الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

محمد سبيلا: الشخصية المعولمة بحاجة إلى الثقافة العلمية والمعلوماتية

31 ديسمبر 2006 00:58
المغرب - محمد نجيم : صدر عن دار توبقال المغربية كتاب جديد للمفكر المغربي محمد سبيلا بعنوان '' زمن العولمة : فيما وراء الوهم'' وفيه يقوم بتحليل عدد من القضايا والإشكاليات المعاصرة كالديمقراطية والثقافة السياسية والعولمة، والحداثة والتحديث ،وصراع النخب، والإرهاب وغيرها من المواضيع· الشخصية المعولمة في تحليله لمقولة العولمة يرى الدكتور سبيلا أن الصورة المتداولة التي تقدم عبرها العولمة نفسها هي صورة '' طوفان اقتصادي وإعلامي وثقافي عارم ، طوفان كاسح لا يبقي ولا يذر طوفان يكتسح كافة المجتمعات والاقتصادات ويجرف معه كل الثقافات ، فيفتت هوياتها ويذيب صلابتها ، ويجعلها كيانات في مهب رياح العولمة العاتية · وفي انتظار العولمة الكاسحة، فان فرائص اقتصادنا ترتعد متوجسة من الخطر القادم ، حيث ينادي الجميع اليوم بإعداد اقتصادنا لمواجهة هذه التحديات القادمة ليصمد أمام التنافسية القاتلة التي تنتظره · في هذا الإطار أيضا تندرج الدعوات إلى إدخال المعلوميات والإعلاميات والارتباط بالأسواق العالمية عن طريق الشبكة العنكبوتية العالمية وتهيئة الكادر الإداري والتدبيري للاقتصاد الجديد · إلا أن هناك نداء ضمنيا للكادر الإنساني ذاته ، نداء يستحثه على الاستجابة المبكرة لمتطلبات العولمة وشروطها · انه نداء حار قوي موجه لكل شخص في العالم سواء من موقعه كمنتج أو كمستهلك · ومؤدى هذا الخطاب الذي يفرض نفسه كفرض عين ، إن العولمة تتوجه نحو إنسان كوني ، إلى مواطن العولمة المتكيف معها تكيفا ناجحا ، والمستجيب بالإيجاب لمتطلباتها والممتثل لنداءاتها · ذلك هو الشخص المعولم ، أي ذلك الذي فتح '' حدود '' عقله لثقافتها ( الجماهيرية) و '' حدود '' رغباته لإغراءاتها ولنزواتها الإعلامية ، أي لآرائها ورؤاها وللمعلومات التي تتدفق بها وعبرها في وعيه وفي لا وعيه · هذه الشخصية العولمية المطلوبة إذن في السوق الكوني ، هي ذلك الميركانتيلي الذي لا يقيس الأشياء والأفكار والقيم إلا من خلال مردوديتها · الشخصية النموذجية المطلوبة في نظام العولمة يستحسن أن تكون محايدة ، ليست لديها أية حساسية انتمائية قبلية · إنها بإيجاز الشخصية الميركانتيلية الاستهلاكية ذات المنزع الكوني · إلا أن هذه الشخصية المطلوبة ليست صهرا مع احد · فالمطلوب منها أن تكتسب قدرا من الثقافة العلمية والمعلوماتية حتى تستطيع أن تنخرط بسهولة في النسيج العنكبوتي العالمي وتتواصل معه بلغته وبرموزه ، وتفهم متطلباته وتستجيب لنداءاته · الغرب إلى الحداثة ولم يفت الدكتور سبيلا أن يذكرنا في هذا الكتاب أن '' ثمة تقليدين كبيرين فيما يخص مسألة الحداثة والتحديث : التقليد الجرماني والتقليد الأنجلوسكسوني · فكرت الثقافة الألمانية ، بشقيها الفلسفي والسوسيولوجي بعمق فكري كبير ، في هذه المسألة من زاوية مفهوم الحداثة ككيان تاريخي وفكري جديد كليا انبثقت في الغرب تدريجيا ابتداء من القرن 15 م · تمحور التفكير في الحداثة في البداية في إطار تصور تاريخي حول أحداث مفصلية كبرى شكلت عتبة الحداثة وهي : الإصلاح الديني ، اكتشاف العلم الجديد · ثم لحقتها أحداث أخرى عمقتها ورسختها وحولتها إلى سيرورة تاريخية كاسحة على مستوى العالم ، أهمها الثورة الفرنسية ، والثورة الصناعية ، والثورات العلمية وبخاصة في الفيزياء والبيولوجيا والفلك (التصور الكوسومولوجي الجديد للكون المتمثل في مركزية الشمس وحركية الكون ) وانتهاء بنشوء الدولة الحديثة المركزية المنفصلة عن الامبراطورات الدينية الكبرى · وقد استنبط الفلاسفة الألمان من هذه التحولات البنية الفكرية للحداثة أو إيديولوجيا الحداثة المتمثلة في مركزية الإنسان وأولوية العقل ، وبداهة الحرية ، والدور المحدد للتاريخ الحي ( أو التاريخانية ) · كما ساهم في هذا الاستنباط ديكارت ( أولوية الوعي الذاتي والحرية ) وكانط (أولوية الحرية والعقل والاستقلال الذاتي للفرد ) وهيجل ( شمولية العقل ومطابقته للتاريخ ) ونيتشه وهيدجر اللذان ساهما عبر نقدهما للحداثة والعقل في تشخيص الأسس الفكرية والميتافيزيقية للحداثة مفتتحين الآفاق الفكرية لما بعد الحداثة · أما التشخيص السوسيولوجي والفلسفي للحداثة فقد مثله ماكس فيبر-حسب الدكتور سبيلا- الذي طور اكبر نظرية سوسيولوجية في نشأة الحداثة في الغرب · مجمل هذا التشخيص أن الغرب الحديث هو الكيان الوحيد الذي دلف إلى الحداثة ودشنها دون غيره من المجتمعات الشرقية · لأنه الوحيد الذي استطاع تحقيق عقلنة ثلاثية الأبعاد: عقلنة المنشاة أو المقاولة الاقتصادية ، وعقلنة الإدارة والجهاز البيروقراطي وخلف وفوق ذلك عقلنة النظرة إلى العالم ، أي عقلنة الثقافة انطلاقا من دينامية تأويل دنيوي للثقافة الدينية التي كانت قد تحولت إلى إيديولوجيا حافزة على التطور والاصابة في خانة تطوير الرأسمالية· إلا أن مسألة الحداثة والتحديث - حسب سبيلا - شهدت مصيرا آخر في الثقافة الأنجلوساكسونية · فقد تم في إطارها نحت مصطلح '' الحديث '' في الخمسينات من القرن العشرين وإجراء بحوث نظرية وميدانية موسعة عن التحديث في مختلف بقاع العالم ، ويرى هابرماس في الخطاب الفلسفي للحداثة أن التناول السوسيولوجي - في إطار سوسيولوجيا التنمية التي ازدهرت في العالم الأنجلوساكسوني - لمسألة التحديث '' ارتكز على تجريد هذه المقولة وعزلها عن خلفياتها ومسلماتها الفلسفية ، وأضفى عليها طابعا وظيفيا في إطار سيرورة سوسيولوجية تلقائية في منظور تطوري وتنموي ، بعيدا عن أية آفاق فلسفية واضحة · وهكذا تحول التحديث إلى عملية تنمية شاملة شبه محايدة متعددة المستويات· ·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©