الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعدام عروسين!

إعدام عروسين!
26 سبتمبر 2013 20:43
أحمد محمد (القاهرة)- بعد أسبوع واحد من الزواج، عاد عثمان وعروسه عنبر إلى مكتب المأذون الذي قام بعقد قرانهما، وطلبا منه اتخاذ إجراءات الطلاق، لأنهما وجدا أن الحياة بينهما مستحيلة، ليس لأنهما لا يحبان بعضهما، بل إن علاقتهما الحميمية التي استمرت ثلاثة أعوام قبل الزواج ازدادت وقويت بعد الزواج، والمشكلة التي حضرا بسببها وجعلتهما يطلبان الطلاق هي عدم قدرتهما على تحمل نفقات الحياة الزوجية بعد أن تخلى عنهما الجميع ولم يجدا أي عمل، كما أن الأسرتين رفضتا أن تساعداهما وعليهما أن يتحملا مسؤولياتهما وهما في ريعان الشباب ويمكنهما البحث عن عمل والأعمال كثيرة. دمعات العروس سالت من العروس دمعات بللت خديها ولم تمسحها لتبقى شاهدة على حالها والوضع الذي وجدت نفسها فيه على الرغم من أنفها، بينما أطرق الزوج برأسه في الأرض ليخفى الحزن الذي اكتسى به وجهه على من يراه، ولم يتسرع المأذون في الاستجابة لطلبهما، قام بنفسه وأعد لهما كوبين من عصير الليمون لعل أعصابهما تهدأ، ثم تحدث إليهما بأن الرزق بيد الله، ولن تستمر الظروف الصعبة وسيجدان مخرجا، وأن عليهما أن يأخذا بالأسباب والبحث عن فرصة عمل، كما أن الطلاق هو أبغض الحلال ولن يكون هو الحل في الوقت الراهن، وهما بذلك يظلمان نفسيهما وأظلم الظلم أن يظلم الإنسان نفسه، وعليهما أن يثقا بالله ويتوكلا عليه ولا تنهار أسرتهما الصغيرة مع أول عاصفة أو مع نسمة ريح خفيفة، وأخرج الرجل من جيبه بعض العملات الورقية ودس في يد الزوج مبلغا لا بأس به قد يكفي لأيام عدة، وودعهما وهو يؤكد ضرورة زيارته كي يطمئن عليهما. موقف نبيل قدم العروسان له الشكر على موقفه النبيل الذي لم يجداه عند أقرب المقربين منهما، مسحت العروس دموعها، بينما حاول زوجها أن يقبل يدي الرجل لكنه منعه وهو يستغفر ربه، وودعهما حتى باب مكتبه وهو يلاحقهما بدعواته ويقوم بإغلاق المكتب متجها إلى المسجد القريب لأداء صلاة العشاء، فهو يعمل وحده في الغالب بالمكتب، وليس معه إلا شاب يساعده في حمل حقيبة أوراقه ودفاتره التي يوثق فيها عقود الزواج، وقليلا ما يأتي هنا لتنظيف المكتب الصغير المكون من غرفتين وصالة ومطبخ صغير لإعداد الشاي والقهوة والمشروبات للضيوف، ومضي كل في طريقه. قال عثمان لعروسه وهو يضحك حتى كاد يسقط على الأرض، لم أكن أعرف أنك ممثلة بارعة إلى هذا الحد، كيف استطعت أن تستدري الدموع بتلك البساطة، أخشى أن تكوني تمثلين عليّ دور العاشقة كل هذه الفترة، فأجابته وهي تضحك أيضا بصوت مجلجل، أنك لا تعرف أن أيسر شيء على بنات حواء هي الدموع، يمكن أن تنساب حتى بلا سبب وليس بالضرورة أن يكون الموقف مؤثراً، ثم استقلا سيارة أجرة واتجها نحو المنطقة الشعبية التي يسكنان فيها، وفي مطعم رخيصة أسعاره تناولا وجبة لحم كانت شهية، وقبل أن يعودا إلى الشقة لم ينس العريس أن يشتري المخدرات التي اعتاد أن يتعاطاها، وعلبتين