الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

النمنم وزيراً للثقافة.. كسر احتكار دائرة «الدال»

النمنم وزيراً للثقافة.. كسر احتكار دائرة «الدال»
21 سبتمبر 2015 00:33
إيهاب الملاح (القاهرة) خارج دائرة التوقعات وبورصة الترشيحات والأسماء المطروحة، جاء اختيار الكاتب الصحفي المخضرم والباحث التاريخي المحترف (وأحد أبرز كتاب جريدة الاتحاد لسنوات طويلة) حلمي النمنم وزيرا للثقافة في حكومة الدكتور شريف إسماعيل التي أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، صباح السبت الماضي، وجاء اختيار النمنم لتولي حقيبة الثقافة، خلفاً للوزير السابق عبدالواحد النبوي، لينهي حالة من الصراع والجدل في الشارع الثقافي المصري، طال وامتد واتسع طيلة الأشهر السابقة. النمنم، ليس غريبا عن الحركة الثقافية، المصرية والعربية، فهو صحفي ثقافي عتيد تمرس بالعمل الصحفي منذ تخرجه في كلية الآداب قسم الفلسفة عام 1983، بالتوازي مع ممارسته العمل الثقافي العام وتولى المناصب الإدارية في مؤسسات الدولة الثقافية قبل ما يقرب العقد أو يزيد، كل ذلك بالإضافة إلى كونه باحثاً تاريخياً متميزاً له إسهامات قيمة، وكتب ومؤلفات احتلت مكانها في المكتبة العربية وشهدت له بعمق البحث وتحري الدقة وقوبلت بحفاوة من أهل المعرفة والتخصص. وبمجرد الإعلان عن شخصه كوزير للثقافة، وحلفه لليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، توالت ردود الأفعال والتعليقات من الكتاب والمثقفين، الذين أجمع أغلبهم على تلقي الخبر بالارتياح والقبول والتفاؤل بما هو مقبل، خاصة بعد الفترة العصيبة التي قضتها الجماعة الثقافية المصرية في مواجهتها للوزير السابق عبد الواحد النبوي، فترة تصاعدت فيها المواجهة بحدة وعنف في ظل إصرار الوزير السابق على الإطاحة بمعظم الكفاءات الإدارية التي كانت تتولى المناصب القيادية بمؤسسات وزارة الثقافة، وللغرابة فإن الشخص الوحيد الذي لم يمسه النبوي ولم يطح به من منصبه هو حلمي النمنم الذي خلفه على كرسي الوزارة! دلالات الاختيار ربما كانت هذه المرة الأولى (في حدود ما أعلم) في تاريخ الوزارات المصرية منذ 52 التي يتولى فيها حقيبة الثقافة، وزير جاء من خلفية صحافية، وربما تكون المرة الثانية أو الثالثة التي يأتي فيها الوزير من خارج إمبراطورية «الدال»، أو من غير الأكاديميين الحاصلين على درجة الدكتوراه (محمد عبدالمنعم الصاوي في عصر السادات، وفاروق حسني في عصر مبارك، ربما كانا الوحيدين اللذين توليا منصب وزير الثقافة دون أن يحملا درجة علمية عليا). وربما كانت هذه الملاحظة التي لم تفت على كثير من المتابعين ذات دلالة، لأنها حملت أولا كسرا وخروجا على التقليد المتبع في إسناد حقيبة الثقافة إلى أحد الأكاديميين البارزين في ما بعد 25 يناير 2011 (عماد أبو غازي، شاكر عبدالحميد، محمد صابر عرب، جابر عصفور، عبدالواحد النبوي «الوحيد ربما الذي لا تنطبق عليه كلمة البارزين!») وثانيا لأن النمنم بخبرته الصحافية وكفاءته في العمل الإداري الثقافي، والنجاح الذي حققه في المناصب التي تولاها، قد أثبت أنه ليس من الضرورة ولا من باب الفرض أن يترأس هرم المؤسسة الثقافية أكاديمي «تكنوقراط»، كما يحلو للمحللين السياسيين أن يقولوا، بل من الممكن أن يترأسها خبرة وكفاءة إدارية جاء من خلفية متحررة ومن مظلة