السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الميليشيات المسلحة في السودان من حرب الريف إلى حرب المدن

3 يناير 2007 01:52
الخرطوم ـ فيصل محمد صالح: انفجرت أوضاع الميليشيات المسلحة في السودان بشكل أكبر مما كان متوقعا، وفي فترات متقاربة· ففي أسبوعين فقط وقعت صدامات في ملكال بين ميليشيات اللواء قبريال تانق التابع للقوات الحكومية السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي نيالا بين ميليشيات استخبارات الحدود (التابعة أيضاً للحكومة) وبين قوات حركة تحرير السودان الموقعة على اتفاق السلام في أبوجا· وما أن هدأت ليومين حتى انفجرت الأوضاع في عاصمة الجنوب جوبا بين فصائل تابعة للحركة الشعبية· وسقط عشرات من العسكريين والمدنيين ضحايا هذه الأحداث· وقد سبق التمهيد لهذه الأحداث باشتباكات محدودة داخل العاصمة السودانية بين قوات الحركة الشعبية وحركة تحرير السودان من جهة وقوات الشرطة السودانية، لكنها كانت نذير الخطر· وقع الصدام الأول بين قوات حركة تحرير السودان (مناوي) التي دخلت الخرطوم بعد توقيع اتفاق أبوجا وبين قوات الشرطة قبل شهر في أمدرمان، عندما حاصرت قوات من الحركة مركز شرطة بأمدرمان وأطلقت سراح أحد جنودها الذي اعتقلته الشرطة، وسارعت الشرطة من جانبها بمحاصرة مكتب الحركة بالمدينة· بعدها بأسبوعين وقع الحادث الثاني في منزل أحد قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو اللواء ياسر جعفر، عضو البرلمان الذي اقتحمت الشرطة منزله للقبض على أحد حراسه، ووقع اشتباك مسلح راح ضحيته الحارس· ولم تسكت قوات الحركة فيما يبدو، فبعد يومين هاجمت مجموعة مسلحة إحدى دوريات الشرطة الليلية وفتحت عليها النار فقتلت أربعة من رجال الشرطة بينهم ضابط· واتهمت الشرطة قوات الحركة بتدبير الهجوم، لكن تدخلت القيادة السياسية على أعلى مستوى لنزع فتيل الأزمة· ووصف الرئيس الفريق عمر البشير في تصريحات صحفية في جوبا التي زارها بعد الأحداث مباشرة ما حدث بأنه ''أحداث فردية يجب تجاوزها·· ويجب ألا تؤثر على مسيرة اتفاق السلام''· وكانت هذه هي الشفرة التي نزعت فتيل الأزمة، وقد فسرها الشارع بأنها اعتراف بأخطاء متبادلة· لكن حدث أن نيران الأزمة التي هدأت بالخرطوم سرعان ما انطلقت في الأقاليم، ولأن الأسباب تلخصت كلها في الوجود المسلح في المدن فقد ارتفعت أصوات كثيرة تحمل اتفاقيات نيفاشا وابوجا المسؤولية عن هذا الفلتان، لأنها اعترفت بهذه الميليشيات ولم تضع ضوابط كافية لوجودها بالمدن· الميليشيات المسلحة·· بداية ربما لا يستطيع المرء تقدير تاريخ الميليشيات المسلحة في السودان، لكن يرتبط تاريخ كثير من هذه الميليشيات بحرب الجنوب، حيث صعب على الجيش الحكومي اختراق بعض المناطق أوالبقاء بها وتطهيرها من قوات الحركة الشعبية، فلجأ لتسليح وتدريب ودعم المجموعات القبلية المسلحة المعادية لقبيلة الدينكا التي تتشكل منها أغلبية قوات الحركة، وأوجد ميلشيات في مناطق لم تكن بها أصلا· وقد حققت التجربة نجاحا، وصارت هناك ميليشيات قبائل النوير والشلك والباريا والمورلي والمنداري الخ···· التي تعمل تحت مسمى قوة دفاع حنوب السودان، ولم تكن مهامها تتجاوز الحفاظ على أمن مناطقها وإبعاد قوات الحركة الشعبية منها· وقامت الحكومة بتطبيق التجربة مع القبائل العربية في مناطق التماس مع الجنوب (المسيرية والرزيقات)، حيث كونت منهم قوات الفرسان ''المراحيل'' التي كانت تتولى حراسة خط قطار السكة الحديد بابنوسة - واو· وكانت القوات المسلحة تتولى تدريب الميليشيات وتزويدها بالسلاح والمعدات والتمويل· ومن المؤكد أن مسألة قيام الميلشيات باستغلال الوضع لتصفية حساباتها القبلية واستغلال