الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق القطارة نافذة على تراثنا معطرة برائحة الماضي

سوق القطارة نافذة على تراثنا معطرة برائحة الماضي
24 يناير 2013 19:38
إن رغبت في السفر عبر التاريخ والعودة إلى الماضي البعيد، والبحث عن التراث، ما عليك إلا القيام بزيارة واحدة إلى «سوق القطارة» في مدينة العين، هذا السوق الذي يعد من أهم الأسواق القديمة المعروفة، ويرجع وجوده إلى ثلاثينيات القرن العشرين، ويسرد فصولاً تكشف عن أسرار الحرف اليدوية. وعلى الرغم من أن الشكل العام للمبنى الحالي يرجع تاريخ ترميمه إلى عام 1976، يرى الزائر للسوق، المبنى الذي يصل طوله إلى 35 متراً من تسعة عشر محلاً مقسمة على صفين في ممر مركزي مغطى، وإلى الشرق من تلك المحلات توجد غرفة من الطين اللبن تشكل جانباً من مباني كانت تحيط بالساحة التقليدية المهدمة، ومنها بيت محمد بن عدوة الدرمكي، الذي يعد بيته المجاور للسوق من أقدم المنازل. (العين) - في جولة سريعة بين أزقة هذا السوق الذي يحمل في كل ركن منه ذكرى لمن مروا وعاشوا وتبادلوا الأحاديث، وعرضوا بضاعتهم، وباعوا واشتروا، تستشعر أنك في الماضي، تتخيل أنك تسمع هتافات بعيدة وروائح قديمة، تعيد إلى خيالك أطياف من سبقونا وتحس بأنفسهم، ووقع أقدامهم من حولك، وتغمض عينيك فتسمع ضجيج السوق، الذي كانت تدب فيه الحياة منذ الصباح الباكر حتى المساء، فهو لم يكن مجرد مكان لعرض المنتجات، أو للبيع والشراء، فقد كان مقراً للباحثين عن فرصة عمل. حول أهمية سوق القطارة، يقول مسؤول الآثار في إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عمر الكعبي، إن سوق القطارة يبرز أساليب البناء التقليدي للواحات، ويحتوي على أسوار طينية سميكة بها فتحات محدوده صغيره لإدخال الضوء والهواء، ومسقوفة بأخشاب النخيل والحصير المصنوع من النخيل، الذي يستخدم في التسقيف والجص المصنوع من الطين، ويستخدم للأرضيات والجدران، كما تظهر الصور الفوتوغرافية القديمة استمرار استخدام المنازل المصنوعة من الطين اللبن، والتي تلحق عادة بتعريشات تصنع من أغصان وأوراق النخيل، بشكل واسع في العين، حتى نهاية الفترة التي سبقت اكتشاف النفط في ستينيات القرن العشرين. تاريخ السوق وأضاف: يرجع تاريخ سوق القطارة في قرية القطارة إلى ثلاثينيات القرن العشرين، ويتكون مبناه من تسعة عشر محلاً مقسمين على صفين في ممر مركزي مغطى، إلى الشرق من تلك المحلات توجد غرفة واحدة من الطوب اللبن تشكل جانباً من مجموعات المباني السابقة التي كانت تحيط بالساحة التقليدية المهدمة، ومنها بيت محمد بن عدوة الدرمكي، الذي يعد من أقدم البيوت في المنطقة. ولفت إلى أن الأعمال الأثرية الحديثة أظهرت العديد من التفاصيل الخاصة بهذا المبنى القديم، وكيف تم ضمه إلى عملية الترميم التي نفذت في منتصف السبعينيات، وأن الجزء الأوسط من الجانب الجنوبي للسوق يوجد فيه الآن من 14 إلى 16 محلاً، ويتكوَّن في الأصل من غرفة مركزية محصنة، كانت تستخدم مدرسة، وبه باب مفتوح في الجدار الجنوبي للغرفة 14، لافتاً إلى أنه ربما يكون ذلك هو الأقدم من المبنى، الذي كان من المفترض أن يتوسع السوق من حوله، كما تمت إضافة ثلاثة محلات هي 17 و18 و19 إلى الجانب الغربي من هذه الغرفة المحصنة. وعن الغرفة المحصنة قال الكعبي: أسفرت التحقيقات الخاصة بالمحلات 12 و13، عن وجود غرفة أخرى مبنية مقابل الجانب الشرقي من الغرفة المحصنة، حيث كانت تلك الغرفة تحتوى على «مدبسة»، وهو مكان لعصر التمر، تخزن فيه طبقات من التمر في غرفة مغلقة ثم يعصر منها عصير الدبس الذي يؤخذ إلى شبكة من القنوات الموضوعة على الأرض ثم تجمع في جرة فخارية. وأضاف: لقد دونت الملاحظات بخصوص جميع تلك الخصائص الأثرية أثناء أعمال التجديد الحالية للسوق، وتم صونها وقد تم عرض معظمها