السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بدو شمال الصعيد.. من الصحراء إلى أحضان الدولة

بدو شمال الصعيد.. من الصحراء إلى أحضان الدولة
12 أكتوبر 2014 20:35
«بدو شمال الصعيد» تركيبة خاصة في نسيج المجتمع المصري، والمجتمع البدوي عموماً، إنهم البدو الذين نزلوا من الصحارى وصاروا فلاحين يملكون الأراضي ويزرعونها، ولكن بنفس لهجة وأشعار وأغاني وتقاليد وأعراف الصحراء ونواميس عزلتها القديمة. يعتبر هؤلاء البدو خلاصة واحدة من الرحلات البشرية الكبرى في التاريخ، بدأت من صحارى نجد إلى الشام إلى مصر إلى الصحراء الكبرى حتى المغرب، ثم العودة إلى مصر وتحديداً وسطها الخصب النابض في شمال الصعيد. ويروى أن أصل قبيلتهم الأكبر الرماح «جمع رُمح» - يرجع إلى شاب من بني سليم أحب فتاة من قبيلة بني هلال، ومن أجلها هاجر معهم إلى مصر في تغريبتهم الشهيرة، وعاشوا في مصر وفي نفس مكانهم الحالي تقريباً في زمن الخلافة الفاطمية، ونظراً لطبيعتهم البدوية المحاربة، وتعاملهم مع الحقول باعتبارها مراعي والقرى باعتبارها أهدافاً للسلب والنهب والغزو المستمر، أزعجوا البيت الفاطمي، وعندما وقعت ثورة المعز بن باديس الذي خلع طاعة الفاطميين واستقل بتونس الخضراء ودعا للمذهب السني على منابرها وجدها رجال الخليفة المستنصر بالله الفاطمي فرصة مواتية للخلاص منهم، ليرسل قبائل بني سليم وبني هلال لمحاربة ابن باديس، ليتخلص من قلاقلهم ونهبهم لقرى الفلاحين، ويتخلص من فتنة المعز بن باديس. وبالفعل نجحوا في إخماد ثورة بن باديس وأعادوا تونس للخلافة الفاطمية، وساحوا في الصحراء الكبرى حتى المغرب، حيث تشبه قراهم الحالية في الفيوم وبني سويف والمنيا، قرى الريف المغربي، ثم عادوا إلى مصر في القرن الثامن عشر. صنيعة مصر وعندما احتلت الحملة الفرنسية مصر عام 1798 كوَّنوا جيشاً جراراً، لدرجة أن أحد علماء الحملة الفرنسية حذر نابليون بونابرت شخصياً من قدرتهم على الانقضاض على الحكم بمصر في أي لحظة، وكانوا يتجولون بخيامهم وأسلحتهم في طول البلاد وعرضها خارج أي سيطرة وأي نظام. و«بدو شمال الصعيد» يعتبرون صنيعة مصر، الدولة الحديثة والوطن الأم الكبير، أخذتهم من صميم الصحراء إلى صميم قضاياها وتكوينها الأساسي في العصر الحديث، إنهم القوم الذين حولهم محمد علي باشا من بدو رحل ونهابين ومحاربين بالسلاح إلى مواطنين مستقرين مسالمين يزرعون الأرض. «امتياز العربان» محمد علي باشا عندما بدأ تأسيس مصر الحديثة مطلع القرن التاسع عشر وقفت له قوتان مسلحتان، المماليك حكام البلاد الفعليون على مدى قرون، وبدو شمال الصعيد بقيادة الرماح، الذين يعيشون على الترحال والنهب أحياناً، والمماليك لأنهم في النهاية قلة اعتمد معهم سياسة التآمر والوقيعة والاغتيال حتى تمكن من قوتهم الضاربة في مذبحة القلعة، أما بدو شمال الصعيد فقد كانوا شعباً كاملاً ومتجانساً وشديد الترابط والبأس، لذا اتبع معهم سياسة الترغيب والترهيب، وأصدر تشريعاً خاصاً بهم أطلق عليه «امتياز العربان» ومنحهم أراضي خصبة معفاة من الضرائب، وأعفاهم من السخرة والتجنيد بشرط أن يكفوا عن الترحال والنهب ويستقروا في الأراضي التي منحها لهم، ومن يتمرد كان يعلقه على باب زويلة حتى يكون عبرة لمن يعتبر. ولكنهم بالفعل استقروا على شريط الأراضي الزراعية المتاخمة للصحراء في محافظات الفيوم وبني سويف والمنيا، وبموجب اتفاقهم مع محمد علي احتفظوا بأسلحتهم وتمسكوا بالعيش في الخيام، وظلوا يتمتعون بهذه الامتيازات حتى عهد سعيد باشا. معركة الفيوم تربى محمد