الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحضارة العربية

19 سبتمبر 2012
.. بعد سفر طويل بالقطار عبر الغابات الاستوائية والسهول وصلت إلى كوالالمبور، أمضيت فيها بضعة أيام، استكشف أحياءها وأزقتها، وجدتني مشدوداً لتلك الأحياء القديمة التي تحمل طابعاً إسلامياً، والتي يقطنها في الغالب سكان البلاد الأصليون من الملايو، سكنت في تلك الأحياء واندمجت بين السكان المحليين على رغم الحواجز اللغوية التي أحاول تجاوزها ببضع كلمات تعينني على تدبر أموري اليومية، وهو ما يجعل واحداً مثلي يشعر بالألفة خصوصاً في الحروف العربية المستخدمة كثيراً في اللافتات الإرشادية. وفي كل مكان على الرغم من أنك قد لا تعرف معانيها، غير أن ذلك يعطيك صورة عن حجم التأثير العربي على البلاد، وعلى السكان فترى أسماء لعائلات عربية خرجت من جزيرة العرب ليستقر بها الحال في هذه الأنحاء، تشعر بنوع من الفخر وأنت تجوب تلك المناطق، فخر لا يخلو من غصة لأن المد العربي والإسلامي توقف كثيراً عما كان عليه منذ ألف عام، وإذا كنا بناة حضارة في يوم من الأيام فقد انشغلنا بعدها بشكل أناني، لقد انشغل كل منا بنفسه، إنه ذلك التقوقع على الذات الذي لن يبني حضارة أبداً في كل الأحوال، فبناء الحضارات يعتمد كثيراً على التبادل الثقافي وتجانس الحضارات وتزاوجها ليفرز حضارة جديدة مستلهمة من خليط متجانس من ثقافات متعددة وهو ما نجح سابقاً عندما خرجت الحضارة الإسلامية لتنتشر في بقاع العالم، ونجح حالياً مع الحضارة الأميركية التي أصبحت جزءاً محلياً من ثقافات الشعوب. مسألة التبادل الثقافي شجعتني على البقاء قليلاً في هذه البلاد، والبحث عن عمل لبعض الوقت، فعملت مترجماً، ثم معلماً وواعظاً دينياً، ثم عضواً في فرقة موسيقية جوالة، ورغم سخرية الأيام غير أن ذلك فادني كثيراً في التوغل في المجتمع المحلي وبين السكان الأصليين الذين تجد لديهم كثيراً من الود والألفة، وتستغرب أنهم قد يعاملونك كأنهم يعرفونك أو كأنك واحد منهم. وتعرفت أيضاً على بضعة أشخاص جاءوا من المنطقة العربية، ربما للعمل أو الدراسة، بضعة شبان من السودان بينهم صحفية سودانية تراسل صحفاً عربية، وأكاديمي يدرس اللغة العربية في الجامعة، ورجل أعمال يجوب هذه الأنحاء، يتاجر بين عدة دول في هذه البقاع، يستورد من هنا ويصدر إلى هناك، إنه من أولئك المكافحين من أجل حياة أفضل، وربما سيراً على نهج أولئك التجار العرب الذين جابوا هذه الأنحاء منذ أكثر من ثمانمائة عام وتركوا بصماتهم على جدار الزمن وعلى خريطة المكان. سعيد البادي | rahal ae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©