باستخدام تشطيب جص مختلف عن ذلك المستخدم في الأجزاء التي أعيد بناؤها في سبعينيات القرن العشرين، لافتاً إلى أنه تعرض حالياً سلاسل ألواح تظهر عملية تطوير المبنى وقرية القطارة في غرفة رقم 9 في الطريق الشرقي من السوق. أعمال الترميم وحول ترميم السوق، بين أنه تم استخدام الطوب اللبن والملاط كمادة أساسية في صون سوق القطارة، وقد ظهر أن الطوب اللبن الضارب إلى الحمرة في البناء الأصلي أكبر، وله شكل مختلف للنوع المستطيل المصنوع من الطين الرمادي الذي استخدم في عملية الترميم، مشيراً إلى أن مبنى السوق مر بالعديد من مراحل إعادة البناء وتدخلات الصون، وقد بدأت أول عملية تدخل لإجراء الصون في 22 أغسطس 2012 مع انطلاق مشروع سوق القطارة من قبل هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وعلى مدار هذا العمل، تم استبدال جميع عتبات السقف المصنوعة من النخيل، والتي كانت تضررت بفعل الحشرات، كما تمت معالجة الأبواب وأطرها لحمايتها ضد الحشرات الضارة، وتم تحسين الوصلات بين الجدران الطينية، وكذلك إصلاح الأجزاء التي تضررت بفعل الأمطار، وحيث إن المبنى موجود في منطقة مفتوحة للجمهور، فإن هناك خطة لوضع نظام مراقبة وصيانة في المستقبل، تركز على حماية الأساليب التقليدية لبناء الأسطح وبناء المباني، مع التأكد في الوقت ذاته من معالجة جميع المشكلات في المبنى باستخدام أحدث الأساليب التقنية. المعاملات التجارية وحول طبيعة عمل المعاملات التجارية في سوق القطارة، يشير الكعبي إلى أنه كان التاجر في السوق يُعرف بـ «الدلال»، وذلك لأنه بعد تحديد سعر البضاعة، ينادي بنوع بضاعته، من مواد غذائية أو معدات أو حيوانات، والعاملون بسوق القطارة كانوا يمثلون التجار، أصحاب المحلات التجارية، الذين يوفرون البضائع حسب احتياجات مرتادي السوق، وكذلك فئات التجار، التي تأتي من أسواق أخرى وأماكن مختلفة لعرض أو شراء البضائع، وكم كان هناك أصحاب مهن أخرى، يعملون في الحياكة، والحدادة، والنجارة، والصفارة، وصناعة الفخار، ويضيف: «غالبية العاملين بالسوق يمثلون أبناء منطقة العين ومنطقة واحة القطارة، وإلى جانب التجار الرجال كانت بعض النساء تعملن في السوق لبيع البيض والدواجن التي تربى في المنازل، بالإضافة إلى منتجات السدو من المنسوجات التي يحتاجونها في عمل بيوت الشعر والبسط، وأغطية الأواني المنزلية، وعتاد وزينة الإبل والخيول، بالإضافة إلى منتجات الألبان من السمن « الكامي» والحليب المجفف «اليقط». وحول الدور الاجتماعي للسوق، يضيف: تعتبر الأسواق القديمة بدولة الإمارات مركز الالتقاء والتواصل بين أفراد القبائل المختلفة، فبجانب البيع والشراء، كانت تعد مركزا للتجوال داخلها، مما يجعل الفرصة سانحة للاختلاط بمختلف الأجناس، وكذلك كانت منابر للتباهي بالعادات والتقاليد العربية كالشهامة والشجاعة والكرم، مؤكداً أنه برز العديد في السوق من بينهم الخطباء والرواة، والفنانين، والشعراء، ومن أبرزهم راشد بن عبيد بن حمر عين رحمه الله، وسالم الكاس، وسعيد بن هلال الظاهري. باقة من الفعاليات الثقافية والتراثية لفت مسؤول الآثار في إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة عمر الكعبي إلى أن برنامج افتتاح سوق القطارة تتضمن باقة متنوعة من الفعاليات الثقافية والتراثية، منها أعمال الحرف اليدوية التراثية، التي تكون بشكل مباشر، حيث يجتمع كل زوار السوق لمشاهدة، كيف يتم ذلك يدوياً على يد أحد المختصين بهذه الحرفة القديمة، إلى جانب عروض العيَّالة التي تقدم بعض الأهازيج الشعبية، وعروضاً حيّة للطرق التقليدية للبناء بالطين، وصناعة العريش «سعف النخيل» بمشاركة الجمهور من مختلف الأعمار لإثراء تجربتهم في زيارة السوق الذي أصبح مكاناً جذاباً لمختلف الجنسيات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©