الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختلاف القاتلين

اختلاف القاتلين
24 يناير 2013 19:54
(القاهرة) - عثر الرعاة في المنطقة الجبلية على جثة لامرأة، ملقاة على الرمال، يبدو أنها قتلت قبل عدة أيام وفيها آثار ذبح وخنق وطعنات في مختلف أنحاء الجسد، فأبلغوا الشرطة وحضر المحققون، ولم يجدوا مع القتيلة أي شيء يثبت شخصيتها أو يدل عليها، ووجودها هنا ليس دليلاً على أنها تقيم بالقرب من هذه المنطقة، فالجناة غالباً ما يتخلصون من الضحايا في مناطق بعيدة لإبعاد نظر الشرطة عنهم وحتى لا يتم التوصل إليهم. الجريمة لغز وغامض من البداية، فإذا كان تحديد القتلة صعب، فإن تحديد شخصية القتيلة أصعب، فرغم مرور أربعة أيام على وقوع الجريمة لم يكن هناك ما يدل على صاحبة الجثة، لا بد من مراجعة جميع المحاضر في كل الأقسام ونقاط الشرطة حول الأشخاص المتغيبين والذين اختفوا في ظروف غامضة، وبعد بحث مضن، تم التوصل إلى بلاغ قبل يومين فقط عن تغيب امرأة في العقد الخامس من العمر من منزلها، أبلغ شقيقها المباحث بأنه يتصل بها على هاتفها المحمول وعلى هاتف المنزل لكنها لا تجيب، ويشك في أنها قد تعرضت لمكروه. تم التوجه أولاً لشقة المجني عليها، وبالفحص ورفع الآثار والبصمات تبين أنها لقيت مصرعها هنا، وتوجد بصمات لعدد من الأشخاص، لكن لم يتم تحديدهم لأن ذلك يجب أن يسبقه الاشتباه في بعض الأشخاص للبحث بينهم، وليس البحث عن إبرة في كومة قش، هناك آثار دماء بعد أن قام الجناة بتنظيف مسرح الجريمة وغسل غرفة المعيشة والحمام لمحو آثار الدماء، وإن كان ذلك لا يقدم ولا يؤخر في إخفاء معالم الجريمة، لكنهم حاولوا ألا يتركوا وراءهم أي دليل يمكن أن يدل عليهم، حتى أنهم بعد ارتكاب الجريمة لم يتركوا الجثة في الشقة، وإنما نقلوها إلى تلك المنطقة الصحراوية البعيدة إمعاناً في التخفي والتضليل. في البداية أشارت المعلومات إلى وجود خلافات بين القتيلة وشقيقها الذي أبلغ عن الجريمة فهو عاطل، وليس له أي مصدر رزق ويعتمد عليها في كل حياته، ودائماً يطالبها بالمال، وهي تدعوه للعمل بدلاً من الاعتماد عليها وعلى أموالها، وهو يرى أن هذا المال لم يكن لها يد في الحصول عليه ولكنها مثله فالأسرة التي نشآ فيها واحدة من أب وأم فقيرين، وأنها تزوجت من رجل غني لجمالها فقط، ولم يكن عندها مميزات أخرى، ولأن زوجها كان رجلاً ثرياً ومزواجاً، فقد طلقها بعد عدة سنوات، حيث أصابه الملل منها لا لعيب فيها، ولكنه يبحث عن فتاة أخرى أصغر في السن يشتريها بأمواله ويجدد معها شبابه، ولا يجد غير الفقيرات اللاتي يمكن أن يوافقن هن وأسرهن على مثل تلك الزيجات، واعتبرت الطلاق جرحاً لكرامتها، لكنها حصلت على مبالغ كبيرة من مؤخر الصداق والمتعة بخلاف الأموال التي استطاعت أن تدخرها أو تستولي عليها منه أثناء زواجهما، بجانب المبلغ الكبير الذي قدمه لها كنوع من الترضية النفسية لها، لكنها ترى أن هذا كله لا يعوضها عن حصولها على لقب المطلقة، خاصة وأنها لن يكون مرغوباً