الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البقالات·· تبيع بالآجل وتنتظر عطف الزبون عليها

البقالات·· تبيع بالآجل وتنتظر عطف الزبون عليها
9 مارس 2009 01:59
''شبيك لبيك مارد المصباح بين يديك'' ومن هو علاء الدين وما هو مصباحه إنهم هؤلاء الشباب الصغار الذين يعملون في بقالات المدينة ويلبون طلبات السكان بلمسة زر الهاتف· هذه الخدمة الفورية والمريحة تمتاز بها مدن الإمارات عن غيرها من المدن العربية التي لا تتوفر فيها مثل هذه الخدمات السريعة· ومن الطريف أن لي صديقة تصحو بالتقسيط ولا تتذكر ما تحتاجه إلا بالتقسيط المريح أيضاً· عندما تنهض صباحا ترفع سماعة الهاتف وتطلب الجريدة من البقال، وقبل أن تقرأ العناوين تتذكر أنها بحاجة إلى سكر لتحلية فنجان القهوة، وقبل أن تصب الفنجان تتذكر أنها بحاجة إلى باكيت دخان، والهاتف جاهز للطلب دائما· هذه الصورة الطريفة التي يمكن أن تحدث يوميا وبأشكال مختلفة، يقابلها مشاكل غير سارة بين البائع والشاري، أي صاحب البقالة وجاره المستهلك· وأثناء جولتي بين عدد من بقالات المدنية، فوجئت بشاب يدخل فيتناول ربطة من الخبز ثم يرفعها في وجه البائع وكأنه يقول له: ''سجل'' ويخرج· وفي سوبر ماركت آخر دخل طفل في حدود السابعة من عمره أخذ لفافة من القطن وقطعة من الحلوى وقال: ''سجل''! وقبل أن يتمكن من الإجابة على أسئلتي، رن الهاتف بطلب بطاقة اتصالات وفي الحال أوصلها الشاب لمن طلبها وعاد فارغ اليدين من دون أن يحصل على ''خفي حنين''· فسارع صاحب البقالة إلى قلمه الأحمر وسجل الطلب، مصحوبا بتنهيدة وكأنه يخفف عن الغصة المزعجة، ثم التفت إلي وقال يكفي أن تسجلي هذه المشكلة· يقول: عبدالله كنت في الثالثة عشرة، يوم بدأت هذا العمل مع والدي، الدخل ما زال نفسه ولكن الحياة كانت أبسط وأحلى· واليوم، وبعد 27 سنة وأنا في هذا العمل· أرى أن الحياة صارت صعبة والعلاقات بين الناس لم تعد مريحة كما كانت في الماضي· وبعد الأزمة الاقتصادية في العالم، لم تعد الأسعار مستقرة كما لم تعد السلع بنفس النوعية والجودة، ونحن مضطرون لشراء كثير من السلع نقدا، بينما نبيع أكثرها بالدين: ''سجل ياعبدالله''! وهذا صار غير مناسب، لأن بعض المستهلكين لم يعودوا قادرين أن يسددوا ما عليهم حسب الاتفاق الذي تم بيننا بأن يدفع الشاري في أول كل شهر· ولكن هناك من صارت ديونه بالآلاف، وكلما طالبناه بتسديد الحساب يؤجل من شهر إلى آخر، والمبلغ يزيد عليه· ونحن أيضا عندنا مصاريف يتوجب علينا دفعها، وعندنا أجور عمال يقومون بالخدمة مجانا· ـ وما الحل برأيك؟ أنا خففت الدين، ورأيت أن من الأفضل أن ينخفض دخلي إلى الثلث أو الربع ولا أقع في مشاكل مع الناس حتى لا ألجأ إلى المحاكم· والمؤسف أن البعض في هذه الظروف الصعبة ينتهي عمله ويسافر بدون أن نعلم، وتضيع علينا المبالغ المستحقة على مثل هؤلاء· وفي بقالة عارف اختلطت كثرة الشكاوى: بعض الناس يدفعون كل أسبوع، وبعضهم كل شهر وآخرون كل عدة أشهر، ثم تحول الأسبوع إلى شهر، والشهر إلى ثلاثة، والبعض سافر ولم يدفع، وآخر يقول لو كان معي لدفعت، ولكن لا تعطي الأولاد في غيابي، ويسأل باستنكار: ليش صار الحساب هذا الشهر أكبر من الشهر الماضي؟