ما هو معروف بشكلها التقليدي ومنها ما كان مثل السيارات الخاصة، توقفت في لحظة واحدة وخرج منها رجال منهم من يرتدون الزي الرسمي، ومنهم الذين يرتدون الملابس المدنية المعتادة، ترجلوا بضع خطوات حتى مدخل البناية، في البداية لم تكن هناك شكوك حول الرجل، بل ما تبادر إلى الأذهان أنهم جاؤوا في ضيافته أو لإنجاز بعض المهام، وعلى عكس ما يفعل رجال الشرطة في المداهمات حيث تتميز حركتهم بالسرعة والمباغتة، وينتشرون في المكان ولا يسمحون لأحد بالاقتراب، ويظهر من تصرفاتهم الحيطة والحذر بشدة، لكن الآن يسيرون ببطء ويدخلون بخطى عادية، لكن في نفس الوقت طوقوا المكان كله، لذلك اتجهت العيون كلها نحو ما يحدث. انجلاء الحقيقة تقدم ضابط يرتدي الملابس المدنية ودخل المكتب الزجاجي وقدم نفسه للرجل الذي كان يجلس على المكتب الوثير، وتسبقه غرفة فسيحة للسكرتارية تم التنبيه على كل الحاضرين وأكثرهم من الفتيات، وتم إصدار الأوامر لهم برفق بأن يبقى كل منهم في مكانه، ففطنوا أن الموقف مريب والأجواء ضبابية وغير واضحة، لم يجرؤ أحد بالطبع على طرح أي سؤال، واكتفوا بمراقبة ما يحدث إلى أن تنجلي الحقيقة، وإن لم يرد على خاطر أي منهم أن يكون هذا الرجل المهم هو المقصود بشخصه وبشحمه ولحمه، واعتقدوا أن هناك أمراً آخر قد يكون هذا الرجل طرفاً إيجابياً فيه، وليس متورطاً في جريمة بأي شكل لأنه ليس من الوجوه التي يمكن أن تحوم حولها الشبهات، ولم يكن لنشاطه أي اتجاه مريب. عندما اقترب الضابط منه وقف الرجل مستنكراً كيف دخل هؤلاء إلى عرينه على خلاف ما يحدث في كل مقابلاته إذ يتعمد أن يجعل كل زواره مهما كانوا أن ينتظروا كثيراً من الوقت ليظهر أنه فعلا مهم وليضفي على نفسه هالة من الضوء تزيغ أمامها الأبصار، لذلك عندما وقف بجانبه استشعر أن هناك خطأ في الأمر، وهمس الضابط في أذنه بأن يخرج معه بلا كلام حتى لا يحرج نفسه أمام المستخدمين الكثيرين في امبراطوريته الاستثمارية، وحتى لا يحدث هرج ومرج في المكان، لكن الرجل لم يستجب وانتفض رافضاً وأمسك بهاتفه المحمول وحاول أن يجري بعض الاتصالات بمعارفه من المسؤولين، غير أن الضابط لم يمهله ونظر إليه نظرة ذا مغزي جعلته يدرك أن الأمر جد خطير، واصل الضابط حديثه إليه مكرراً ما قاله له من قبل مع تحذير جديد بأنه لا داعي للضوضاء التي قد تسفر عن فضيحة على الملأ له وهو ربما يكون في غنى عنها، ومد يده لينتزع منه هاتفه المحمول، وكان هذا وحده كافيا ليدرك الجميع أن هناك ما يجعل الجميع يحدقون وكلهم شغف لمعرفة الحقيقة. فضول المعرفة لم يكن أمام رجل الأعمال إلا أن يطلب من الضابط متسائلًا هل معه إذن من النيابة كي يقتحم مكتبه ويقبض عليه، فابتسم الضابط ابتسامة خفيفة لأنه فطن ما يرمي إليه الرجل، وأجابه بنعم وأبرز له الإذن وقدمه له، وعندما امسكه بيده توهم أن الفرج قد جاءه من السماء، فهذا الشخص المدون اسمه في إذن النيابة يختلف عن اسمه المعروف هنا، وأخرج بطاقته الشخصية وقدمها للضباط وهو يؤكد أنه رجل شريف وأن هناك خطأ وليس هو المقصود، لكن الضابط أعاد الابتسام بتهكم هذه المرة وقال له أعلم ذلك، لكن مازلت أكرر لك لا تدعي الذكاء فانت تعرف أن هذا الاسم المدون في البطاقة ليس اسمك وأن اسمك الحقيقي هو الصادر به إذن النيابة، فأعاد الرجل اعتراضه محاولا أن يصحح المعلومات، فاضطر الضابط أن يتأبط ذراعه ويتجها به خارجاً نحو الباب، فازداد الفضول عند العاملين لديه يريدون أن يعرفوا تفاصيل ما يحدث لكن لم يجدوا من يجيبهم، وخرج الجميع ليضعوا الرجل في السيارة مثله مثل أي متهم يمكن القبض عليه وإن كانوا يعاملونه باحترام رغم محاولته المراوغة والتمرد، كل ما تفوه به أنه أمر سكرتيرته أن تطلب محاميه ليلحق به. في السيارة وهم في طريقهم إلى قسم الشرطة، كان الصمت هو سيد الموقف لا أحد يتكلم ولو بكلمة واحدة، الرجل أخرج سيجارة واشعلها بشكل عصبي وهو ينفث دخانه في الهواء فقد فطن للجريمة الكبرى والجرائم التي ارتكبها من قبل، ربما أدرك أنه الآن في طريق بلا عودة، لذا فقد كف عن الكلام إلى أن يجد مخرجاً قانونياً، يفكر في كيفية التخلص من هذه الورطة الكبيرة التي حسب لها كل