الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الربيع العربي» وأصداء «جورج واشنطن»!

15 أكتوبر 2014 00:06
ادوارد لارسون مؤلف كتاب «عودة جورج واشنطن:1783-89» عندما نحتفل بثورتنا الأميركية نميل إلى النظر إليها، باعتبارها عملاً بسيطاً لشعب متحد، وأن نتيجتها السعيدة ترسخت فعلياً بإعلاننا الاستقلال عام 1776. وبالنسبة لنا، أصبح هذا أمراً كان محتوماً تقريباً، وليس عملاً حددته الظروف العارضة وشابته الفوضى، وهذه الرؤية تعرقل قدرتنا على فهم وإدراك تطور الثورات، التي تدور حولنا، خاصة ثورات العالم العربي. وكي يتحقق النجاح يتعين على كل الثورات الشعبية الديمقراطية، سواء في القرن الثامن عشر في أميركا، أو في الشرق الأوسط الآن أن تمر بمرحلتين أساسيتين: أولاً، يتعين أن يطيح الثوار النظام غير الديمقراطي القائم، وبالنسبة للثورة الأميركية، كان هذا يعني إنهاء الحكم البريطاني، وهو الأمر الذي استغرق سبع سنوات من الصراع المسلح. والثورة الليبية لعام 2011، كمثال حديث من العالم العربي، استغرق إطاحة الطاغية السابق فيها، معمر القذافي ما يقرب من عام من القتال، وفي كلا الحالتين تتضح ضرورة المساعدة العسكرية الأجنبية في تحقيق النجاح، وتسبب القتال في نزوح واسع النطاق للمدنيين. فآلاف الموالين للبريطانيين الذين خافوا على أرواحهم وممتلكاتهم فروا قبل تقدم الجيوش الوطنية في أميركا وأصبحوا لاجئين دائمين في الخارج، مثلما فر الآلاف من أمام الثوار في ليبيا، وسعوا للجوء في مكان آخر. وثانياً، لا بد من ظهور نظام مستقر واسع التمثيل النيابي ليحل محل النظام الاستبدادي السابق. وبالنسبة للولايات المتحدة، تطلب هذا ست سنوات إضافية بدأت باتحاد كونفدرالي غير مستقر لولايات تتزايد اضطراباتها، ومر الأمر بالمؤتمر الدستوري في فلادليفيا، وتوج بتنصيب جورج واشنطن عام 1789 كأول رئيس في حكومة اتحادية جديدة، ومازالت المرحلة الثانية حتى الآن تراوغ الثوريين العرب في ليبيا، وفي مناطق أخرى. وهذا ليس أمراً خاصاً بهم. فعبر التاريخ، حدث أن جاءت بعض الثورات، مثل الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 بأنظمة حكم استبدادية أسوأ من السابقة، وبعضها انزلق إلى مراحل فوضى طويلة الأمد، كما حدث في فرنسا في تسعينيات القرن الثامن عشر، ويحدث مثل هذا حالياً في ليبيا فيما يبدو، ولو نظرنا إلى الخلف، لوجدنا أنه من دون واشنطن لكان من المحتمل أن يحدث أي من الأمرين هنا في الولايات المتحدة، فكان من الممكن أن يقوم نظام أشد استبداداً لو أنه لم يتقاعد بعد أول ثورة، وكان من الممكن أن يطول أمد الفوضى لو أنه لم يعاود الظهور عام 1787 فيما وصفه بعض المؤرخين بثورة أميركا الثانية. فقد تنحى «واشنطن» بعد الحرب الثورية، وترك مستقبل البلاد السياسي للآخرين، وأطرى المؤرخون فيما بعد هذا باعتباره ملمحاً أساسياً حدد مسار البلاد السياسي، كما حظي عمله هذا بإطراء مماثل في حين حدوثه أيضاً. وكان النقاد البريطانيون يستشهدون بأمثلة من «يوليوس قيصر» إلى «أوليفر كرومويل»، ويسخرون من الأميركيين لأنهم يثورون ضد الملك جورج لا لشيء إلا ليستبدلوه بـ«جورج آخر» هو جورج واشنطن، وكانوا يشيرون إلى أن لا مفر من أن يصبح زعماء الثورات الناجحة طغاة. وفي الحقيقة، عندما توقع الرسام الأميركي المغترب «بنيامين ويست» أن واشنطن سيتقاعد بعد انتهاء أعمال القتال، أجاب الملك جورج الثالث المتشكك في الأمر بالقول، «إذا فعل هذا لأصبح أعظم رجل في العالم»، وهذه القصة معروفة على نطاق واسع، لذا دعنا نركز على الجزء الثاني من هذا العمل التوازني، وهو دور واشنطن في تشكيل اتحاد أكثر كمالاً عبر تدخل ثوري ثان. فعندما تقاعد واشنطن بعد الحرب كان يأمل في ظهور جمهورية قوية لتوحد الولايات وتحافظ على الحرية، وعندما لم يحدث هذا بدأ في حشد الدعم إلى إصلاح دستوري، وبدأ بخطاب نُشر على نطاق واسع في الولايات في عام 1783 وواصل عمله في صورة خطابات خاصة لا حصر لها. وفي عام 1787، وافق على العودة لدخول ساحة العمل العام، حين ترأس مؤتمراً لصياغة دستور اتحادي جديد، وتمخض المؤتمر عن وثيقة ثورية تعزز السلطة في التجارة والشؤون الخارجية والدفاع الوطني والضرائب والإنفاق للمصلحة العامة بين الولايات في حكومة مركزية واسعة التمثيل النيابي. وعلى خلاف الكثير من حكومات الدول الفاشلة، فقد أحيطت هذه الحكومة الاتحادية الجديدة بعمليات مراقبة لأعمالها وموازنة بين السلطات، وتنازع عليها قصد بها الحفاظ على الحريات وحماية الممتلكات وضمان الحكم «الجمهوري»، ولعب واشنطن بعدها دوراً محورياً في ضمان التصديق على الدستور، وتمكن من إجراء الانتخابات التالية لاختيار أول كونجرس ذي عقلية اتحادية لتطبيق الدستور، ثم أصبح رئيساً بالطبع. وعلق توماس جيفرسون على دور واشنطن في العملية قائلاً، «إن اعتدال وفضل شخصية واحدة منع على الأرجح هذه الثورة من الضياع، كما حدث لغيرها من خلال تدمير الحرية التي قصدت ترسيخها»، إذن تحتاج ثورات «الربيع العربي» إلى « جورج واشنطن» خاص بها، فلا بديل عن زعماء محليين يمثلون مراحل تحول في تاريخ أممهم. ولتنظر إلى الدور الذي لعبه نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، أو فلاكلاف هافيل في جمهورية التشيك، فمن خلال الممارسة، مثل جورج واشنطن، أصبحوا نماذج تحتذى للحكم الجمهوري، ويتعين على الزعماء أن يتقدموا في ليبيا والدول الأخرى الغارقة في ثورات شعبية لم تكتمل. وبالنظر إلى الوقت الطويل الذي استغرقته ثورتنا والفوضى التي انتشرت فيها لا يمكننا أن نتوقع أن تنجح الثورات بين عشية وضحاها، وألا تكون بلا ألم. ونحن نعرف من تدفق الحوادث العارضة التي أصبحت تاريخاً أن عدداً قليلاً من الزعماء أصحاب الأخلاق يمكنهم أن يحدثوا فارقاً دائماً وجورج واشنطن كان واحداً منهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم.سي.تي.انترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©