· وقطع الحديث بوق سيارة فحمل عارف أكثر من بطاقة هاتف وخرج بسرعة، ثم عاد عابساً وهو يلوح بيديه: تصوري حتى بطاقات الهاتف لأصحاب هؤلاء السيارات يأخذونها بالدين، وإذا تأخرنا نصف دقيقة لا نسلم من اللوم ونظرات الاستعلاء· نظرا لأنهم يبيعون بالدين، هل يرفعون أسعار المواد؟ يؤكد عارف كما أكد لي قبله عبد الله بأن أسعارهم واحدة سواء كانت بالدين أو نقدا، وإن الخدمة مقدمة مجانا من المحل، وإن دفع أحدهم إكرامية لعامل الخدمة فهي من نصيب من قام بتوصيل الطلب· وتدخل سيدة ''مدام مسالخي'' وهي مقيمة في الإمارات من مدة طويلة، أسألها ما رأيك بشراء المواد الغذائية بالدين؟ تقول: أنا لا أشتري بالدين ولا أحب الدين، إلا عند الضرورة الملحة ولمدة يوم أو يومين، ولكن بعض الناس يشترون بالدين، ربما لأنهم لا يعرفون التنظيم بين الدخل والمصرف، وبعضهم معتاد على ذلك ولا يحب أن يدفع، وهذه عادة غلط، وتضيف السيدة: ''على كل إنسان أن يمد رجليه على قد بساطه''· ويقول شعبان عبد الله: أنا أشتري نقدا عندما يكون معي، ولكن الدخل عندي أسبوعي، في بعض الأحيان أنا مضطر للدين· وسألته هل أسعار المواد التي تسجل على الدفتر نفس أسعار النقدي؟ وجاء عبدالله إبراهيم ليدفع ما عليه، سألته: كيف تتعامل مع السوبر ماركت؟ هل أنت تفضل طريقة التسجيل على الدفتر؟ قال إبراهيم: أنا آخذ كل شهر وأدفع، وبدون أن أسأل يوجد ثقة في التعامل· إن ظروف عملي تقضي أن أغيب كثيرا، لذلك هذه الطريقة تساعدني، فالأطفال ينزلون في غيابي ويأخذون ما يحتاجون، وكذلك الخادمة· أحيانا يصل الحساب ما بين 2500 إلى 3000 آلاف درهم كل شهر· يضيف إبراهيم: أنا تاجر ونحن التجار نتعامل بالثقة وهي روح التجارة حتى لو راحت علينا أموال، لكن يبقى القانون التجاري هو وجود الثقة بين المتعاملين مع بعضهم، لذلك أنا لا أتطلع على الحساب، أدفع فقط· وعند أحد المراكز التجارية التقيت محمد سعد ووائل عبد العليم من مصر، وهما يحملان ما يلزم ولكن من الجمعية· يقول محمد: أنا أفضل الشراء من المؤسسات الكبيرة وهذا أفضل، أولا: لأن التنوع موجود، وثانيا: هنا لا مجال للدين، لذلك نشتري حسب الفلوس الموجودة معي·· أنا وصديقي نفضل أن لا يكون علينا التزام بالدفع لأحد، لأن ظروف العمل أحيانا غير مستقرة في هذه الأزمة يجب أن نحسب ألف حساب للأيام· وفي نهاية الجولة، فكرت في أحوال البقالة والسوبر ماركت، لقد نشأت بين أصحابها والزبائن علاقة تجارية خاصة وكأنها ''شركات استثمارية صغيرة'' تؤدي خدمات فورية ومفيدة، وأمورها اليومية تسير بشكل بسيط وعفوي بعيدا عن الروتين والاختصاص، ولكن بعض حقوق أصحابها بحاجة أحيانا إلى ضمانة أكبر
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©