الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طوارق الجزائر يبرعون في صناعة الحلي الفضية

طوارق الجزائر يبرعون في صناعة الحلي الفضية
17 سبتمبر 2012
حسين محمد (الجزائر) - احتضن «قصر الثقافة» بالجزائر العاصمة مؤخراً صالوناً وطنياً للحليّ التقليدية بمشاركة 60 عارضاً من أحسن الحرفيين بمختلف أنحاء البلد، خاصة الجنوب حيث تبرز الطوارق بصناعة الحلي الفضة المتميزة بدقتها وجمالها. وقدم المشاركون في الصالون تشكيلاتٍ متنوعة لآخر ما جادت به أناملُهم من أساور وأطقم وأقراط وخواتم وغيرها من أنواع الحلي التي تستهوي النساء والفتيات. حيث أكد بشير كشرود، الأمينُ العام بالنيابة لوزارة الصناعات التقليدية، أن «الهدف من الصالون هو جمع أحسن حِرَفيي البلد في فضاء واحد قصد تبادل الخبرات والمهارات والمعارف بينهم في ميدان صناعة الحلي التقليدية، ما يسمح بتطويرها». إقبال كثيف شهد المعرض إقبالاً واسعاً للسيدات والفتيات، خاصة المقبلات على الزواج، إذ وجدن ضالتهن في الحلي التقليدية المعروضة في ظل الغلاء الفاحش للحلي الذهبية العصرية في الأشهر الأخيرة. وشهدت أجنحة العارضين «الطوارق» إقبالاً كثيفاً منهن، وأرجعت سميرة علوان، معلمة، السبب إلى تميّز حليّ «الطوارق» الفضية بسُمكها وإتقانها، فهي مليئة بالفضة ومنقوشة بأشكال مختلفة و»تملأ العين واليد». إلى ذلك، قال سيد العزاوي، وهو صانع حلي من منطقة تيميمون بولاية أدرار، الواقعة على حدود دولة مالي «تتميز حلي الطوارق بكبر حجمها وامتلائها بالفضة البيضاء، وهذه خاصية «طارقية» أمازيغية، كما تتميز بدقة نقوشها، أحياناً يستغرق النحتُ على سوار فضي ثلاثة أيام، ما يؤكد الأهمية التي يوليها الحرفيون الطوارق لصناعة الحلي التقليدية حرصاً على سمعتها وشعبيتها حتى بين السياح الأجانب». ورغم سُمكها وامتلائها بالفضة، فإن أسعار حليّ «الطوارق» مناسبة جدا، ما شجع على كثافة الإقبال عليها. أما قريبُه، العزاوي بادي فآثر التركيز على الجانب الجمالي لحليِّه التقليدية أكثر من سُمكها، من خلال الزخرفة والنحت والرسم على مختلف الحليّ، مستعيناً بحجر «لاقاط» وبخشب لمّاع مصقول مختلف ألوانه. في هذا السياق، يقول «تعلّمتُ هذه المهنة من أبي وأنا في العاشرة من العمر، نحن نتوارث المهنة أباً عن جد، ومتمسكون بها لأنها عنوان هويتنا الأمازيغية الطارقية وبالتأكيد سأورّثها لأبنائي مستقبلاً، وهذه المهنة تزدهر باستمرار في المنطقة، ونحن نحرص على تعليمها لشباب الطوارق الراغبين بتعلّمها، وقد علّمتُ بنفسي عشرات الشبان في ورشتي العائلية، فما يهمنا هو الحفاظ عليها وازدهارها أكثر». التمسك بالتقاليد يؤكد الحرفي محمد العزاوي أن صناعة الحلي التقليدية تعدّ أحد مظاهر التشبث بالعادات والتقاليد بالمنطقة ولذا يتعلمها الأطفال عن آبائهم في مرحلة مبكرة من أعمارهم، ولهذا السبب تزدهر المهنة باستمرار في الجنوب الجزائري. ويوضح «شخصياً، تعلمتها عن أبي وأنا في الثامنة من العمر، فمن أسرار نجاح هذه المهنة توارثُها أباً عن جد والحرص على إتقانها وممارستها بكل جدية وتفانٍ». لكن محمد يبدي استياءه من ندرة المادة الأولية، خاصة الفضة في المنطقة، ما يُجبر صانعيها على التنقل إلى الجزائر العاصمة لاقتنائها، وهو أمرٌ شاق أكثر من العمل اليدوي المضني باعتبارهم يقطعون مسافات تتراوح بين 2000 إلى 2500 كلم بالحافلة للحصول على حاجياتهم من المادة الأولية. وفي أجنحةٍ أخرى من المعرض، لم يشتكِ الحرفيون من ندرة الفضة، ولكنهم اشتكوا من غلائها المستمر، ما يؤثر في تحديد أسعارها ومكانتهم أمام زبائنهم، يقول بشير