الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

صدام ·· قصة أوهام المجد والمشنقة

31 ديسمبر 2006 00:55
أكـرم ألـفـي : من 28 إبريل 1937 إلي فجر 30 ديسمبر 2006 كانت رحلة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي أثار جدلاً صاخباً في حياته تواصل حتى بعد إعدامه شنقاً بعد إدانته بارتكاب ''جرائم ضد الإنسانية'' بسبب قتل 148 شيعياً في قرية الدجيل بعد محاولة اغتياله في ،1982 لتنتهي قصة رجل اعتبره البعض رمزاً للقومية العربية بينما رآه آخرون ديكتاتوراً ورمزاً للظلم والوحشية· بين صورة صلاح الدين الأيوبي محرر القدس ابن تكريت وصورة الحجاج بن يوسف الثقفي رمز القمع العراقي تاريخياً تداولت قصص صدام· واستكمالا لأسطورية القصة جاء إعدامه الذي واجه فيه الرئيس العراقي المخلوع مشنقته برباطة جأش متمثلاً الأبطال التاريخيين الذين لا يهابون الموت· فعليك ان تصنع اسطورتك بموتك، وقد احترف صدام صنع الأساطير· ومثلما كان ستالين يهوى التماثيل قلده صدام فجعل تماثيله تملأ انحاء العراق، ولكنها تحولت من رمز للمجد إلي رمز لانهيار نظامه في لقطة تحطيم تمثاله في وسط بغداد الشهيرة يوم سقوط بغداد· وعشق صدام الكاميرات فجعل المصورين يلتقطون له صورا وهو يسبح مع ابنائه مروراً بمئات الصور في كافة الأوضاع أشهرها بزيه العربي ومع بندقيته وظلت الكاميرا تلاحقه، فكانت لقطات خروجه ''المهين'' من الحفرة وانتزاع شعيرات من جسده بعد اعتقاله، وحافظ على صورته في المحكمة كقائد لا كمهزوم استسلمت عاصمته بدون إطلاق رصاصة واحدة ، وكانت آخر الصور والمشنقة معلقة في رقبته وجثته المسجاة في كفنه الأبيض· وفي النهاية اشترك صدام في نهاية فيلمه الطويل والمثير للجدل مع كل من موسوليني وتشاوشيسكو، بينما كان يتمنى البعض أن يلقى مصير هتلر وينتحر بعد الهزيمة· الميلاد والسجن الأول كانت اللقطة الأولى في حياة صدام في قرية العوجة على مشارف تكريت (150 كم شمالي بغداد) حيث ولد لعائلة بسيطة تمتهن الزراعة في 28 أبريل ،1937 وفي سن العاشرة انتقل إلى بغداد ليعيش مع خاله· ومع بلوغه عمر العشرين انضم لحزب البعث العربي الاشتراكي· وفي 1959 شارك مع مجموعة من ''البعث'' في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي الراحل عبد الكريم قاسم· وأصيب في ساقه وفر بعدها إلى مصر بعد الحكم عليه بالإعدام غيابياً، وهي المحاولة التى أصر على إعادة تمثيلها وتصويرها لتداولها في الافلام التى تتناول حياته· ورغم ان كافة رفاقه اكدوا ان دوره كان محدودا في تلك الفترة داخل البعث، لكن ''التاريخ يصنعه المنتصرون'' وعندما كان صدام منتصراً ويحكم بغداد صور نفسه على انه محرك الحدث الرئيسي والوحيد بدءاً من محاولة الاغتيال مروراً بكافة التطورات اللاحقة إلى وصوله إلى سدة الحكم· وفي لقطة أخرى، عاد صدام إلى بغداد في فبراير 1963 عقب استيلاء ''البعث'' على الحكم إثر الانقلاب العسكري ولكنه قبل تسعة أشهر من عودته يجد نفسه في السجن للمرة الأولى بعد الاطاحة بحكم البعثيين· وفي السجن ينتخب نائباً للأمين العام لحزب ''البعث''· وبعد عامين يهرب من السجن ليرسم لنفسه طريقاً واضحاً بالوصول إلى الحكم، وهو لا يعرف أن السجن الذي كان بداية الصعود سيكون له المآل بعد 40 عاماً ليخرج منه في المرة الثانية إلى قبره وليس الى قصر السلطة كما في المرة الأولى· البحث عن السلطة تغير دور صدام في حزب ''البعث'' بعد خروجه من المعتقل وساهم بفاعلية في تدبير الانقلاب الذي اعاد البعثيين إلى السلطة والاطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف في يوليو ·1968 ويصعد في المناصب حتى يصل إلى نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في 1969 ليصير الرجل القوي في دولة البعث· وفي 1976 عين لواء في الجيش العراقي· وانتظر صدام الفرصة المناسبة لينقض على السلطة في 16 يوليو 1979 خلفاً للرئيس أحمد حسن البكر الذي تنحى عن رئاسة مجلس قيادة الثورة· ودشن وصوله إلى الرئاسة بعملية تطهير في ''البعث'' أعدم خلالها 23 من قيادات الحزب والجيش· على الجبهة سرعان مع انخرط صدام حسين في حرب شاملة وواسعة مع جارته إيران عقب مناوشات على الحدود في 22 سبتمبر 1980 واستمرت الحرب نحو 8 اعوام لقي خلالها مئات الآلاف من العراقيين والإيرانيين مصرعهم· وخلال هذه الحرب حصل على دعم وتأييد غالبية جيرانه من العرب والولايات المتحدة والعالم الغربي· واشتهرت صوره مع وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت دونالد رامسفيلد، وعشق التقاط الصور في جبهات القتال، وأشهرها جولته مع ملك الأردن الراحل الملك حسين بن طلال وصحبته للجنود واطلاقه المدفع ضد هدف إيراني بنفسه· وأطلق صدام المشروع النووي العراقي بدعم فرنسي وأسس الفرنسيون له اول مفاعل عراقي باسم ''اوسيراك'' إله الموت الفرعوني، وهو المفاعل الذي دمره الطيران الإسرائيلي في بداية الثمانينات·وخلال الحرب مع إيران قمع صدام معارضيه بوحشية غير مسبوقة، وحاول اخفاء صور قتلى بلدة حلابجة الكردية الذين قتلوا بالأسلحة الكيماوية في مارس 1988 ولكن صور الضحايا طافت العالم لتفضح نظامه الوحشي· وما أن انتهى من حرب إيران التى انتهت بهزيمته والخميني معاً، رفض صدام ان يعيش خارج رواية الحرب فقام بمغامرته الكبرى بغزو الكويت في 2 أغسطس 1990 ليجد نفسه في مواجهة العالم ويخوض الحرب التلفزيونية الأولى في تاريخ الإنسانية· ومن 17 يناير 1991 إلى 28 فبراير من نفس العام، كان العالم يتابع الحرب الأميركية الأولى ضد العراق على شاشات التلفزيون والتى انتهت بانسحابه من الكويت، وإدخاله العراق قفص الحصار المرير الذي دفع ثمنه ابناء وأطفال العراق بينما كان هو يستمتع بالحياة عبر بلاد الرافدين· وهنا تراجعت صور البطل المغوار من نشرات الأخبار حول العالم لتحل محلها صور الأطفال الصغار في المستشفيات بدون دواء وصور النعوش اليومية· بينما كان التلفزيون الرسمي يواصل بث صور القائد الملهم وأغانيه كل ساعة حتى لا ينسى شعب العراق انه يرزح تحت نير بطل في زمن انعدم فيه الأبطال· وتتابعت لقطات الاستفتاء الرئاسي ''التاريخي'' في 1995 والذي حصل فيه على 99,96% فقط من أصوات الناخبين، ولكن النسبة لم ترضه فكان استفتاء أكتوبر 2002 الذي حصل فيه على 100% هذه المرة وبنسبة مشاركة 100%· في احدى اعجوبات التاريخ السياسي في العالم تفوق فيها على قدرات ستالين في ''بجاحة'' التزوير· وبعد اختفاء دام عشر سنوات عن الحوارات، ظهر صدام في 2003 لينفي للعالم امتلاك العراق أي أسلحة محظورة أو وجود صلات بين بغداد وتنظيم ''القاعدة'' الإرهابي، ولكن محاولته للإفلات من غزو أميركي فشلت فقد كان البيت الأبيض قد صدق عليه دون انتظار المبررات والاعتذارات، فبوش الابن اراد ان يكمل مهمة والده الناقصة التى بدأها في ·1991 الهروب الكبير عاد صدام يملأ الدنيا خطابات مع بدء الغزو الأميركي في 20 مارس 2003 ، حيث حمل بندقيته ''القديمة'' ليتوعد الأعداء بالموت على ابواب عاصمة الخلافة -التى يهزمها حكامها تاريخيا- وبعد أقل من 3 أسبيع تسقط بغداد بيد الأميركيين ويسقط معها تمثال صدام الكبير، بينما يفر الزعيم ''الشجاع'' مع رفاقه من ساحة المعركة في ظلام الليل ويتركون العراق وحده يدفع بدماء ابنائه ثمن اخطائهم عبر 24 سنة من حكم ورث الكراهية والطائفية والاحتلال، اختفت صور وتماثيل صدام من الميادين في دقائق كما تتحطم قصور الرمال، فيما الباقي الاحتلال والطائفية· وفي قبو صغير يستمع صدام للأخبار فيعرف بمقتل ولديه عدي وقصي في معركة مع القوات الأميركية بالأسلحة النارية في مدينة الموصل في 22 يوليو ،2003 وبعد اقل من ستة أشهر يخرج صدام من الحفرة على يد الأميركيين حلفاء الامس القريب وبالتحديد في 14 ديسمبر ·2003 وهنا تغيرت صورته فظهر وقد خط الشيب لحيته للمرة الاولى وقد اصبح فجأة كهلاً· ليبقي في غياهب السجون لا يعرف عنه أحد شيئا لمدة سنة ونصف حتى يظهر في 19 أكتوبر 2005 مع بدء محاكمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الدجيل· اللقطة الأخيرة·· المشنقة من أكتوبر 2005 إلى نوفمبر 2006 كانت محاكمة صدام بمثابة مسلسل مكسيكي طويل وممل، كانت بدايته مثيرة بالطبع، لكن سرعان ما تحولت انظار المشاهدين عن متابعته· ولكن المحكمة لم تنقصها الاحداث من مواجهات بين صدام والقاضي والمدعين والشهود، وتغيير القاضي حتى صدور الحكم النهائي في 5 نوفمبر بإعدامه شنقاً، وعندها هتف ''يعيش الشعب - تعيش الأمة- يسقط العملاء''· وبعد 55 يوما كان لقاء صدام مع الموت· حيث قيد وهو يرتدي معطفا أسود إلى المشنقة وكان شاحباً ولكن غير خائف او متردد فقد اختار ان ينهي حياته مثل أبطال الاساطير القديمة حتى لا تهتز صورته بعد موته · وكما يقول محللون فقد برع صدام في تحويل كل هزيمة إلى انتصار وكل كارثة إلى عيد، ويبدو أنه حاول أن يحول إعدامه إلى مجد أخير·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©