واسعة تشمل العمل الصحافي والتأليف البحثي التاريخي والعمل الميداني، إضافة إلى المساهمة في العمل الثقافي العام من خلال المشاركة الواسعة والفاعلة في كل وجوه النشاط والفعاليات الثقافية. وليس غريبا، أن يكون النمنم أيضا أحد أبرز الوجوه الثقافية التي تصدت لتطرف تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها الإخوان المسلمون والسلفيون، خصوصا مع ما اشتهر به من مواقف شجاعة لا تعرف المهادنة ولا أنصاف المواقف، سواء من خلال تصريحاته ومواجهاته الإعلامية مع ممثلي هذا التيار، أو من خلال كتاباته الدورية ومؤلفاته التي أزال بها الكثير من الأساطير والخرافات التي حرص أنصار هذا التيار على بثها ونشرها وترسيخها في أذهان تابعيهم ومريديهم حول الأقنومين الكبيرين «حسن البنا» و«سيد قطب». أصداء الاختيار عبر كثير من المثقفين عن ترحيبهم وتفاؤلهم باختيار النمنم وزيرا للثقافة خلفا للنبوي، وتوالت تعليقاتهم عبر صفحاتهم الخاصة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و(فيسبوك)، أو من خلال تصريحات صحفية وإعلامية. «حلمي النمنم نصير التنوير، وبعبع الإخوان».. هكذا وصفه الشاعر الكبير محمد فريد أبو سعدة الذي عبر عن ترحيبه باختيار النمنم وزيرا للثقافة، وكتب على صفحته الشخصية «ألف مبروك لرئيس الوزراء تخلصه من بعبع (الدال)! خصوصا (الدال) في أي شيء أكاديمي غير الثقافة الحقيقية بمعنى الرؤية والوعي»، في إشارة لاختيار وزير للثقافة من خارج دائرة الأكاديميين المكرسين! واختتم تعليقه بـ «ألم يقولوا: أهل مكة أدرى بشعابها!» في إشارة تالية لخبرة النمنم وتمرسه بدهاليز العمل الإداري الثقافي، ودولاب المهام البيروقراطية وآليات التعامل معها. الكاتب المسرحي الكبير والصحفي محمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب المصريين السابق، أكد أن النمنم هو «الأصلح لتولي» حقيبة الثقافة، وذلك في تصريح أدلى به للصحفي عبدالله نبيل في بوابة «فيتو» الإخبارية، قائلا: إن اختيار حلمى النمنم وزيرا للثقافة ينم عن رؤية واضحة من جانب الحكومة لملف الثقافة ودورها في مرحلة إعادة بناء المجتمع، مضيفا: إن النمنم رجل صاحب فكر واضح ورؤية سليمة للثقافة المصرية، وعبر عنها في مؤلفاته التي اعتمد فيها دائما على البحث العلمي الدقيق والدراسة التاريخية الجادة كما أوضح أن حلمي النمنم قارئ جيد لتاريخ مصر وحضاراتها المتعاقبة، وهو أكثر من يدرك طبيعة الهوية القومية لهذا الشعب، وهي الهوية التي أراد البعض طمسها ولم يأتِ من وزراء ثقافة ما بعد الثورة من قدم برنامجا لتأكيد هذه الهوية والحفاظ عليها وتنميتها، فبدونها لن تقوم للبلاد قائمة ولن تحقق مصر النهضة التي طال تطلع أبنائها إليها. فيما وجه الكاتب والروائي الكبير إبراهيم عبدالمجيد، عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك»، رسالة مودة وتذكير إلى النمنم، بعد أن أبدى ترحابه وقبوله باختياره وزيرا للثقافة، أكد فيها أن مواجهة الإرهاب ليست بتوجيه الثقافة ولكن بأن تكون هناك ثقافة «يقصد خلق مجال ثقافي حقيقي واسع ومتشعب وواصل إلى الشرائح العريضة من الجمهور»، كما شدد على أن الأهم من التصريحات البراقة هو العمل ميدانيا على الأرض، لافتا النمنم إلى ضرورة الاجتماع مع جميع موظفي الهيئات الثقافية ومثقفيها والاستماع إليهم والتعرف منهم على