من السجائر فهو لا يكف عن التدخين طالما هو في حالة يقظة، وأول ما يبدأ به يومه فور أن يفتح عينيه بعد النوم هو تناول سيجارة ويشعلها قبل أن يقوم من رقدته. لم يكن العروسان كاذبين فيما قالاه للمأذون، إذا هما بالفعل يعانيان من أزمة مالية طاحنة، فقد بدأت علاقتهما بسبب الجيرة وعندما تمت الخطوبة لم يجد من يساعده في تأثيث مسكن الزوجية المستأجر، ولم تكن هي أحسن حالًا منه فقد تركت لها أسرتها تحمل مسؤولية احتياجاتها، فهي تعمل بائعة في محل للملابس، ولكن لسوء الحظ تغيرت الدنيا وتركت العمل وهو الآخر يعمل أجيراً باليومية، وانعكست عليه الظروف نفسها وتعطل على الرغم من أنفه. فستان الزفاف لم يكن أمامهما اختيار ألا إتمام الزواج في أضيق الحدود، ولم تكن هناك مظاهر لعرس سوى فستان زفاف إحدى صديقاتها المستعمل القديم، وهذا لا يهم كلها ساعات عدة وينتهي الأمر، وكذلك لم تكن هناك قاعة ولا حفل ولا صالون، اقتصر الاحتفال على مشاركة مجموعة قليلة من الأصدقاء والأهل والجيران بعدها انفضوا وتوجه العروسان إلى عشهما لتبدأ المشكلات مبكراً بعد ثلاثة أيام فقط، لم يجدا طعاما ولا مالا، ولا من يقرضهما، وانشغلا في التفكير بهذه الضائقة المالية التي جاءتهما سريعا، وظهرت عصبية الزوج الذي لم يجد المخدرات التي يتعاطاها. كان ثالثهما الشيطان عندما تذكرا ذاك المشهد أثناء عقد قرانهما وشاهدا المأذون وهو يفتح خزينة المكتب ووقعت عيونهما على المبالغ داخلها تمنيا حينها أن تكون كل هذه الأوراق المالية من نصيبهما، ولم لا يحدث ذلك الآن، فقررا التوجه إليه وسرقة أمواله، لذا فإنهما لم يكونا صادقين عندما أخبراه بأنهما حضرا من أجل الطلاق، فقد كانت تلك تمثيلية للخروج من المأزق وحتى لا يتسرب الشك إلى نفس الرجل الذي شاهدهما أثناء قدومهما، ووجدا عنده عددا من العرسان، إما للحصول على وثائق الزواج وإما لعقد القران، فاختلقا حكاية الطلاق الوهمية، وسارا في مجاراة الموقف إلى أن انتهى بصيد لا بأس به. الحاجز الحديدي اليوم عادا مرة أخرى قبل أن يحضر الرجل إلى مكتبه، وقام عثمان بنزع الحاجز الحديدي من النافذة الخلفية، وانتظراه إلى أن يأتي ليبدأ عمله، اختبيا خلف بعض قطع الأثاث القديمة وتلك الحجرة في الغالب لا يتم استخدامها كثيرا، والمفاجأة أنه على غير العادة والمتوقع جاء ومعه أحد أصدقائه الذي قضى معه حوالي ساعتين، اضطر العروسان خلال تلك الفترة لحبس أنفاسهما، يتعاملان بلغة الخرس خشية افتضاح أمرهما ويخسران كل شيء، وترك الضيف المكان وغادر إلى بعض شؤونه، وبقي المأذون وحده، وإذا بهما يخرجان له من الداخل، لم يكن ظهورهما سهلا فقد أصابه الهلع والفزع، لم يطمئن منذ وقعت عيناه عليهما، المؤكد من المشهد أنهما ينويان شرا، فحاول الرجل الخروج والهرب للاستغاثة بجيرانه لكن عثمان لم يمكنه من ذلك، امسك بملابسه من الخلف وطرحه أرضا، بينما انهالت العروس على رأسه بقطعة من الخشب جعلته يفقد الوعي لكنه لم يمت، هرع العريس إلى المطبخ فوجد به سكينا وطعنه أول طعنة