الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرفة تشكيل النحاس تعكس مهارة الصانع اللبناني

حرفة تشكيل النحاس تعكس مهارة الصانع اللبناني
2 أكتوبر 2011 01:24
ترتبط بعض المهن والحرف في لبنان، بالتراث التاريخي الذي من الصعب الاستغناء عنه، مهما شهدت هذه المهن من انحدارات وركود، والسبب أنها ترتبط بصميم الطبيعة، وصناعة النحاس المزخرف في لبنان، من الصناعات العريقة التي أبدع الفنان اللبناني فيها، عبر إبداعه بتصاميم الأواني والأطباق والأباريق، في رسوم هندسية، استخدم فيها «التطعيم» أي خلط النحاس بالفضة والذهب، إلى جانب ابتداع الوسائل والمهارة اليدوية من حيث استخدام النقش والطرق، وهذا ما عكس جودة الإبداعات لليد العاملة اللبنانية. لكل زمان نحاسه أي زائر للأسواق الداخلية في صيدا وطرابلس وراشيا، باستطاعته أن يرى عن كثب عظمة هذه المهنة، عبر معلمي «الصنعة» الذين تدل أصوات مطارقهم على النحاس على هذا السوق العريق، ويصف شريف، أحد أصحاب هذه الحرفة، صناعة النحاس، قديمها وجديدها، بالقول «في الماضي كنا نصنع الطناجر وكل الأدوات المنزلية من النحاس، لكن الطلب عليها الآن خفّ كثيراً، بسبب دخول «الألمنيوم» وتراجع الطلب على الأدوات المنزلية النحاسية، رافقه تطور في الجانب الفني للحرفة، عندما دخل عليها الحفر والزخرفة وتقنيات التراث القديم». وعن أسرار المهنة وفنونها، يؤكد أن لكل قطعة وقتاً وزمناً في عملية التصنيع، تختلف عن القطعة الأخرى، كما لكل منها مقدارها من الجهد في الصناعة. ففي كل المصالح هناك يد تختلف عن يد، وحرفة النحاس وجمالية نتاجها لا تراها لدى كل «معلمي الصنعة» فهناك صناع مختصون ومهرة، إنما عددهم قليل جداً، وكل واحد منهم يبرع بنوع محدد من صناعة النحاس، حتى بات مختصاً به في التطوير والإبداع. واكتشف النحاس منذ أكثر من عشرة آلاف عام قبل الميلاد، ويعتبر من أولى المعادن في الاستخدام والاستعمال من قبل الإنسان، وثاني المعادن بعد الحديد، وهو يدخل في تركيب السبائك التي يضاف إليها مثلاً الذهب، والعملات المعدنية (البرونز) وبعض الأجهزة والمعدات الموسيقية، والكهربائية والمجوهرات والعديد من الحرف اليدوية. أما تاريخ النحاس الفطري الذي كان يوجد في الطبيعة على هيئة قطع حمراء مخلوطة بالصخور، فهو لا يقل عن عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وبدأ استخدامه في الأغراض المعيشية والحياتية منذ حوالي ستة آلاف عام قبل الميلاد، وتم اعتبار هذا التاريخ بداية لعصر حضاري جديد في تاريخ البشرية. شخصية مميزة معلمو صناعة النحاس المزخرف في صيدا، يعتبرون هذه الحرفة من الصناعات العريقة في لبنان، فأبدعوا في فنونها ونتاجها من الأواني والأطباق والصواني، وإضافاتهم كانت في دق ورسم التصاميم الهندسية الإسلامية على هذه القطع، وأيضاً عبر استخدام تطعيم النحاس بالذهب والفضة، وكانت لمهاراتهم اليدوية الشهرة الواسعة في المواسم السياحية، على الرغم من المنافسة التي يجدونها في عمليات «الغزو» للتحف المستوردة من الخارج، وارتفاع تكاليف إنتاج الصناعات الحرفية محلياً. ويصف