الوضع للتمدد في الأراضي الزراعية والمراعي للقبائل الأخرى كانت تحدث منذ ذلك الوقت، لكن لم يتم تسليط الضوء عليها· وفقاً للتقديرات غير الرسمية فقد كان هناك أكثر من (40) فصيلاً مسلحاً بالجنوب عند توقيع اتفاق السلام في نيفاشا في يناير ،2005 تتفاوت درجات تسليحها، لكن الجامع بينها أن جميعها مشكل على أساس إثني وقبلي· ففي منطقة بحر الغزال يسيطر لواء السلام بقيادة اللواء التوم النور دلدوم على مساحة (440) ميلاً مربعاً، وفي المناطق حول واو وتمتد حتى حدود الولاية مع جنوب ''دارفور'' وإفريقيا الوسطى وجنوباً تتاخم حدود منطقة الزاندي في الاستوائية، ولا يزال لواء السلام يدين بالولاء لحكومة الخرطوم، وقد تم تعيين عدد من قياداته كضباط بالقوات المسلحة السودانية· فيما تنتشر قوات دفاع الجنوب بقيادة فاولينو ماتيب وبيتر قاديت، والتي انضمت للحركة الشعبية، على أجزاء واسعة من ولاية الوحدة في منطقتي بانتيو وميوم بجانب فصيل )سءح( بقيادة جيمس ليا وتيتو بيل المكون من قبيلة بُل بمنطقة كيلو (7) بولاية الوحدة وهذا الفصيل انشق عن قوات رياك مشار· أما منطقة فاريانق بنفس الولاية تتوزع فيها قوات القائد صمويل مايك شول وفي شمال بحر الغزال ترابط وحدات من لواء السلام بقيادة السلطان عبد الباقي أكول، الذي انضم أيضا للحركة، بينما انشق عليه أحد أبنائه وتحالف مع الحكومة· أما ولايات أعالي النيل الكبرى فينتشر فيها الفصيل المتحد بقيادة د· لام أكول أجاويد وزير الخارجية الحالي (قبل عودته للحركة)، ومن قادته الميدانيين: جيمس اتو وعوض جادو، ويتمركز الفصيل في منطقة فشودة غرب النيل أوما يعرف بـ''بر الشلك''· وتتمركز أيضاً في هذه المنطقة في منطقة فم الزراف وفنجاك قوات اللواء قبريال تانق· أما محافظتا واط وأيود فتوجد بهما قوات سايمون قارويج وتومس مجور بشكل متداخل وتتمركز بالقرب منها قوات مجموعة بور التي يقودها عبد الباقي كيلو ماكوك بولاية جونقلي· ويقود الوالي إسماعيل كوني فصيل البيبور المكون من قبيلة المورلي، وفي شرق الاستوائية توجد قوة دفاع الاستوائية بقيادة مارتن كيني بمنطقة توريت ومليشيات التبوسا في كوبويتا وتنتشر مليشيات المنداري بقيادة كلمت واني وإليا صمويل في منطقة تركاكا شمال مدينة جوبا بولاية بحر الجبل· وهناك العديد من المجموعات الصغيرة المسلحة في معظم الولايات الجنوبية مثل مجموعات بور والناصر وغيرهما· وقد تمركزت قوات اللواء فاولينو ماتيب، عندما كانت تابعة للحكومة، في منطقة الكلاكلة بالخرطوم، وأقامت نظامها الأمني والقضائي المستقل حتى كادت تصير جمهورية مستقلة، ودخلت في صدامات عديدة مع المواطنين· اتفاق الترتيبات الأمنية تنبه اتفاق الترتيبات الأمنية الموقع بين الحكومة والحركة الشعبية، ضمن بروتوكولات السلام، لوضع الميليشيات وأفرد لها مساحة معتبرة وضعت المبدأ الأساسي أن هناك قوتين عسكريتين معترف بهما هما الجيش الحكومي وجيش الحركة الشعبية (الجيش الشعبي لتحرير السودان)· وقال إنه وبعد فترة زمنية محددة ينبغي على الميليشيات أن تنضم إما لجيش الحركة أوالحكومة· لكن ظهر على الأرض أن الموقف معقد أكثر مما هو متصور· فالميليشيات تعبير عن حاجة وموقف قبلي، وعلى الرغم من تلقيها المساعدات من الحكومة إلا أن لها مصالحها وخططها وأهدافها، وعلاقتها بالحكومة والقوات المسلحة هي علاقة مصلحة متبادلة في مواجهة ما كان عدوا مشتركا، وليست علاقة جهة عميلة أوجدتها الحكومة ويمكن أن تصدر الأوامر لها بالانسحاب وحل نفسها في لأي لحظة· وكل ما يمكن أن تفعله الحكومة هو وقف الدعم عن هذه المجموعات، وعندها قد تدخل الميليشيات في حرب مع قوات الحركة لتضمن نصيبها من السلطة في حكم الجنوب· وقد ظهر