سعيد باشا، أصغر أبناء محمد علي، تربية عسكرية في سلاح البحرية واشتهر بالإقدام والشجاعة إلى درجة التهور، وكان من عاداته ركوب حصانه وقيادة كتيبة مسلحة والتجول في طول البلاد وعرضها والقبض على المتمردين والخارجين على القانون بنفسه، ولم يقتنع بخطة والده القائمة على التدرج والنفس الطويل في توطين البدو وبمجرد أن تولى الحكم بعد اغتيال ابن أخيه عباس عام 1854 أصدر قراراً انتقده كبار السياسيين ومنهم نوبار باشا رئيس النظام، يقضي بتجريد فرسان القبائل البدوية من السلاح وتشتيتهم وتجنيدهم في السخرة والجيش، وبالطبع رفض فرسان قبيلة الرماح ضمن من رفضوا فداهمهم سعيد باشا بنفسه على رأس كتيبة عسكرية وشتت مضاربهم جنوب الفيوم، وأسر بعض فرسانهم وربطهم على فوهات المدافع وطاف بهم في المدن والقرى والنجوع حتى ألقاهم في غياهب سجن الإسكندرية، فرد فرسان الرماح بالهجوم على إسطبل خيل كان يملكه سعيد باشا ناحية بني سويف وقتلوا حراسه ونهبوا كل خيوله وضمنها مهرة عربية أصيلة كانت تخصه شخصياً، فأعد سعيد العدة لإبادتهم تماماً وجرد عليهم جيشاً من ثلاث فرق الأولى قادها حسين باشا المعروف بأبي صباع، والثانية قادها إسماعيل باشا الفريق، والثالثة قادها سعيد بنفسه وضم له فرسان قبيلة أولاد علي الموالين له. عاصفة من الزغاريد والتقى ببدو شمال الصعيد بقيادة قبيلة الرماح قرب مضاربهم بالصحراء جنوب الفيوم، وفي بداية المعركة هزم سعيد باشا فرسان الرماح، وكان في مضاربهم القريبة من ساحة المعركة شيخ كهل منهم مصاب بالرمد وشبه مقعد وجالس أمام خيمته يتابع المعركة من بعيد، وحينما أحس بأن جيش سعيد يكاد يهزمهم أمر زوجته بأن تجهز له حصانه وركبه وقال لها «نا هنلهد» أي سينطلق بالحصان للمعركة وأنت وصبايا النجع زغردن خلفي، وبالفعل انطلق إلى ساحة المعركة وسط عاصفة من الزغاريد فظن جيش سعيد أن الرماح جاءهم مدد وتشجع فرسان الرماح وهزموه، وسقط سعيد من فوق حصانه وظل يجري في الغيطان ويخوض في الترع والمصارف حتى اختبأ في سراي أم حليجة. العودة إلى المغرب وبالطبع بعد المعركة قرر مشايخ الرماح الرحيل نهائياً من مصر والعودة إلى المغرب فراراً من انتقام الوالي الواقع لا محالة والحكومة، ولموا خيامهم واتجهوا ناحية الصحراء الغربية التي جاؤوا منها، وتقول الرواية الشعبية إنهم، وبينما كانوا في طريقهم، ويترقبون مداهمة الجيش في أي لحظة كان سعيد يأمر أم حليجة التوسط لإرجاعهم بأي ثمن، فقالت له إن هذا لا يمكن أن يتم إلا بدليل أمان لا يحتمل الشك ألا وهو سيفك وسبحتك، فأعطاهما لها فركبت هي وبعض رجالها على الخيول وانطلقوا بأقصى سرعة حتى لحقوا بالرماح بالقرب من الحدود، واجتمعت مع شيوخهم الأربعين وقالت لهم إنها توسطت لدى أفندينا كعادتها، وأخذت منه عهدا بالعفو عنهم بشرط أن يتملكوا الأراضي ويردوا خيوله ويكفوا عن نهب القرى ووضعت أمامهم سيفه وسبحته. وفي البداية تردد مشايخ الرماح وظنوها مكيدة وبعضهم واصل الرحيل، ولكن أمام لمعة سيف سعيد وسبحته والثقة في أم حليجة التي توسطت كثيراً بينهم وبين الحكومة والأهم حبهم لأرض المنطقة ومراعيها ومياهها العذبة - رجعوا، وذهب معظم مشايخهم إلى سراي أم حليجة للالتقاء بسعيد باشا وإتمام الاتفاق وبمجرد أن دخلوا السراي أغلقت الأبواب ووقعت فيهم مذبحة كمذبحة القلعة بالضبط، ولم يعرف حتى اليوم إن كانت أم حليجة تآمرت مع سعيد أم أنها خدعت مثلهم، ولكن من يومها استسلم فرسان قبيلة الرماح وبدو شمال الصعيد عموما، وكفوا عن الترحال والنهب وامتلكوا الأراضي واستقروا للأبد. ومن