ياسر الكلش صناعة النحاس المزخرف بأنها من الصناعات العريقة التي تتميز بها مدينة صيدا عن بقية المناطق اللبنانية، وأيضاً بسبب إبداعات الأيدي الماهرة فيها، خصوصاً في صناعة الأواني التي أضافوا إليها رسوم التشكيلات الهندسية الإسلامية، وهذا ما أدى إلى توفير منتجات تحمل الأصالة، وتجد رواجاً وإقبالاً من قبل السياح والزوار. وحول جمالية هذه الحرفة يقول كلش إن صيدا وطرابلس وبعض القرى والأرياف، تشتهر بتصنيع مستلزمات المطبخ العربي، بالنسبة إلى الصحون والأطباق والكؤوس، وهذه جميعها مصنوعة من النحاس، والسياح يقبلون على شرائها، لتعلقهم بجمالية الرسوم والنقوش على النماذج المتعددة من المنتوجات الفاخرة، لا سيما تلك المطعمة بالذهب والفضة، وبمادة لامعة تدعى «المينا» التي تساعد على بقاء القطعة تحفة جميلة ببريقها وروعتها. ويضيف «النحاس يبقى الأجمل للزينة و»الديكور» نظراً لدقة شغله وحساسيته، واللمسات الإضافية التي يضيفها «معلم الصنعة» على القطعة، تعطيها شخصية متميزة، لأن هذه الحرفة تعتمد على الدعم الفردي والمجهود اليدوي، وتبقى هذه الحرفة مورد رزق لأصحابها، وإن كانت قد تعرضت لمضاربات ونكسات، أصابتها مثل غيرها من الصناعات التقليدية». عراقيل المهنة بعد تأسيس «بيت المحترف اللبناني» عام 1968، والذي أنشأ على أساس تشجيع الأعمال اليدوية والحرفية الخاصة بالمهن القديمة، ازدهرت بعض الصناعات وشهدت رواجاً لمنتوجاتها لدى السياح والمغتربين، ويشرح أنطوان زخيا التدابير اللازمة لحماية الحرف اليدوية، خصوصاً بعد إنشاء «بيت المحترف اللبناني» الذي يجب أن يكون عوناً وسنداً لأصحاب هذه الصناعات، خوفاً من اندثارها وتلاشيها، خصوصاً أن لبنان شهد اعتداءات وحوادث مؤسفة، دمرت ما أمكن من هذه المؤسسات، واضطر بعضها إلى الأقفال والإفلاس، عدا عن أن الأزمات المالية العالمية والاهتزازات التي لحقت بالشركات الكبرى، كان لها آثار مفجعة داخل هذا القطاع الحيوي، كما أن لارتفاع كلفة المواد الأولية واليد العاملة، تأثيراً كبيراً على تسويق هذه السلع في الأسواق المحلية والخارجية، خصوصاً أن البعض يعتبر هذه الحرفة من الكماليات. جورج سمعان يعمل في مهنة النحاس منذ 30 سنة، ويملك محال عدة في طرابلس والقلمون، يقول عن المهنة «ورثت الحرفة عن والدي الذي أتقن الصنعة وتخرج من عنده العديد من «المعلمين» والمحل القديم كان في سوق النحاسين بطرابلس، لذلك تعتبر هذه المهنة هي خيارنا ورزقنا. وبدورنا وسعنا صناعة النحاس وأضفنا إليها الأجراس وأطباق الغسيل والصواني ومناقل الفحم، وأيضاً غرف الجلوس ذات الطابع الشرقي والأدوات المنزلية بشكل عام، بما فيها القطع الحرفية للزينة، ونتميز عن غيرنا بأن تصاميم خاصة ننجزها حسب رغبات الزبائن». وحول أشهر الدول المنتجة لهذه الصناعات، يشير إلى لبنان والمغرب والهند ومصر وسوريا، لكن لبنان ينفرد بحرفية منتوجاته وسلعه من ناحية الجودة والإتقان، لأن الكثير من الدول أدخلت إليها الآلات والقوالب والكبس، فاختلفت النوعية والإبداع.
المصدر: بيروت
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©