فيها مرة أخرى، ولن تجد من يتزوجها للمرة الثانية، فالجمال قد ولى والشباب قد ودع، فكان داخلها حقد دفين على الرجال ومنهم أخوها الذي يحاول أن يستولي على أموالها، لكن في نهاية التحقيقات لم يتم التوصل إلى أي دليل إدانة لشقيقها وتم إطلاق سراحه والبحث في اتجاه آخر. المرأة لم تعرف كيف تستثمر أموالها، فهي نصف متعلمة، وبالكاد تقرأ وتكتب وتعلمت بعض العمليات الحسابية البسيطة، ولا تريد لتلك الأموال أن تنقص ولا تمد إليها يدها لتنفق منها، ولكنها تريدها أن تزيد وتربو، ولم تجد أمامها غير الإقراض بالربا، تستغل حاجة المحتاجين الذين لا يستطيعون التعامل مع البنوك والذين لا يملكون ضمانات للاقتراض، وتقدم لهم المبالغ بفوائد كبيرة، مقابل شيكات أو إيصالات أمانة بأضعاف المبالغ حتى تضمن حقها وتضمن السداد، عملاؤها كثيرون وبينها وبين العديد منهم خلافات كبيرة وصلت إلى حد التقاضي أمام المحاكم، لكن المعلومات المتوفرة لم تصل إلى أي دليل ضد أي منهم، ولا يجوز أخذ أحد إلى العقاب لمجرد الشبهات. ومضى ما يقرب من العام، ولم يتمكن رجال المباحث من التوصل إلى القاتل، وأغلق المحضر وقيدت القضية ضد مجهول، بعد أن تم الاستماع إلى كل من يعرف أي معلومة عن القتيلة أو حتى يمت لها بصلة ومنهم طليقها خشية أن يكون عاد للانتقام منها ليسترد أمواله وإن كان أعطاها لها عن طيب خاطر، فعندما تسد السبل يكون الشك في أي شخص مهما كان، لكن حتى ذلك لم كن صحيحاً، وكان الرجل بريئاً من الاتهام ومن الشكوك التي حامت حوله بلا ذنب والأمر لم يتعد التحري والسؤال، ونسي الجميع الجريمة برمتها وأغلقوا صفحتها وفقدوا الأمل في الكشف عن الجاني الذي يبدو أنه محترف ولم يترك خلفه أي أثر أو دليل يمكن أن يكشفه. اليوم وقعت مشاجرة كبيرة على المقهى بين «شعبان» و«حسني»، والغريب أنهما صديقان منذ فترة طويلة، لذا تساءل الرواد ومن يعرفونهما كثيراً عن سبب الخلاف المفاجيء، وغير المبرر فصداقتهما كانت أكبر من أي اختلاف، وتبادلا التهديد بصوت هامس، ولكنه وصل إلى الأسماع وارتفعت الأصوات مع حدة الشجار، وتحول التهديد والوعيد إلى العلانية، سمعه الجميع واخترق الكلام آذانهم، لم يصدقوا ما يسمعون، الصديقان اختلفا على معاملات مالية، وإن كان هذا طبيعياً ومعتاداً، لكن البقية الباقية من الحديث هي الكارثة وفيها العجب، فهذه المعاملات متحصلة عن جريمة قتل اشتركا فيها، ليس الأمر مزاحاً، ولكنه جد خطير، أكداه معاً في وقت واحد وكشفاه على لسان واحد كنوع من الانتقام من بعضهما، لأنهما وصلا إلى طريق مسدود ولم يتمكنا من الاتفاق، فقال كل منهما عليّ وعلى أعدائي، وليكن ما يكون وليذهب الجميع إلى الجحيم. طار الخبر إلى رجال المباحث في التو واللحظة، خاصة بعد أن كشف المتشاجران عن تفاصيل الجريمة، وقررا بأنهما قتلا «ليلى» سيدة الأعمال في المنطقة والتي كان مقتلها حديث الجميع في حينه، فإذا كان البعض لا يعرفونها، فإن الجميع بعد الجريمة عرفوا مسكنها وحكايتها وزادوا عليها من بنات