الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس... وفرحة الدستور الجديد

29 يناير 2014 23:25
بعد مرور ثلاث سنوات على الاحتجاجات والدماء والغازات المسيلة للدموع التي انتهت بفرار ديكتاتور، أصبح للتونسيين أخيراً دستور ليبنوا عليه نظاماً جديداً. وتُعتبر الوثيقة الدستورية التي وُقعت يوم الاثنين مثالاً آخر ضربه هذا البلد الذي أطلقت ثورتُه الانتفاضات العربية في عام 2011؛ حيث تؤسس لدولة ديمقراطية مدنية وترسي أسس قضاء مستقل وتكفل حماية الحريات الفردية الأساسية. كما أن إعدادها أرغم الأحزاب السياسية التونسية المتصارعة على تعلم فن التوافق بعد أشهر من الخصامات وحالات عدم اليقين. غير أن الدستور ليس سوى مخطط عمل إذ لا بد من إصلاح القوانين القديمة وإجراء انتخابات جديدة، بينما يتعين على الزعماء مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة وعلاج الأزمة الاقتصادية. ويوم الاثنين الماضي، كانت مشاعر الفخر والتضامن والارتياح تملأ غرفة الجمعية التأسيسية في وقت غصت فيه القاعة بالمشرعين والإعلاميين تحت ثريا تسطع ضوءاً، وتم وضع صورتين وعلمين تونسيين على مقعدين إحياء لذكرى اثنين من أعضاء الجمعية: محمد براهمي، الذي تعرض لإطلاق نار قاتل، ومحمد علوش، الذي وافته المنية الأسبوع الماضي جراء نوبة قلبية. وقال الرئيس منصف المرزوقي مخاطباً الحضور: «لقد عرفنا الخوف على بلدنا وعلى مؤسساته، واليوم يحق لنا أن نفرح». وبعد بضع دقائق على ذلك، رفع المرزوقي الدستور الجديد، وقبَّله، ثم وقعه. ومن المكان المخصص للصحفيين سُمع صوت يقول «شكراً أيها الرئيس» بينما رفع المرزوقي شارة النصر. كما وقع رئيس الجمعية مصطفى بن جعفر ورئيس الوزراء علي العريض الوثيقة أيضاً، وفجأة راح الجميع ينشد النشيد الوطني التونسي بينما أمسك الثلاثة نسخاً من الدستور الذي كان مغلفاً بالأحمر، لون الدستور التونسي. ويعود آخر دستور تبنته تونس إلى عام 1959، بعد ثلاث سنوات على استقلالها من فرنسا. ورغم أن تونس جمهورية من الناحية النظرية، إلا أنها سرعان ما انزلقت إلى الحكم الديكتاتوري في وقت سخَّر فيه بورقيبة، ثم بن علي لاحقاً، جهاز الشرطة المخيف والمحاكم الخاضعة للتعليمات وترسانة من القوانين للبقاء في السلطة. وإذا كان خلع بن علي قد أنهى حكماً ديكتاتورياً، فإنه أشعل صراعاً إيديولوجياً أبطأ التقدم السياسي؛ حيث يتهم العلمانيون حزبَ «النهضة» الحاكم بتبني أجندة راديكالية والفشل في ضبط الحركة السلفية المتشددة، التي يُشتبه في وقوف أعضاء منها وراء اغتيال سياسييْن من المعارضة العام الماضي، من بينهما براهمي. هذا في حين يشتكي حزب «النهضة» مما يعتبره عرقلة من الأحزاب العلمانية. وكانت العملية الانتقالية في تونس -بما في ذلك إعداد الدستور الجديد- قد توقفت الصيف الماضي في وقت أطلقت أحزاب المعارضة حملة من مظاهرات الشارع والمناورات السياسية بهدف خلع «النهضة» التي ردت بمظاهرات مضادة. غير أنه في الشهر الماضي، وبعد أسابيع من المفاوضات الشاقة، اتفقت الأحزاب على أن تقوم الحكومة بتسليم السلطة لحكومة تصريف أعمال. فعادت الجمعية التأسيسية التونسية إلى الحياة من جديد. وبحماس غير مسبوق، أكملت إعداد الدستور الجديد الذي تم تمريره بعد حصوله على 200 «نعم» و12 «لا» وامتناع أربعة أصوات الأحد. نتيجة رحب بها المشرعون بتصفيقات حارة. الوثيقة الدستورية تبدو مثل تمرين في إيجاد التوافق؛ ذلك أنها تنص بوضوح على أن الإسلام هو دين الدولة ولكنها تصف الدولة في الوقت نفسه بأنها مدنية -وليست دينية- بلغة لا تقل وضوحاً، وتكفل حرية العبادة. كما ضمنت للرجال والنساء حقوقاً متساوية، وحظرت بشكل صريح التعذيب والتجسس على منازل الناس واتصالاتهم الخاصة وإرغام المواطنين على العيش في المنفى -وكلها ممارسات كانت منتشرة بكثرة في عهد نظام بن علي. غير أن ثمة أيضاً تناقضات واضحة، فمن بين أبرز المواضيع الخلافية تعديل في اللحظة الأخيرة لمادة حول الحقوق الدينية تُرغم الدولة على حماية «المقدسات» من الإساءة والتصدي لأي محاولات لتكفير الناس. والحال أن القيام بأي من ذلك يمكن أن يرقى إلى تقييد لحرية التعبير - التي تكفلها مادة أخرى في الدستور. كما يواجه القضاة مأزقاً مماثلاً مع القوانين الحالية التي تتعارض مع الدستور الجديد، حسب ما تقول «كلثوم كنو»، وهي قاضية في العاصمة تونس والرئيسة الفخرية لجمعية القضاة التونسيين. ومن الناحية النظرية، ستتم معالجة هذه المشاكل من قبل محكمة دستورية مخطط لها. وتقول «كنو» في هذا الصدد: «ما أخشاه هو أن يتم تمرير قوانين غير دستورية في هذه الفترة نظراً لأنه ليست لدينا هيئة مستقلة لمراقبتها وكبحها». وفي هذه الأثناء، تلوح المتاعب الاقتصادية في الأفق؛ حيث من المتوقع أن يكون النمو الاقتصادي قد انخفض من 3?6 في المئة في 2012 إلى 2?6 في المئة العام الماضي، وأن يعاود الانخفاض هذا العام، وفق البنك العالمي. كما أن البطالة باتت تحوم في حدود 15 في المئة، وتتفشى على الخصوص في صفوف الشباب وفي المناطق الريفية، حيث بدأت الثورة ضد بن علي في أواخر 2010. وكان عشرات الأشخاص قد تجمعوا الاثنين الماضي أمام مقر الجمعية التأسيسية من أجل التعبير عن إحباطهم من الزعماء المجتمعين في الداخل. وقال أسامة مراسي، الذي يبيع القنينات البلاستيكية لكسب قوت يومه: «إن ثمن الطعام ارتفع، وإن المسؤولين أخذوا العديد من القروض من الخارج». ومن عنقه كانت تتدلى إشارة مكتوب عليها «إن الدستور لا يمثلني!». ‎جون ثورن تونس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©