الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«القيادة التشاركية»

17 سبتمبر 2012
التحولات البنيوية في العمل والمؤسسات لا تقتصر على الإعلام والتكنولوجيا، ومن شأن التأمل في الحاصل منها في عدة مجالات الوصول إلى خلاصات بالغة الأهمية سواء لجهة المشترك أو المختلف فيها. وما لفت نظري في قراءاتي الأخيرة بعض ما جاء في كتاب «كيف تكون قائدا أصيلاً « لمؤلفيه روب جوفي وجاريت جونز، ووصفه كيفية إصابة التراتبية (يسميها المترجم المرتبيات) الوظيفية القديمة في مختلف المؤسسات والشركات بالوهن، بسبب الحاجة إلى أوقات استجابة أكثر سرعة، وبسبب الضغط التنافسي لتخفيف الكلفة وتلاشي الحدود بين المؤسسات بحيث انتقلت من التنافسية التامة إلى قواعد مرنة للغاية تتيح إمكانية التعاون فيما بينها أحياناً. ثم كيف أدت فضائح بعض الرؤساء التنفيذيين وانهيار العديد من الشركات العملاقة الكبرى في العقد الأول من هذا القرن، والتي انكشف الكثير منها لدى بدء الأزمة المالية العالمية، إلى التذكير بتنبؤات عالم الاقتصاد والسياسية الألماني وأحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث ودراسة الإدارة العامة في مؤسسات الدولة ماكس فيبر (1864 –1920) عن «فقدان العالم للحماسة والثقة» بالعمل والمؤسسة، وما أدى إليه من فراغ أخلاقي كبير في المجتمعات الحديثة. يُمهد الكتاب بذلك ليشير إلى انتعاش الطلب على «قيادة أصيلة» تحلّ مكان التراتبية الوظيفية التقليدية، وتستطيع التعبير عن هدف له معنى يشحذ همم العاملين مع ملاحظة حاجة جميع المؤسسات والعاملين فيها إلى قيادة أكثر إلهاما والرغبة الجامحة لدى العاملين في أسفل السلم المؤسساتي إلى تطوير مهارات قيادية ذاتية. لعل ما حداني إلى التوقف عند هذا العرض الانتقائي وشديد التلخيص يكمن جزئياً في التقاء ملاحظات المُؤلفيَن بطريقة أو أخرى مع تركيزي الدائم في أكثر من مقال ومقام على «التشاركية»، وكيف يمكن أن تكون حلاً لكثير من المعضلات التي تعانيها الكيانات، الصغيرة والكبيرة في آن، مع الاعتراف التام بأن عصر الإعلام الاجتماعي والمصدر المفتوح واثبات ثورة تكنولوجيا «التواصل الأفقي» جدواها، قد شكّلت دافعاً حاسماً في ترسيخ قناعتي بالتشاركية والرغبة في التنظير لها بين الحين والآخر. ما اقصده هنا هو أن تخطي العالم للحقبة المنقضية من إدارة وقيادة الكيانات والمؤسسات والشركات لا يتطلب انتشار عدوى تطوير المهارات القيادية الذاتية، مثلما تُبين أيضاً طفرة الدعوات لدورات من هذا النوع التي تصل يوميا بل كل ساعة أحياناً. إنه يتطلب كذلك، وبمقادير قد تختلف من قطاع إلى آخر إلى حالة من «القيادة التشاركية» الحقيقية والتلقائية، التي قد يصعب وضع لائحة وقالب جاهز ومُقنن لها في هذه المرحلة الانتقالية بين أنواع ومفاهيم مختلفة من قيادة الجماعات أو المشاريع، ولكنها «قيادة تشاركية» ضمن معادلة جديدة وصعبة (مع معنى أخلاقي وثقافي يرفد جدواها الإنتاجية)، تمنع تحوّل حمى اكتساب مهارات «الريادة» إلى بيئة تنافسية قاتلة وحرب كراس وامتيازات، ولا تلغي في الوقت نفسه التنوع والفوارق بين مراتب ودرجات الإلهام. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©