واقع المشكلات الحقيقية التي نواجهها على الأرض في المسرح والفنون التشكيلية والثقافة الجماهيرية.. إلخ، واختتم رسالته بضرورة الاتجاه إلى الاستعانة بالشباب واتخاذ المستشارين منهم، من جيل جديد من المثقفين والأدباء والفنانين الذين لا عمل آخر لهم سوى الفن والأدب والثقافة. الصحفي والباحث والمجادل.. والوزير حلمي النمنم، كاتب صحفي وباحث ومؤرخ مهتم بالقضايا الفكرية والتاريخية والأدبية، من مواليد العام 1959، تخرج في كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة عين شمس 1982. وعقب تخرجه، التحق بمؤسسة دار الهلال، حيث عمل صحفيا بقسم التحقيقات بمجلة «حواء»، ثم انتقل بعدها إلى مجلة «المصور» ليعمل محررا ثقافيا، فمسؤولا عن القسم الثقافي بها، واشتهر بموضوعاته الجريئة ومواجهاته مع الظلاميين والتكفيريين وتصديه للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، كما أسهم من خلال الملفات التي أعدها في فضح ممارسات الإرهاب الفكري ضد المفكرين والمثقفين التنويريين. تدرج النمنم في المناصب الإدارية بمجلة «المصور»، محررا ثقافيا، ثم رئيسا للقسم الثقافي، فمدير تحرير حتى وصل إلى منصب رئيس التحرير، وبعدها تولى منصب رئيس مجلس إدارة دار الهلال. وفي تجارب الصحافة المستقلة التي شهدتها مصر في النصف الثاني من التسعينيات من القرن الماضي، شارك النمنم في تأسيس جريدة «الدستور» في إصدارها الأول عام 1995، وشارك أيضا في تأسيس جريدة «المصري اليوم»، وله مقال ثابت ينشر بها أسبوعيا وعلى مدار سنوات. وخلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، بدأت رحلة النمنم مع العمل في سلك الإدارة الثقافية، حيث أسند إليه الدكتور جابر عصفور، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، آنذاك مسؤولية النشر بالمجلس، وفي عام 2009، تولى منصب نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، وفي العام الأخير تولى مسؤولية الإشراف على دار الكتب والوثائق القومية، كما أسند إليه الوزير السابق عبدالواحد النبوي مهام القائم بأعمال رئيس الهيئة العامة للكتاب في نهاية يوليو الماضي. في مجال البحث التاريخي والتأليف، أصدر النمنم العديد من الكتب التي تحمل طابع التوثيق والكشف عن الملفات التي تدور حول قضايا أدبية فكرية أو في مجال التصدي للفكر المتطرف ودعاة الإسلام السياسي؛ من أبرز هذه الكتب: «جذور الإرهاب من أيام سليم الأول في مصر»، و«الحسبة وحرية التعبير»، و«طه حسين والصهيونية»، وهو محاولة جادة لتقديم قراءة جديدة لفكر طه حسين وبسط مواقفه وآرائه تجاه الصهيونية، خصوصًا وأن طه حسين قد طالته اتهامات باطلة حول هذه المسألة. ويفند حلمي النمنم تلك الاتهامات ويسوق الأدلة والبراهين على نزاهة موقف طه حسين وبراءة ذمته الفكرية والقومية تجاه ما تردد حوله إزاء هذه القضية. وله أيضا «الأزهر الشيخ والمشيخة»، وهو من الكتب التي لاقت رواجا وترحيبا كبيرا في الوسط الثقافي والتاريخي، و«حسن البنا الذي لا يعرفه أحد»، و«سيد قطب وثورة يوليو»، وآخر كتبه التي أصدرها مع مشارف العام الحالي عن سيد قطب أيضا، وكان بعنوان «سيد قطب.. سيرة التحولات» الذي نشره على حلقات في جريدة «التحرير» المصرية، ثم صدر في كتاب عن دار الكرمة للنشر والتوزيع 2015.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©