هذا التعقيد عندما طرحت الخيارات، بحسب اتفاق الترتيبات الأمنية، على الميليشيات للانضمام للقوات المسلحة أوالحركة الشعبية· فقد اختارت بعضها، مثل اللواء فاولينو ماتيب من النوير وإسماعيل كوني من ''البيبور - المورلي'' وعبد الباقي أكول من ''بحر الغزال'' الانسلاخ من الحكومة والانضمام للحركة، بينما فضلت قوات السلام ببحر الغزال بقيادة اللواء النور دلدوم وقوات دفاع الجنوب بقيادة اللواء قبريال تانق في أعالي النيل الانضمام للقوات المسلحة، ويعض الميليشيات الصغيرة الأخرى· وأخذت الحركة موقفا متعسفا متعللة بالتفسير الحرفي للاتفاقية، فرفضت إعطاء أي اعتبار للوزن السياسي والقبلي لهذه الميليشيات، وطالبت الحكومة بحلها وتجريدها من السلاح· وحتى عندما دخلت الحركة في حوار مع هذه المجموعات الجنوبية المسلحة كان اقرب لحوار إذعان وفرض الشروط، وهو ما رفضته المجموعات وفضلت الاستمرار في التحالف مع الحكومة· ورفضت الحركة الدعوات الجنوبية والشمالية لها بالدخول في حوار مع المجموعات المسلحة وبحث كيفية التعامل معها وما إذا كانت هناك مساحة لإشراكها في السلطة معها أم أن على هذه القوى أن تأخذ وضعها ضمن صفوف المعارضة لسلطة الحركة، وكيف سيكون شكل معارضتها سلما بتحولها لأحزاب سياسية أو بالعمل العسكري؟· وقد رأت القوى المشاركة في منتدى جنوب السودان الديمقراطي بأكسفورد انه يتوجب على الحركة الدخول في الحوار بصدر وعقل مفتوح وإيمان لتأكيد حق تقرير المصير باعتباره طموحاً سياسياً وأساسياً لجنوب السودان والتمسك به والدخول في مفاوضات من أجل السلام مع باقي الأطراف الجنوبية والاعتراف والقبول بها والمصالحة معها وبهذا يتأكد اجماع أغلبية الجنوبيين والتي هي مصممة على العمل من أجل العدالة والسلام الدائم· ميليشيات دارفور لا يختلف الوضع كثيرا في دارفور، فبعد ما كانت هناك حركتان مسلحتان فقط هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، تدخلت عوامل كثيرة ليصبح عدد الحركات الآن يقترب من العشر، سبعة انشقاقات من حركة تحرير السودان '' مجموعة مناوي، مجموعة عبد الواحد، مجموعة عبد الشافع، مجموعة الـ،19 جناح الإرادة الحرة بقيادة البروفيسور عبد الرحمن موسى، جناح السلام بقيادة مادبو، مجموعة جبل مرة'' إلى جانب حركة العدل والمساواة التي خرجت منها حركة الإصلاح والتنمية، وجناح السلام بقيادة أبوريشة· وقد لعبت الحكومة دورا في هذه الانشقاقات على أمل أن تضعف الانشقاقات الحركات المسلحة فتلين مواقفها، لكنها اكتشفت بعد ذلك أنها فتحت على نفسها أبواب جهنم· وكان الخطأ الأكبر هو الاستعانة مرة أخرى بالميليشيات القبلية لمحاربة الحركات المسلحة· وقد تم اختيار القبائل صاحبة الثارات مع القبائل التي ينتمي لها المسلحون، فتلاشت أجندة الحكومة وبدأت أجندة الجماعات القبلية، التي عرفت بعد ذلك بالجنجويد، في الظهور· ومما يظهر الآن فإن الحكومة فشلت في السيطرة على الشيطان الذي أطلقته من العقال، سواء في الجنوب أو في دارفور، وانقلب السحر على الساحر· واخطر ما في المسألة هو امتداد نطاق الخطر الذي تمثله هذه الحركات والميليشيات المنفلتة من الأرياف وميادين النزاع التقليدية إلى داخل المدن· وينتقد كثير من السياسيين والخبراء العسكريين الخطة الأمنية التي أعلنتها وزارة الداخلية لنزع سلاح المجموعات المسلحة، حيث تفتقد المعالجة السياسية للازمة والتعامل معها باعتبارها حالة فلتان أمني فقط· فمن دون حل سياسي لمشكلة الميليشيات، من وجهة نظر هؤلاء، والنظر في إشراكها في العملية السياسية وتسريح ما تبقى منها وفق اتفاق سياسي، سيظل خطرها قائماً في كل اللحظات·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©