يومها أيضاً صاروا في صميم اهتمام الدولة المصرية وفي قلب قضاياها وثوراتها، وعندما شكل الخديو إسماعيل باشا أول برلمان مصري في العصر الحديث ضم له اثنين من مشايخهم بصفتهما القبلية، وفي ثورة 1919 وكّل الشعب المصري أحد شيوخهم حمد باشا الباسل ضمن الأربعة الذين وكّلهم في قضية احتلاله، ولم يكن حمد باشا الباسل مثقفاً ولا سياسياً مخضرماً، وإنما كان شيخاً لقبيلة الرماح، وكان أخوه عبد الستار باشا الباسل زوج الكاتبة الرائدة ملك حفني ناصف أحد مؤسسي حزب الأحرار الدستوريين، وأحد أحفاده الضابط الذي كلف بمحاصرة قصر عابدين ليلة ثورة 1952. عادات بدوية تمسك بدو شمال الصعيد بالعديد من عاداتهم، ومنها حب الخيول، وعقد سباقات يومية لها في صحاريهم الممتدة، وعدم تزويج بناتهم لغيرهم، وإن كانت هذه العادة بدأت تنحسر، غير أن شاباتهن يخرجن للدراسة والعمل وحتى شغل المناصب المهمة، وهم يسمعون الأغاني البدوية، والميسورون منهم يحيي أفراحهم مطربون من البدو، وأشهر وأحب مطربيهم المطرب الشيخ الضرير بوعبعاب والمطرب الشاب عوض بوعبد القادر المالكي. وكان من عاداتهم، حب القاهرة، المركز الذي صنعهم، والحرص الدائم على زيارته والإقامة فيه، وهي بالنسبة لهم مكان الحرية والمرح والحياة، وحينما يقول شاعرهم «مرادي ندردح ونزور بلاد الحرية»، فهو يقصد القاهرة. أم حليجة أم حليجة زعيمة عربان المرابطين الذين ينسبون إلى دولة المرابطين بالمغرب وهاجروا إلى مصر وكفوا عن الترحال واستقروا جنوب الفيوم وسكنوا في البيوت الحجرية منذ العهد العثماني، وكانت تعيش في سراي مبلطة بريالات الفضة والذهب وبها شخشيخة عجيبة تمتص أشعة الشمس طوال النهار وتبثها طوال الليل فتصير لؤلؤة في قلب الصحراء في عز ما كان الناس حولها يعيشون في ظلام دامس وكانت على علاقة وثيقة بالحكومة وكبار قادتها، وكان الوالي شخصياً يزورها وتمد له السجاجيد الحمراء من أول الطريق العمومي حتى منزلها وفي نفس الوقت كانت تتمتع بثقة شيوخ القبائل المتمسكة بحمل السلاح. كادر مع بدو شمال الصعيد عادات بدوية تمسك بدو شمال الصعيد بالعديد من عاداتهم، ومنها حب الخيول، وعقد سباقات يومية لها في صحاريهم الممتدة، وعدم تزويج بناتهم لغيرهم، وإن كانت هذه العادة بدأت تنحسر، غير أن شاباتهن يخرجن للدراسة والعمل وحتى شغل المناصب المهمة، وهم يسمعون الأغاني البدوية، والميسورون منهم يحيي أفراحهم مطربون من البدو، وأشهر وأحب مطربيهم المطرب الشيخ الضرير بوعبعاب والمطرب الشاب عوض بوعبد القادر المالكي. وكان من عاداتهم، حب القاهرة، المركز الذي صنعهم، والحرص الدائم على زيارته والإقامة فيه، وهي بالنسبة لهم مكان الحرية والمرح والحياة، وحينما يقول شاعرهم «مرادي ندردح ونزور بلاد الحرية»، فهو يقصد القاهرة. كادر مع موضوع بدو شمال الصعيد أم حليجة أم حليجة زعيمة عربان المرابطين الذين ينسبون إلى دولة المرابطين بالمغرب وهاجروا إلى مصر وكفوا عن الترحال واستقروا جنوب الفيوم وسكنوا في البيوت الحجرية منذ العهد العثماني، وكانت تعيش في سراي مبلطة بريالات الفضة والذهب وبها شخشيخة عجيبة تمتص أشعة الشمس طوال النهار وتبثها طوال الليل فتصير لؤلؤة في قلب الصحراء في عز ما كان الناس حولها يعيشون في ظلام دامس وكانت على علاقة وثيقة بالحكومة وكبار قادتها، وكان الوالي شخصياً يزورها وتمد له السجاجيد الحمراء من أول الطريق العمومي حتى منزلها وفي نفس الوقت كانت تتمتع بثقة شيوخ القبائل المتمسكة بحمل السلاح.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©