بلحضري، من ولاية عين تيموشنت، غرب الجزائر «أفضل صناعة حليِّي من البرونز، فهو متوفر ومنظره جميل ومطلوب من الزبائن في الغرب الجزائري، ولكن أسعاره متذبذبة وترتفع باستمرار، ما يجعل هامش ربح الحرفيين ضئيلاً حفاظاً على زبائننا، نطالب السلطات بتوفير المادة الأولية بانتظام، وبخاصة الفضة والنحاس، وتحديد أسعارها للحِرَفيين لدعم الصناعة التقليدية»، ويواصل «لقد أجبرني الوضع على الاستعانة ببيع الحلي العصرية لكسب قوتي برغم أني أحب صناعة الحلي التقليدية أكثر». صناعة تحتضر في منطقة «القبائل» الأمازيغية، كان الوضع أسوأ بحسب صانعي الحلي التقليدية الممثلين لها في الصالون، فهذه المنطقة التي طالما اشتهرت برواج حليّها التقليدية في العقود الماضية باعتبارها إحدى خصوصياتها هي الأخرى، أصبحت تعاني وتتراجع في السنوات الأخرى. ويقول عبد المجيد شيبان من ولاية «البويرة» (شرق الجزائر) «الحلي التقليدية القبائلية الشهيرة أضحت تتراجع باستمرار وتذبل، بسبب أسعارها العالية التي تقترب من أسعار الحلي الذهبية، والأمر يعود إلى غلاء المادة الأولية وضعف التسويق، فأنا مثلاً أعتمد على المرجان في تزيين حليّي الفضية، ولكن هذه المادة نادرة وتُهرَّب إلى الخارج ولا أحصل عليها إلا بوسائلي الخاصة لأنها غير متوفرة في السوق». ويضيف شيبان متحسراً «تصوروا أن منطقة «بني ينِّي» بولاية تيزي وزو، والتي كانت تُعرف بعاصمة الصناعة التقليدية القبائلية، أصبحت الآن في خبر كان، حيث كان بها أكثر من 400 صانع للحلي، والآن تقلص العدد بشكل رهيب حتى لا يكاد يتجاوز أصابع اليدين فقط، وقد تحوّل أغلبُهم إلى بيع الحلي العصرية أو إلى حرف أخرى، صراحة لقد دخلت صناعة الحلي بمنطقة القبائل غرفة الإنعاش ولا بد أن تتدخل السلطات لإنقاذها من الموت وبعث مجدها وهذا عن طريق توفير المادة الأولية بأسعار معقولة وتخفيض الضرائب، وإلاَّ فلا مستقبلَ لهذه المهنة في المنطقة». بديل مناسب في منطقة «الأوراس»، الأمازيغية هي الأخرى، كانت الوضعية تختلف جذرياً، إذ أبدى ممثلُها في الصالون، إبراهيم كوكش، ارتياحَه لرواج صناعة حلي «البلاكيور» في المنطقة كبديل عن الذهب الحقيقي؛ إذ تقبل عليه الفتيات المقبلات على الزواج والسيدات العاشقات للذهب بكثرة، نظراً لألوانه «الذهبية» الخلابة التي تجعل الكثير يعتقد أنها ذهبٌ أصلي، يقول كوكش «هناك رواجٌ كبير لهذا الصنف من الحلي في منطقة الأوراس وحتى الولايات المجاورة لها إذ تقتنيه العرائس لأسعاره الزهيدة مقارنة بالحلي الذهبية، أعتمدُ على الفضة والنحاس وطبقة رقيقة من الذهب تدوم 10 سنوات، وأطمئِن زبائني بمنحهم كامل الضمانات». والصالون كان مناسبة لآلاف الزبونات للاطلاع على «أحدث» ما صُنع من حليٍّ تقليدية في مختلف مناطق الجزائر وفرصة نادرة لاقتناء ما يناسب أذواقهن وقدراتهن المالية، لاسيما وأن أسعار الذهب قد عرفت ارتفاعا صاروخيا في الأشهر الأخيرة وتسبَّبت في تأجيل أو تجميد الكثير من الأعراس، كما كان أيضاً مناسبة لصانعي الحلي التقليدية لتبادل الخبرات والآراء ومطالبة السلطات بتوفير المادة الأولية وتخفيض أسعارها لدعم هذه الصناعة التي أضحت تستقطب السياح الأجانب والمغتربين الجزائريين، وقد حقق الحِرفيون هدفهم حينما أعلنت وزارة الصناعة التقليدية في اليوم الأخير من الصالون تخفيضَ أسعار مختلف المواد الأولية التي تدخل في صناعة الحلي التقليدية بالجزائر بهدف تحفيز الحِرفيين، وإنعاش هذه الصناعة، وتوفير الأجواء المناسبة لازدهارها باعتبارها إحدى ركائز الصناعة التقليدية المحلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©