أفكارهم، وصلت سيارة الشرطة بسرعة فائقة وصوت إنذارها المعروف يدوي بما يؤكد وجود خطر كبير وحدث جلل، واصطحبوا الرجلين إلى قسم الشرطة، الأمر لا يحتاج إلى ذكاء ولا دهاء من المحققين فالأوراق كلها مكشوفة وغموض الجريمة الذي كان لغزاً أصبح حقيقة مثل الشمس في كبد السماء. الأول اسمه شعبان تاجر ملابس وأدوات كهربائية، لم يكن له في التجارة ولا الشطارة، لكنه أراد أن يبحث عن الثراء، لم يجد له طريقاً إليه، سمع أن تسعة أعشار الرزق في التجارة، لكن من أين له برأس المال الذي يمكنه من ممارسة هذه الحرفة المربحة، وأخيراً وجده عند «ليلى» سيدة الأعمال التي تم طلاقها مؤخراً وتقرض المال مقابل فائدة، طرق بابها وهو يطمع في مبلغ كبير ليبدأ بشكل جيد ويربح كثيراً، قدمت له ألف دولار، كانت كافية وزيادة، وكعادتها حصلت منه على إيصالات أمانة بالمبلغ وأيضاً على شيكات لتضمن حصولها عليه واسترداده، وإن كانت قد حصلت على الفائدة مقدماً من أصل المبلغ قبل أن تسلمه له ليكون مديناً لها به كله عند السداد، وقد قبل ذلك لأنه يعرف أن هذه طريقتها، بل وشكرها على حسن صنيعها الذي لم يفعله أحد معتبراً أنه من أعمال الخير، وهو يتجاهل حرمة الطريقة التي يتعامل بها. وانطلق شعبان بالدولارات عائداً إلى بيته، ثم يشمها كأن لها رائحة تبعث فيه الحياة بعد أن أوشك على الموت والهلاك، وبدأ تجارته التي لم تكن كما كان يتوقع ويتمنى، وتعثر في الخطوات الأولى، حاول أن يصبر ويتحمل، لكن من أين له بالشطارة التي تدر الأرباح، حتى عندما حان سداد أول قسط مستحق لم يجد منه شيئاً، وطلب السماح من المرأة لتمهله بعض الوقت، لكنها لا تعرف ذلك ورفضت وتوجهت فوراً إلى المحكمة بالأوراق التي بين يديها وخلال ثلاثة أشهر حصلت على أحكام بحبسه، أصبح مطارداً مطلوباً للعدالة، بين ثلاثة نيران، السجن الذي ينتظره وتجارته التي كسدت والمبالغ المطلوبة منه. فكر الرجل في حاله، واستدعى شيطانه، وقرر أن يتخلص من المرأة نهائيا حتى تسقط تلك الأحكام وكذلك لن يكون هناك أي شخص صاحب حق ليطالبه بما عليه من ديون، جلس مع صديقه حسني يشكو له الحال ويعرض عليه الفكرة بأن يقوم بقتلها وسيحصل على مبلغ كبير لا يحلم به ولم يحصل على مثله طوال سنوات عمله في حرفة النجارة، ولم يجادل أو يناقش وقبض المقدم حفنة جنيهات دسها في جيبه وفي اليوم الثاني تسلل إلى بيت القتيلة وادعى أنه يريد أن يقترض مبلغاً مثل عملائها وقدم لها بطاقة هويته، فجاءت بالأوراق للتوقيع عليها فعاجلها بضربات متتالية وخنقها حتى لفظت أنفاسها ووضع الجثة في جوال وحملها إلى صديقه شعبان الذي كان ينتظره على مقربة من مسكنها وقاما بإلقائها في المنطقة الصحراوية، هناك لمحا ما تتحلى به من مجوهرات فقاما بسرقتها. كعادته كان شعبان مماطلاً، ولم يف بالوعد خلال عام كامل ولم يعط القاتل حقه، فكانت نهايتهما وانكشفت كل التفاصيل الدقيقة، إنهما ينتظران الإعدام أو على الأقل المؤبد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©