الحسابات وتوهم أنه أفلت منها، شعر بغصة في حلقه وقد جف ريقه، وقد جاءت اللحظة التي كان يخشاها واعتقد أنها لن تأتي، بينما هو يتعامل مع حقيقة لا مفر منها وقد تحتاج إلى معجزة. توق نحو الثراء كان محضر التحريات والمعلومات جاهزاً، ولم يبق إلا استكمال القليل من الإجراءات القانونية، وهي أتبات القبض على المتهم، وتم نقله إلى النيابة، لتظهر الحقيقة وتتكشف وهي ليست مفاجأة للرجل بل هو يعرفها بكافة تفاصيلها وتواريخها، فالأوراق الرسمية تنطق بذلك، فقد كان «شاكر» وهذا اسمه الحقيقي شاباً طموحاً يتوق نحو الثراء الفاحش ويحلم بسيارة فاخرة وفيلا فسيحة وشركات ومصانع، وقد اضطر للاقتراض من البنك، ليقيم بناية صغيرة على قطعة الأرض التي يمتلكها، ومن ثم يبيع بعض الوحدات منها ولا يحلم إلا بشقة واحدة فيها، ومحل يمارس من خلاله أي نوع من التجارة، وقد حصل بالفعل على القرض بضمان الأرض نفسها، وحدث ما لم يخطط له ولم يكن في حساباته، فبمجرد أن بدأ العمل وقبل أن يضع الأساسات، انهالت عليه العروض من الزبائن يريدون حجز شقق في هذه البناية التي لم ترتفع بعد ولم تظهر إلى الوجود، مما جعله يبالغ في الأسعار التي سيبيع بها ويحصل على مبالغ مالية كمقدمات، وبدلا من أن يقيم البناية على ستة طوابق فقد قاده الطمع ليزيد عليها مثلها غير مهتم بالنتائج التي يمكن أن تنتج جراء هذا التصرف. كان القانون وقتها -قبل تعديله – يسمح بالتصالح في هذه المخالفات حتى لا يخسر المالك ما أنفقه من أموال في البناء، لكن هذه المصالحات حولت المخالفات إلى ظاهرة، كثيرون لجأوا إليها لأنها تدر عليهم أرباحا طائلة، وهكذا سار شكري في هذا الطريق المعوج، يحصل على الأموال وينتقل من بناية إلى أخرى ويتحصل على الآلاف من الدولارات كأرباح، ويقوده الطمع فتقول نفسه هل من مزيد، ليس هذا فقط بل إنه بدأ يخدع المواطنين الذين يريدون شراء وحدات سكنية في بناياته التي انتشرت هنا وهناك، لجأ إلى حيلة شيطانية، فيبيع الشقة لأكثر من شخص فكل ما يفعله أنه يحرر عقودا، مجرد ورقة لا قيمة لها ويحصل على الثمن كاملا، انشغل بجمع المال من حله وحرامه، يخدع البسطاء ولم يكن أمره ليظل سرا، فقد كان يماطل ويتلكأ في تسليم الوحدات، وبدأ الحاجزون يطالبون إما بتسلم الشقق وإما باسترداد أموالهم وأخيرا اكتشفوا الحقائق المرة، أموالهم ضاعت في الهواء، والرجل الذي كان يتعامل معهم اختفى. درء الشبهات اضطر الضحايا إلى اللجوء للشرطة للحصول على حقوقهم، وهنا بدأت ملاحقة شكري الذي لم يعد له وجود وذاب مثل الملح في الماء، صدرت أحكام قضائية تدينه بالنصب والاحتيال، عشرات بل مئات الأحكام زاد مجموعها عن الثلاث مئة سنة حبسا، أصبح مطارداً بعد أن جمع الكثير من الأموال، لكنه أكثر ذكاء وانتقل من المدينة التي كان يقيم فيها بمنطقة نائية، إلى مدينة كبرى لا يعرفه فيها أحد، قرر أن يغير نشاطه تماماً، اتجه إلى العمل في التجارة والاستيراد والتصدير، ومن خلال هذا النشاط كانت له علاقاته برجالات مسؤولين، بحكم تعاملاته من خلال العمل، استغل هذه العلاقات وتاجر بها من وراء ظهور أصحابها. لم يكن أحد يعرف أن اسمه شكري فقد اكتفى بأن يناديه الناس ومن يتعاملون معه بلقب «الحاج»، وإن اضطروا إلى غير ذلك فقد تعامل باسم مختلف تماما، حتى في الأوراق الرسمية فقد قام باستخراج بطاقة هوية مزيفة حتى لا يتعرف عليه أحد عند التعامل مع الجهات الرسمية، بل وأضفى على ذلك شرعية من خلال الزواج من فنانة مشهورة حتى يدرأ الشبهات أكثر، وإن لم يستمر زواجها لأكثر من عامين لكنه حاول أن يستثمر ذلك كما يستثمر الأموال ليمنح نفسه نوعاً من الحصانة وإن كانت وهمية، وقد حاول أن يكرر الزواج من فنانة أخرى، لكنها لم تقع فيما وقعت فيه سابقتها حيث تزوجها عرفيا، فرفضت ذلك وأصرت على أن يكون الزواج موثقا، فوافق على مضض، وقد كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير فقد كشف الكمبيوتر ألاعيب الرجل وأن اسمه الوهمي لا وجود له في الأوراق الرسمية، وتوالت المعلومات الصادمة بعد ذلك، إلى أن تم القبض على شكري ليواجه السجن لعدة قرون!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©