وكسر النصل، فاضطر لإحضار سكين ثانية وانهال عليه بالطعنات إلى أن تأكد من أنه فارق الحياة. يد الغدر سقط الرجل جثة هامدة بيد الغدر، بعد أن قدم لهما النصح والمساعدة في اليوم السابق، كأنهما يردان له ما فعل من خير معهما بالشر والموت بتلك الطريقة البشعة، سال دمه و تناثر في كل مكان في الشقة، اكتست المفروشات والأثاث باللون الأحمر، المهم الآن البحث عن الغنيمة ولا تهم روح الرجل التي أزهقت ظلما وعدوانا، اتجها نحو الخزينة التي يحتفظ فيها غالبا بالأوراق اكثر مما يحتفظ بالأموال، فهما خطأ أنه يحصل على أموال طائلة من عمله ويمكنه أن يدخرها هنا، لكن الحقيقة أن الرسوم التي يحصل عليها رسميا يقوم بتوريدها إلى البنوك، والمهمة الأساسية لتك الخزينة هي حفظ الأوراق والمستندات وعقود الزواج والطلاق، حيث يقوم بتسليم نسخ منها لذوي الشأن، لم يعثرا إلا على مبلغ زهيد جعلهما يصابان بالجنون من خيبة الأمل فقاما ببعثرة كل محتويات المكان. عندما أرادا أن يغادرا مسرح الجريمة فوجئا بأن ملابسهما ملطخة بالدماء، تسللا خارجين، وبعد خطوات عدة ادعى أن زوجته مصابة بنزيف، وأنه يريد الذهاب بها إلى المستشفى، واستقل سيارة أجرة، واتجه نحو سوق تجاربه واشترى ملابس جديدة بديلة، وعادا إلى البيت يجران ثوب الفشل، لم يتناولا طعام العشاء، لأن الحلم تبدد، وحاولا النوم لكنهما لم يستطيعا ليس لأنهما نادمان على الجريمة ولكن لأن العملية جاءت على غير ما كانا يخططان له. المعاينة الأولية في الليلة نفسها عثر على جثة القتيل في مكتبه، وتبين من المعاينة الأولية لرجال البحث الجنائي وبخبرتهم في مثل تلك القضايا أن الجريمة وقعت بدافع السرقة، بحثوا عن شهود عيان من المنطقة فلم يجدوا شاهدا واحدا على الجريمة، تم البحث بين اللصوص المسجلين في دفاتر الشرطة، لكن الشبهات لم تتجه إلى أي منهم، وسار البحث في دفاتر الزواج والطلاق خلال الأيام الأخيرة، حيث كم كبير من المعلومات، فهناك المئات ممن تم عقد قرانهم وطلاقهم وممن ترددوا على المكتب، لكن لا بد من التوصل إلى الجاني مهما كانت صعوبة المهمة ويجب ألا يفلت بجريمته، وبفحص الأوراق بدقة وعناية والتحري عن كل الأسماء التي وردت فيها تركزت الشبهات كلها حول العروسين الجديدين عثمان وعنبر، لأنهما يمران بضائقة مالية، وأكدت التحريات ذلك، وبعرض صورهما على الجيران والعمال في المنطقة اكدوا أنهم شاهدوهما هنا معا أكثر من مرة خلال الأيام القليلة الماضية. قبل أن يطلع الصبح، وبعد ثماني ساعات من وقوع الجريمة، كان رجال المباحث يطرقون باب مسكن المتهمين. ويلقون القبض عليهما، لم يبديا أي مقاومة أو إنكار، اعترفا في التحقيقات بالتفاصيل كافة، وأحالتهما النيابة إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد المقترن بالسرقة وعقوبتها الإعدام، وتم نقل العريس إلى سجن الرجال، والعروس إلى سجن النساء، ليكملا شهر العسل خلف القضبان، وفي انتظار النطق بالحكم. أحمد محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©